٭ استخلاف الله تعالى خليفة في الأرض لا يعني استخلافه على الأرض فحسب بل يشمل هذا الاستخلاف كلّ ما للمستخلِف سبحانه وتعالى من أشياء تعود إليه. والله هو ربّ الأرض وخيرات الأرض وربّ الإنسان والحيوان وكلّ دابّة تنتشر في أرجاء الكون الفسيح. وهذا يعني أنّ خليفة الله في الأرض مستخلَف على كلّ هذه الأشياء.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:3
٭ عمليّة الاستخلاف الربّانيّ للجماعة على الأرض بالمفهوم الواسع تعني: انتماء الجماعة البشريّة إلى محور واحد وهو المستخلِف أيْ الله سبحانه وتعالى الّذي استخلفها بدلاً عن كلّ الانتماءات الأخرى والإيمان بسيّد واحد للكون وكلّ ما فيه. وهذا هو التّوحيد الخالص الّذي قام على أساسه الإسلام وحملت لواءه كلّ ثورات الأنبياء تحت شعار لا اله إلّا الله.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:4
٭ عمليّة الاستخلاف الربّانيّ للجماعة على الأرض بالمفهوم الواسع تعني: إقامة العلاقات الاجتماعيّة على أساس العبوديّة المخلصة لله وتحرير الإنسان من عبوديّة الأسماء الّتي تمثّل ألوان الاستغلال والجهل والطاغوت.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:4
٭ عمليّة الاستخلاف الربّانيّ للجماعة على الأرض بالمفهوم الواسع تعني: تجسيد روح الأخوّة العامّة في كلّ العلاقات الاجتماعيّّة بعد محو ألوان الاستغلال والتسلّط. فما دام الله سبحانه وتعالى واحداً أو لا سيادة إلّا له والناس جميعاً عباده ومتساوين بالنسبة إليه فمن الطبيعيّ أن يكونوا أخوة متكافئين في الكرامة الإنسانيّّة والحقوق.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:4
٭ إنّ الخلافة استئمان، ولهذا عبّر القرآن الكريم عنها بالأمانة، وتفترض المسؤوليّة والإحساس بالواجب. إذ بدون إدراك الكائن أنّه مسؤول لا يمكن أن ينهض بأعباء الأمانة أو يختار دور الخلافة.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:5
٭ الجماعة البشريّة الّتي تتحمّل مسؤوليّات الخلافة على الأرض إنّما تمارس هذا الدور بوصفها خليفة عن الله ولهذا فهي غير مخوّلة أن تحكم بهواها أو باجتهادها المنفصل عن توجيه الله سبحانه وتعالى لأنّ هذا يتنافى مع طبيعة الاستخلاف وإنّما تحكم بالحقّ وتؤدّي إلى الله تعالى أمانته بتطبيق أحكامه على عباده وبلاده.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:5
٭ إنّ الكائن الحرّ الّذي جعله الله تعالى خليفة في الأرض لا تعني حرّيّته إهمال الله تعالى له بل تغيير شكل الرعاية، فبدلاً عن الرعاية من خلال قانون طبيعيّ لا يتخلّف - كما ترعى حركات الكواكب ومسيرة كلّ ذرّة في الكون - يتولّى الله سبحانه وتعالى تربية هذا الخليفة وتعليمه لكي يصنع الإنسان قدره ومصيره وينمّي وجوده على ضوء هدى وكتاب منير.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:6
٭ إنّ هذا الكائن الحرّ الّذي اجتباه للخلافة قابل للتعليم والتنمية الربّانيّة. وإنّ الله تعالى قد وضع له قانون تكامله من خلال خطّ آخر يجب أن يسير إلى جانب خطّ الخلافة وهو خطّ الشهادة الّذي يمثّل القيادة الربّانيّّة والتوجيه الربّانيّ على الأرض.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:6
٭ إنّ الملائكة لاحظوا خطّ الخلافة بصورة منفصلة عن الخطّ المكمّل له بالضرورة فثارت مخاوفهم. وأما الخطّة الربّانيّّة فكانت قد وضعت خطّين جنباً إلى جنب: أحدهما خطّ الخلافة والآخر خطّ الشهادة الّذي يجسّده شهيد ربّانيّ يحمل إلى الناس هدى الله ويعمل من أجل تحصينهم من الانحراف.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:6
