موقف العلامة السيد محسن الأمين (طاب ثراه ) في العهد الفرنسي . .
موقف العلامة السيد محسن الأمين طيب الله ثراه
في العهد الفرنسي . .
العلامة الشيخ حسن البغدادي العاملي
لم يكن السيد الأمين، لينأى بنفسه عمّا جرى من أحداث في العهد الفرنسي ، كان رحمه الله كبقية علماء جبل عامل ، ينظرون إلى الفرنسيين ، بأنّ وجوده غير شرعي وهو محتلّ لسوريا ولبنان ، وقد أسّس لهذا الخيار كلّ من السيد عبد الحسين شرف الدين ، والشيخ حسين مغنية ،عندما التقيا لجنة تقصي الحقائق في صيدا ، فقد رفضا الوصاية والمساعدة ، وطالبا تلك لجنة بالوفاء بوعد الحلفاء، وهو استقلال جبل عامل بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، والتخلّص من الحضور العثماني ، لكن هذا لم يحدث ، حيث تمّت الوصاية على العراق وفلسطين من قبل البريطانيين، وعلى سوريا ولبنان من قبل الفرنسيين ، لهذا رفض علماء جبل عامل ومعهم الأحرار ، هذه الوصاية ، ولم يكن الوجود الفرنسي مُرحّباً به ، وقد أٌطلقت العديد من المواقف الرافضة لهذا الوجود، وإذا كان هذا الرفض قد جاء على شكلِ أفراد ، من هنا وهناك إلا أنّ الرفض جاء في 24نيسان1920م، عندما دُعي علماء جبل عامل وأعيانُه وزعماؤه والثوار ، ليعبّروا عن موقفهم من الوجود الفرنسي ومن عدّة استحقاقات كان لابُدّ من معالجتها ، وهذا ما عُرف باسم :
<< مؤتمر وادي الحجير >> .
صحيح أنّ السيد محسن الامين لم يحضر هذا المؤتمر ، كونه كان في سوريا ، ولكنه كان شريكاً في المشروع الذي من أجله عُقد مؤتمر الحجير ، وكان أحد الأساسيين الذين حملوا مقرّرات المؤتمر إلى الملك (فيصل ) في سوريا .
وأنا هنا لن أتعرّض على تفاصيل هذا المؤتمر ، والأسباب التي دعت إليه ، وخطاب السيد عبد الحسين شرف الدين في ذلك اليوم المشهود ، إذ لو لم يكن من فائدة لهذا المؤتمر ، إلاّ خطاب السيد شرف الدين ، واجتماع العلماء والأعيان والزعماء والثوار ، كرافضين لهذا الاحتلال لكفى .
ما يعنينا ذكره هما مسألتان ترتبطان بشخص السيد الأمين :
الاولى : الجدلية التي حدثت في تلك الفترة ، من موضوع
(سوريا الكبرى )، والوحدة العربية ، حيث كانت الأندية والصالونات التي ضمّت الشخصيات العلمية والفكرية والسياسية ، تناقشُ هذا الموضوع، ولم يكن السيد الأمين ، بعيداً عنها ، وهو الذي شارك في النقاش حولها ، ولولا هذه القناعة لما ذهب مع السيد عبد الحسين شرف الدين ، إلى لقاء الملك فيصل حاملاً معه مقرّرات المؤتمر ، وأهمُّ بندٍ فيه هو فكرة (سوريا الكبرى ).
الثانية: هي مشاركة السيد الأمين بنتائج مؤتمر الحجير ، وكما قلت فأنّ سماحته لم يكن بعيداً عن الأسباب الموجبة لانعقاد هذا المؤتمر وعن نتائجه .
فعندما أنهى المؤتمرون جلساتهم ، وخرجوا بمقرّرات نهائية ، التي منها رفض الفتنة بين المسلمين والمسيحيين والتي يُذكي نارَها المحتلُّ الفرنسي ، ومنها أيضاً أنه يجب تفويت الفرصة وعدم جواز الانزلاق نحو هذا الصراع، والموضوع الأهم ، كان هو إبلاغ الملك فيصل ، بأنّ المعنيين في جبل عامل ، يريدون عدم الاستفراد بجبل عامل والذهاب إلى فكرة (سوريا الكبرى ).
بقى الكلام من الذي سيحمل هذا القرار إلى سوريا ، فكان المبادر الشجاع السيد عبد الحسين شرف الدين ومعه السيد عبد الحسين نور الدين ، واعتذر الشيخ موسى قبلان لكبر سنّه وآخرون لمرضٍ ألمّ بهم ، وعلى ما يظهر كانوا يدركوا مخاطر هذا التوجه إلى سوريا ، وأنّ الذي يحمل هذا القرار سوف يدفع الثمن ، ولمّا وصل السيد شرف الدين مع السيد نور الدين إلى سوريا ، التقيا بالسيد محسن الأمين ، وتشكّل الوفد من هؤلاء الثلاثة لزيارة الملك فيصل ، وهناك تحدّث السيد الأمين ، وألقى السيد نور الدين قصيدةً ، وأبلغوه القرار .
لكن ّ السيد الأمين يختلف نقلُه جزئياً ،فقال :
" بعدما توّج فيصل ملكاً على سوريا حضر اثنان من علماء جبل عامل – يقصد بهما السيد عبد الحسين شرف الدين والسيد عبد الحسين نور الدين ، من دون التصريح باسميهما – ودخلنا على الملك فيصل ، فقال لي : كيف الحال عندكم ؟ فقلت : أنا قاطن هنا في سوريا والجماعة عندهم الخبر ، وهم موفدون من قبل أهل جبل عامل لأخذ رأي جلالتكم فيما يصنعونه ،لأن أهل المنطقة الشرقية يقولون لهم ، إمّا أن تكونوا معنا أو علينا ، فقال بعد الغداء يأتيكم رأي ، وكان قد دعانا إلى الغداء عنده فلما تغدّينا خرج ثم دعانا إليه ، فقال : إنّكم سألتموني عن رأي فأقول : إنّ أهل جبل عامل يعزّون عليّ ولا أريد ان يصيبهم بسبي سوء فليلزموا السكون " .
إذاً السيد الأمين من المشاركين في مؤتمر وادي الحجير من هاتين الزاويتين، وعدم دخوله تفاصيله كان بسبب بعده الجغرافي عن جبل عامل ، ولكن الموقف من الفرنسيين لم يختلف بين الحركة الوطنية في سوريا وبين الحركة الوطنية في لبنان الرافضة للوجود الفرنسي ، لهذا كان السيد قدس سره يعتبر نفسه أحد المراجع الأساسيين في سوريا وجبل عامل ،وحتى الفرنسيين عندما عرضوا عليه منصب الإفتاء ، أو منصب رئيس العلماء في سوريا وجبل عامل ، كان من هذا المنطلق ، وكانوا يُدركون حجم تأثيره على الساحتين السورية وجبل عامل ، لهذا لم يكن قدس سره بعيداً ، عن أي نشاط وطني وديني عن هاتين الساحتين ويمتلك القدرة العالية في التأثير بهما .
نقلاً عن كتاب المنهجُ العلمي والإصلاحيفي فكرالعلّامةُ المُجتهد السيّد مُحسن الأمين طاب ثراه،الشيخ حسن البغدادي العاملي،الجُزء الأول،الصفحة 122.