العلامة السيد محسن الأمين (طاب ثراه) والصبر والمعاناة في طلب العلم

04/02/2021

العلامة السيد محسن الأمين (طاب ثراه) والصبر والمعاناة في طلب العلم

العلامة السيد محسن الأمين (طاب ثراه) والصبر والمعاناة في طلب العلم

العلامة الشيخ حسن البغدادي العاملي

 

لكلّ  شيء آفة ولطلب العلم آفات

من جملة الأمور التي يجب أن يصبر عليها  طالب العلم في النجف ، هي (المرض )، الذي قد يُصيبه شخصياً ،أو يصيب أحد أفراد عائلته، وهذا حدث  مع العديد من أهل العلم في النجف ، فبعضهم  توفي ، وآخرون عادوا إلى بلادهم .

فذات يوم مرضت زوجة  السيد ، وكانت  مرضعة  ، ولم ينفع معها  العلاج ، فجاء  من يعرض عليه أن يُخرجها إلى (السهلة)، وهي منطقة  بالكوفة ، وفيها بساتين  وكثافة  أشجار ، ويمر أمامها  نهر الفرات  وقريبة من مسجد السهلة ، وكان  هناك  بستان لرجل اسمه (عبود ) يعرفه السيد الأمين ، فترك  زوجته عندهم مع أحد أفراد العائلة ، وكانت زوجة (عبود) الحاجة سكينة ، تقوم  بخدمتها ، واضطر  السيد أن يكون عندها بالليل ، ويرجع إلى النجف فجراً ، كي يحضر درس الشيخ آقا رضا  الهمداني ويُدرّس  الطلاب . وذات مرة  رأى  الأستاذ  الهمداني السيد الأمين  وقد بدا عليه  التعب والإرهاق ، فسأله عن السبب ؟ فحكى له السيد ما حدث معه من مرض العائلة ، والذهاب يومياً إليها ، وربمّا في طريق العودة  لا توجد وسيلة نقل ، فيضطر للعودة إلى النجف  مشياً على الأقدام ، وهنا  ردّ عليه الشيخ رضا الهمداني :

" لكلّ شيء آفة ولطلب العلم أفات " .

هذه العبارة من آقا رضا الهمداني ، تصلح أن تكون درساً أخلاقياً، ويدخل تحتها  عناوين مختلفة ، كما تكشف عن عمق المعاناة  والابتلاءات  التي يعشيها  طلاب  العلم في النجف آنذاك ، ولا يمكن  تجاوز تلك المعاناة ، إلا بالإيمان  والصبر  وتربية  النفس ، التي فيها تخلّي عن كثير ممّا يُحبّ، وتعويدها على ما تكره ، كي يُحوّل المعاناة إلى لذة ، عندها يشعر بحلاوة الإيمان وحلاوة العلم ، وهذا لا يحصل  بمجرد العزم ، بل لا بُدّ من أن يطلب العون من الله تعالى ، متوسّلاً إليه بذلك المرقد المقدّس  لمولى المتقين الإمام علي عليه السلام ،الذي هو إمامه وقدوته.

المعاناة في الحصول على الكتاب

هذه واحدة من آفات طلب العلم في تلك المرحلة ، من عدم توفّر  الكتاب  الذي يحتاجه ، لذلك كان الطالب يضطر لنسخ الكتاب الذي يحتاجه ، ورغم الفائدة  الكبيرة من عملية  النسخ، حيث يقف على كل جملة وكلمة  ، إلاّ إنّها تحتاج إلى  وقتٍ إضافي ، يحتاجه الطالب في مكان آخر ، لهذا  نجد الكثير من المخطوطات  هي ليست لأصحابها ، فهناك نسخة تكون لأحدهم ، وباقي النسخ هي من صنع الآخرين .

السيد الأمين هو واحد من هؤلاء الطلاب الذين كانوا يعانون من قلّة الكتب ، وإذا أرادوا شراء كتاب ٍ ما ، فإنّ الأوضاع المالية  لا يسمح  بذلك ، وإذا  ما اضطروا  إلى  شراء كتاب  ضروري ، فإنّ ذلك يكون على حساب  مصرف عياله.

وذات يوم ، كان رحمه الله مشغولاً بتصنيف كتابٍ في (الإرث) ، بطريقة  استدلالية ، يستوفي جميع فروع الإرث ، وسمّاه (كشف الغامض في أحكام الفرائض )، من مجلدين كبيرين، واحتاج إلى  الجزء المتعلق بالإرث من كتاب (مفتاح الكرامة ) للسيد محمد جواد  الحسيني العاملي، وكانت الموسوعة  موجودة  عند حفيده ، فذهب السيد الأمين إليه وطلب منه هذا الجزء، فقال له في (السرداب)، ولكن لم يأتِ به ، يقول السيد  رحمه الله: " كان في كلّ مرّة يتعذر بعذر واهية حتى فكّرت أن أستنسخه ، وكان عملاً شاقاً ، وبينما أنا عند بائع الكتب  وجدتُ عنده (معاملات  مفتاح الكرامة) ، وهو من عدّة أجزاء، فطلب قيمتها  خمس ليرات ذهب  ، وكان  مبلغاً كبيراً، ومع ذلك اشتريتها  منه وهو عبئ كبير عليّ " .

السيد محسن الأمين ، أعيان الشيعة ، ج15 ، ص 335 .

هذا نموذج من المعاناة  التي يعيشها طلاب العلم في الحوزات العلمية ، هذا  في القرن الرابع عشر هجري ، وقد كانت الكتب متوفرة نسبياً، فكيف إذا تحدثنا عن القرون  التي خلت ، فكان الباحث وطلاب العلم ، يقصدون أماكن بعيدة  وشاقة ،لأجل الحصول على كتاب أو رواية أو طلب مُعيّن، وكانوا يبقون هناك لفترة  طويلة ، حتى ينتهوا من نسخها ، هذه المعاناة  ونحن نتحدث عنها نشعر بالثقل والتعب ، فكيف حال الذين عاشوها .

ذات يوم ، كنت بصحبة المؤرخ الكبير السيد حسن الأمين ، نجل السيد محسن ، وكنا نتحدث عن تحصيل المعلومة ، وكان يقول رحمه الله: كنتُ في بعض الأحيان أضطر لأن أسافر إلى إيران أو العراق وأصعد الجبال، وبعض الأحيان أمتطي (حماراً)،لأنه لا يوجد طرقات، كل تلك المعاناة لأجل أن أحصل على نسخة مخطوطة ، أو معلومة معيّنة .

تبقى المعاناة الأكبر لأولئك القدماء الذين كانوا يُسافرون إلى أماكن بعيدة  ضمن وسائل شاقة ، ومخاطر كبيرة من الناحية  الأمنية والأمراض ، ولهذا  لابُدّ أن  نثني على جهودهم ونشكر سعيهم ، فهم الذين جمعوا  لنا الأحاديث ونسخوا  المخطوطات وبفضلهم وصل كّل هذا الخير إلينا .

نقلاً عن كتاب المنهجُ العلمي والإصلاحي في فكر العلّامةُ المُجتهد السيّد مُحسن الأمين (طاب ثراه)، الشيخ حسن البغدادي العاملي، الجُزء الأول، الصفحة 53 .

اخبار مرتبطة