٭ جاء في الحديث "تشبّهوا بأخلاق الله". ولما كانت القيم على المستوى الإلهيّ مطلقة ولا حدّ لها وكان الإنسان الخليفة كائناً محدوداً فمن الطبيعيّ أن تتجسّد عمليّة تحقيق تلك القيم إنسانياً في حركة مستمرّة نحو المطلَق وسير حثيث إلى الله.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:9
٭ كلّما استطاع الإنسان من خلال حركته أن يتصاعد في تحقيق المثل ويجسّد في حياته بصورة أكبر فأكبر عدالة الله وعلمه وقدرته ورحمته وجوده ورفضه للظلم والجبروت سجّل بذلك انتصاراً في مقاييس الخلافة الربّانيّّة واقترب نحو الله في مسيرته الطويلة الّتي لا تنتهي إلّا بانتهاء شوط الخلافة على الأرض.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:9
٭ وضع الله سبحانه وتعالى إلى جانب خطّ الخلافة - خلافة الإنسان على الأرض - خطّ الشهادة الّذي يمثّل التدخّل الرّبّانيّ من أجل صيانة الإنسان الخليفة من الانحراف وتوجيهه نحو أهداف الخلافة الرشيدة.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:9
٭ يعلم الله تعالى ما توسوس به نفس الإنسان وما تزخر به من إمكانات ومشاعر وما يتأثّر به من مغريات وشهوات وما يصاب به من ألوان الضعف والانحلال. وإذا تُرك الإنسان ليمارس دوره في الخلافة بدون توجيه وهدى كان خلقه عبثاً ومجرّد تكريس للنزوات والشهوات وألوان الاستغلال.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:9
٭ الاستخلاف: هو العلاقة الاجتماعيّّة من زاوية نظر القرآن الكريم. وعند تحليل الاستخلاف نجد أنّه ذو أربعة أطراف, لأنّه يَفترض مستخلِفاً أيضاً، لا بدّ من مستخلِفٍ، ومستَخْلَفٍ عليه، ومستخلَف.
مقدّمات في التفسير الموضوعيّ للقرآن الكريم ص:106
٭ يمكن القول بأنّ خطّ الشهادة يتمثّل:
أولاً: في الأنبياء. وثانياً: في الأئمّة الّذين يُعتبرون امتداداً ربّانيّاً للنبيّ في هذا الخطّ.
وثالثاً: في المرجعيّة الّتي تُعتبر امتداداً رشيداً للنبيّ والإمام في خطّ الشهادة.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:12
٭ الشهادة على العموم يتمثّل دورها المشترك بين الأصناف الثلاثة من الشهداء فيما يلي:
أولاً: استيعاب الرّسالة السماويّة والحفاظ عليها.(بما استُحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء).
ثانياً: الإشراف على ممارسة الإنسان لدوره في الخلافة ومسؤوليّة إعطاء التوجيه بالقدر الّذي يتّصل بالرّسالة وأحكامها ومفاهيمها. ثالثاً: التدخّل لمقاومة الانحراف واتّخاذ كلّ التدابير الممكنة من أجل سلامة المسيرة.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:12
الإمامة
٭ أنظروا إلى الثائر النموذجيّ في الإسلام الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام كيف أقدم بكلّ شجاعة وبطولة على مبارزة رجل الحرب الأوّل في العرب عمرو بن عبد ودّ العامريّ واعتبر الناس ذلك منه انتحاراً شبه محقّق، ثمّ كيف أمسك عن قتله بضع لحظات بعد أن تغلّب عليه لأن عَمْراً أغضبه فلم يشأ أن يقتله وفي نفسه مشاعر غضب لديه فيها إلّا لله تعالى ولكرامة الإنسان على الأرض، وبهذا حقّق انتصاراً عظيماً في مقاييس كلا الجهادين في موقف واحد فريد.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:21
٭ لم يكن هذا الشخص الداعية المرشّح للإعداد الرساليّ القياديّ، والمنصوب لتسلّم مستقبل الدعوة وتزعّمها فكريّاً وسياسيّاً، إلّا عليّ بن أبي طالب، الّذي رشّحه لذلك عمقُ وجوده في كيان الدعوة، وأنّه المسلم الأوّل، والمجاهد الأوّل في سبيلها عِبرَ كفاحها المرير ضدّ كلّ أعدائها، وكذلك عمقُ وجوده في حياة القائد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه ربيبُه الّذي فتح عينيه في حجره، ونشأ في كنفهِ، وتهيّأ له من فرص التفاعل معه والاندماج بخطّه ما لم يتوفّر لأيّ إنسان آخر.
