العقل المؤسساتي عند السيد الأمين (قدسره)

17/11/2021

العقل المؤسساتي عند السيد الأمين (قدسره)

لقد امتاز السيد الأمين بذهنية فريدة من نوعها، حيث امتلك عقلية مؤسساتية؛ ليبقى المجتمع ويستمر ويرتقي إلى مصاف المجتمعات الراقية، إذ لم يكن هدفه منها إطلاق المؤسسات لتخدم حضوره الإجتماعي، وتقوّي من نفوذه أمام الآخرين، حتى ولو كان هذا الآخر من الأعداء. والذي جعله يُضاعف من هذا الجُهد هي المرحلة التي عاصرها وكانت قاسية جداً، فشطراً من حياته كانت في أواخر العهد العثماني، كما عاصر العهد الفرنسي، الذي بدأ بعد الحرب العالمية الأولى وإلى الإستقلال. أراد (قدسره) أن ينهض بمجتمعٍ عانى الحرمان بكُلّ أشكاله وأبعاده من الفقر والأمية والجهل، لهذا كان (رحمه الله) يفكر في بقاء هذه المؤسسات واستمرارها حتى بعد رحيله. وهذا ما حدث، فقد ارتحل السيد سنة 1952م، ولازالت هذه المؤسسات حاضرةً بنفس الفعالية وكأنه لازال بينها.

قلائل هم الذين يفكرون بهذه الطريقة المنتجة، ذات الأبعاد الإستراتيجية، لهذا كان يُطلق المؤسسة ويبني لها كادرها ويضع لها نظامها؛ كي يضمن لها البقاء والإستمرارية، فهناك المئات من الكوادر التي خرّجتهم هذه المؤسسة المحسنية واليوسفية، وقسم كبير منهم كانت ولادتهم بعد رحيل السيد الأمين، ممّا يؤكّد النظرة الثاقبة له (رحمه الله)، وأنه لم يكن يفكّر بنفسه أو بأولاده، بقدر ما كان همّه المجتمع والطائفة برمّتها. واليوم عندما زرتُ هذه المؤسّسات في حي الأمين، شعرت وكأنّ السيد حاضر بينهم يشحذ همهم ويقوّي من عزيمتهم، ويعمل هذا الكادر بكل جدّ وإخلاص مستمداً العزيمة من روح السيد، ومتكلاً على الله تعالى في أن يوفّقه للقيام بهذا العبء الكبير، كما رأيتهم يفكرون بمستقبل هذه المؤسسات، كي تبقى وتستمر على نفس المنوال، وتتطوّر مع تطور الزمن والمجتمع، ولعلّ ما أشار إليه الأخ المهندس السيد بسام مرتضى، الذي كان رئيس الجمعية المحسنية لعشرين سنة، والذي يفكر بنفس ذهنية العلامة الراحل، كما حاول من خلال كتابه (حكاية المحسنية) أن يوثق لمرحلتين – كما أسلفنا - حيث لفت إلى طريقة ونهج عمل السيد المؤسساتي، حيث كان يحرص (رحمه الله) على أن لا يحضر جلسات الجمعية، إلا للضرورة، و ربّما لم يتجاوز حضورُه عددَ أصابع اليد الواحدة، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على ذهنيته الوقادة التي تفكر في تأسيس العمل الذي يجب أن يبقى ويستمرّ من بعده، كي لا يتوقف عليه، وينتهي بمجرّد رحيله.

وأعتقد أنّ مساحة تفكير السيد أوسع من هذه الدائرة، حيث أراد أن يتفاعل المجتمع مع طبيعة هذه المؤسسات، وينطلق من ذاته لإطلاق مشاريع إجتماعية، تُحاكي حسّ المسؤوولية التي زرعها فيهم، ولهذا نشاهد الحاج وجيه بيضون، والد الدكتور لبيب بيضون، يُطلق جمعية إغاثة المريض الفقير، سنة 1944م، وهذه أنشئت في حياة السيد الأمين، وقبل رحيله ب 8 سنوات، فأدخل الفرحة على قلب السيد، واطمأن أنّ المجتمع بدأ يتفاعل ويتحمّل المسؤولية.

مقتطف من كتاب المنهج العلمي والإصلاحي في فكر العلامة المجتهد السيد محسن الأمين (طاب ثراه)، تصنيف العلامة الشيخ حسن البغدادي العاملي،ج1، ص100.

اخبار مرتبطة