نشأة التشيّع والشيعة ص:65-64
٭ كان الإمام (عليّ عليه السلام) هو المفزع والمرجع لحلّ أيّ مشكلة يستعصي حلّها على القيادة الحاكمة وقتئذٍ. ولا نعرف في تاريخ التجربة الإسلاميّّة على عهد الخلفاء واقعة واحدة رجع فيها الإمام عليه السلام الى غيره لكي يتعرّف إلى رأي الإسلام وطريقة علاجه للموقف
نشأة التشيّع والشيعة ص:68
٭ إنّ الشيعة وُلدوا منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرةً، متمثّلين في المسلمين الّذين خضعوا عمليّاً لأطروحة زعامة الإمام وقيادته، الّتي فرض النبيّ الابتداء بتنفيذها من حين وفاته مباشرة. وقد تجسّد الإتجاه الشيعيّّ منذ اللّحظة الاولى، في إنكار ما اتجهت اليه السقيفة من تجميد لأطروحة زعامة الإمام عليّ، وإسناد السلطة الى غيره.
نشأة التشيّع والشيعة ص:79
٭ إنَّ إمامة أهل البيت والإمام عليّ تُعبِّر عن مرجعيّتين: إحداهما المرجعيّة الفكريّة، والأخرى المرجعيّة في العمل القياديّ والاجتماعيّّ. وكلتا المرجعيّتين كانتا تتمثّلان في شخص النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لا بدّ أنْ يصمّم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الامتداد الصالح له لتحمّل كلتا المرجعيّتين، لكي تقوم المرجعيّة الفكريّة بملء الفراغات الّتي قد تواجهها ذهنيّة المسلمين، وتقديم المفهوم المناسب ووجهة النظر الإسلاميّّة فيما يستجدّ من قضايا الفكر والحياة، وتفسير ما يشْكل ويغمض من معطيات الكتاب الكريم، الّذي يشكّل المصدر الأوّل للمرجعيّة الفكريّة في الإسلام، ولكي تقوم المرجعيّة القياديّة الاجتماعيّّة بمواصلة المسيرة، وقيادة المسيرة الإسلاميّّة في خطّها الاجتماعيّ.
نشأة التشيّع والشيعة ص:38-48
٭ لَئِن كانت المرجعيّة القياديّة الاجتماعيّّة لكلّ إمام تعني ممارسته للسلطة خلال حياته، فإنَّ المرجعيّة الفكريّة حقيقة ثابتة مطلقة لا تتقيّد بزمان حياة الإمام. ومن هنا كان لها مدلولها العمليّ الحيّ في كلّ وقت. فما دام المسلمون بحاجةٍ الى فهم محدّد للإسلام، وتعرّف إلى أحكامه وحلاله وحرامه ومفاهيمه وقيمه، فهم بحاجة إلى المرجعيّة الفكريّة المحدّدة ربّانيّاً المتمثّلة أوّلاً: في كتاب الله تعالى، وثانياً: في سنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والعترة المعصومة من أهل البيت الّتي لا تفترق ولن تفترق عن الكتاب كما نصَّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
نشأة التشيّع والشيعة ص:38-48
٭ الإحساس بجدارة الشخص لممارسة السلطة والتطبيق، لا يعني بحالٍ الشعور بإمكانيّة نصبه إماماً فكريّاً، ومرجعاً أعلى بعد القرآن والسنّة النبويّّة لفهم النظريّة، لأنَّ هذه الإمامة الفكريّة تتطلّب درجةً عاليةً من الثقافة، والإحاطة واستيعاب النظريّة. وكان من الواضح أنَّ هذا لم يكن متوفّراً في أيّ صحابيّ بمفرده إذا قُطِع النظر عن أهل البيت عليهم السلام.
نشأة التشيّع والشيعة ص: 84
٭ الحقيقة أنَّ "التشيّع" لم يكن في يوم من الأيّام منذ ولادته مجرّد اتّجاه روحيّ بحت، وإنّما وُلد التشيّع في أحضان الإسلام بوصفه أطروحة مواصلة الإمام عليّ عليه السلام للقيادة بعد النبيّ فكريّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً على السواء.
نشأة التشيّع والشيعة ص: 92
٭ التشيّع لا يمكن أن يتجزّأ إلّا إذا فقد معناه كأطروحة لحماية مستقبل الدعوة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. وهو مستقبل بحاجةٍ إلى المرجعيّة الفكريّة والزعامة السياسيّّة للتجربة الإسلاميّة معاً.
نشأة التشيّع والشيعة ص: 92
٭ لم تنشأ في الواقع النظرة التجزيئيّة الى التشيّع الروحيّ بصورة منفصلةٍ عن التشيّع السياسيّّ، ولم تولد في ذهن الإنسان الشيعيّّ، إلّا بعد أن استسلم الى الواقع، وانطفأت جذوة التشيّع في نفسه كصيغة محدّدة لمواصلة القيادة الإسلاميّّة في بناء الأمّة، وإنجاز عمليّة التغيير الكبيرة الّتي بدأها الرسول الكبير، وتحوّلت الى مجرّد عقيدة يطوي الإنسان عليها قلبَه، ويستمدّ منها سلوته وأمله.
نشأة التشيّع والشيعة ص: 93
٭ ليس من الممكن أن نتصوّر تنازل الأئمّة عن الجانب السياسيّ إلّا إذا تنازلوا عن التشيّع.
نشأة التشيّع والشيعة ص:93
٭ نحن إذا تتبّعنا سير الحركة الشيعيّّة، نلاحظ أنّ القيادة الشيعيّّة المتمثّلة في أئمّة أهل البيت، كانت تؤمن بأنّ تسلّم السلطة وحده لا يكفي، ولا يمكّن من تحقيق عمليّة التغيير إسلاميّاً، ما لم تكن هذه السلطة مدعّمة بقواعد شعبيّة واعية تعي أهداف تلك السلطة وتؤمن بنظريّتها في الحكم، وتعمل في سبيل حمايتها، وتفسير مواقفها للجماهير، وتصمد في وجه الأعاصير.
نشأة التشيّع والشيعة ص: 94
٭ لقد ربط الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بين حقيقتين حين قال (العباد عباد الله والمال مال الله)، وبذلك حطّم الإسلام كلّ القيود المصطنعة والحواجز التاريخيّة الّتي كانت تعوق تقدّم الإنسان وكدحه إلى ربّه وسيره الحثيث نحوه.
صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلاميّ ص:5
٭ إنّ الإمامة الّتي كانت امتداداً روحيّاً وعقائديّاً للنبوّة ووريثاً لرسالات السّماء مارست باستمرار دورها في محاولة تصحيح مسار الدّولة وإعادتها إلى طريقها النبويّ الصحيح. وقدّم الأئمّة عليهم السلام في هذا السبيل زخماً هائلاً من التضحيات الّتي توّجها استشهاد أبي الأحرار وسيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين مع الصفوة من أهل بيته وأصحابه في يوم عاشوراء.
لمحة تمهيديّة عن مشروع دستور الجمهوريّة الإسلاميّة ص:4
٭ امتدّت الإمامة بعد عصر الغيبة في المرجعيّة. كما كانت الإمامة امتداداً بدورها للنبوّة. وتحمّلت المرجعيّة أعباء هذه الرّسالة العظيمة، وقامت على مر التاريخ بأشكال مختلفة من العمل في هذا السبيل أو التمهيد له بطريقة وأخرى.
لمحة تمهيديّة عن مشروع دستور الجمهوريّة الإسلاميّة ص:4
٭ لقد عاش العالم المسلم الشيعيّ دائماً مع كلّ الصالحين وكلّ المستضعفين من أبناء هذه الأمّة الخيّرة عيشة الرفض لكلّ أنواع الباطل والإصرار على التعلّق بدولة الأنبياء والأئمّة، بدولة الحقّ والعدل الّتي ناضل وجاهد من أجلها كلّ أبرار البشريّة وأخيارها الصالحين.
لمحة تمهيديّة عن مشروع دستور الجمهوريّة الإسلاميّة ص:4
٭ أيّ مسلم لا تهزّه أمجاد تلك الصورة وروعتها؟ وأيّ مسلم لا يشعر بالزهو والاعتزاز إذا أحسّ بعمق أنّه يعيد إلى الدنيا من جديد أيام محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام وأيام أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الميامين الّذين ملأوا الدنيا عدلاً ونوراً؟
منابع القدرة في الدّولة الإسلاميّة ص: 15
٭ لا شكّ في أنّ البيعة للقائد المعصوم واجبة لا يمكن التخلّف عنها شرعاً. ولكنّ الإسلام أصرّ عليها واتّخذها أسلوباً من التعاقد بين القائد والأمّة لكي يركّز نفسيّاً ونظريّّاً مفهوم الخلافة العامّة للأمّة.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:23
٭ من الواضح أنّ الحفاظ على الثّورة يفرض أنْ يمتدّ دور النبيّ في قائد ربّانيّ يمارس خلافة الله على الأرض وتربية الجماعة وإعدادها ويكون شهيداً في نفس الوقت. وهذا القائد الربّانيّ هو الإمام. ويجب أن يكون معصوماً لأنّه يستقطب الخطّين معاً ويمارس وفقاً لظروف الثّورة خطّ الخلافة إلى جانب خطّ الشهادة.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:24
٭ الإمام كالنبيّ شهيد وخليفة لله في الأرض من أجل أن يواصل الحفاظ على الثّورة وتحقيق أهدافها. غير أنّ جزءاً من دور الرسول يكون قد اكتمل وهو إعطاء الرّسالة والتبشير بها والبدء بالثّورة الاجتماعيّّة على أساسها. فالوصيّ ليس صاحب رسالة ولا يأتي بدين جديد بل هو المؤتمن على الرّسالة والثّورة الّتي جاء بها الرسول.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:24
٭ الإمامة ظاهرة ربّانيّة ثابتة على مرّ التاريخ وقد اتّخذت شكلَين ربّانيّين: أحدهما شكل النبوّة التابعة لرسالة النبيّ القائد، فقد كان في كثير من الأحيان يخلف النبيّ الرسول أنبياء غير مرسلين يكلَّفون بحماية الرّسالة القائمة ومواصلة حملها. وهؤلاء أنبياء يوحى إليهم، وهم أئمّة بمعنى أنّهم أوصياء على الرّسالة وليسوا أصحاب رسالة. والشكل الآخر هو الوصاية بدون نبوّة وهذا هو الشكل الّذي اتّخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من الله تعالى فعيّن أوصياءه الاثني عشر من أئمّة أهل البيت ونصّ على وصيّه المباشر بعده عليّ بن أبي طالب في أعظم ملأ من المسلمين
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:24
٭ يلاحظ في تاريخ العمل الربّانيّ على الأرض أنّ الوصاية كانت تُعطى غالباً لأشخاص يرتبطون بالرسول القائد ارتباطاً نسبياً أو لذرّيته وأبنائه. وهذه الظاهرة لم تتّفق في أوصياء النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فقط بل اتّفقت في أوصياء عدد كبير من الرسل، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ...﴾ ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾.
خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ص:25
٭ لو أنّ أيّ واحد منّا استطاع أنْ يرى النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم بأمّ عينه، أو رأى أمامه إمام زمانه عجّل اللّه تعالى فرجه، رأى قائده بأمّ عينه وعاهده وجهاً لوجه على أنْ لا يعصي، على أنْ لا ينحرف، على أنْ لا يخون الرّسالة، هل بالإمكان لهذا الإنسان بعد هذا لو فارقته تلك الجلوة ولو ذهب إلى ما ذهَب ولو عاش في أيّ مكان وأي زمان، هل بإمكانه أنْ يعصي؟ هل يمكنه أنْ ينحرف أو يتذكّر دائماً صورة وليّ الأمر عجّل اللّه تعالى فرجه وهو يأخذ منه هذه البيعة وهذا العهد على نفسه؟
أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف ص: 54
٭ كلّ إنسان من عندنا يعيش لحظة لقاء الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه من دون أنْ يلقى الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه ولو مرّة واحدة في حياته. هذه المرّة الواحدة أو المرّتان والثلاثة يجب أنْ نعمل لكي تتكرّر, لأنّ بالإمكان أنْ نعيش هذه اللحظة دائماً. هذا ليس أمراً مستحيلاً، بل هو أمرٌ ممكن والقصّة قصّة إعداد وتهيئة.
أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف ص: 54
٭ ليس عبثاً وليس صدفةً أنّ رائد الطريق دائماً كان إنساناً يعيش الوحي , لأنّه كان لا بدّ له أنْ يعيش طريقه بأعلى درجة ممكنة للحسّ، حتّى لا ينحرف، حتّى لا يتململ، حتّى لا يضيع، حتّى لا يكون سبباً في ضلال الآخرين. ونحن يجب أنْ ندعو، أنْ نتضرّع إلى اللّه دائماً، لأنْ يفتح أمام أعيننا معالم الطريق، أنْ يُرينا الطريق رؤية عينٍ لا رؤية عقل فقط.
أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف ص: 55
٭ أيّ اتّجاه عقائديّ في العالم يريد أنْ يبني الإنسان من جديد في إطاره، ويريد أن ينشئ للإنسانيّة معالم جديدة، فكريّة وروحيّة واجتماعيّّة، يُشترَط لأنْ ينجح، وأنْ ينجز وأنْ يأخذ مجراه في خطّ التاريخ، يشترط أنْ يكون القائ