موقف العلامة السيد محسن الأمين  (طاب  ثراه )  في العهد الفرنسي . .

18/01/2021

موقف العلامة السيد محسن الأمين (طاب ثراه ) في العهد الفرنسي . .

موقف العلامة السيد محسن الأمين طيب الله ثراه

في العهد الفرنسي . .

 

العلامة الشيخ حسن البغدادي العاملي

 

لم يكن السيد الأمين، لينأى بنفسه عمّا جرى من أحداث في العهد الفرنسي ، كان رحمه الله كبقية علماء جبل عامل ، ينظرون إلى  الفرنسيين ، بأنّ وجوده غير شرعي  وهو محتلّ لسوريا ولبنان ، وقد أسّس لهذا الخيار كلّ من السيد عبد الحسين شرف  الدين ، والشيخ حسين مغنية ،عندما التقيا لجنة تقصي الحقائق في صيدا ، فقد رفضا الوصاية  والمساعدة ، وطالبا تلك لجنة  بالوفاء بوعد الحلفاء، وهو استقلال جبل عامل بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، والتخلّص من الحضور العثماني ، لكن هذا  لم يحدث ، حيث تمّت الوصاية  على العراق وفلسطين من قبل البريطانيين، وعلى سوريا ولبنان من قبل الفرنسيين ، لهذا رفض علماء جبل عامل ومعهم الأحرار ، هذه  الوصاية ، ولم يكن الوجود الفرنسي مُرحّباً به ، وقد أٌطلقت العديد من المواقف الرافضة لهذا الوجود، وإذا كان هذا الرفض قد جاء على شكلِ أفراد ، من هنا وهناك إلا أنّ الرفض جاء في 24نيسان1920م، عندما دُعي علماء جبل عامل وأعيانُه وزعماؤه والثوار ، ليعبّروا عن موقفهم من الوجود الفرنسي ومن عدّة  استحقاقات كان لابُدّ من معالجتها ، وهذا ما عُرف باسم :

 

<< مؤتمر وادي الحجير >> .

 

صحيح أنّ السيد محسن الامين لم يحضر هذا المؤتمر ، كونه كان في سوريا ، ولكنه كان شريكاً في المشروع الذي من أجله  عُقد مؤتمر الحجير ، وكان أحد الأساسيين الذين حملوا  مقرّرات المؤتمر  إلى الملك (فيصل ) في سوريا .

 

وأنا هنا لن أتعرّض على تفاصيل  هذا المؤتمر ، والأسباب التي دعت  إليه ، وخطاب السيد عبد الحسين شرف الدين  في ذلك اليوم  المشهود ، إذ لو لم يكن من فائدة لهذا المؤتمر ، إلاّ خطاب السيد شرف الدين ، واجتماع العلماء والأعيان والزعماء والثوار ، كرافضين لهذا الاحتلال  لكفى .

 

ما يعنينا ذكره هما مسألتان ترتبطان بشخص السيد الأمين :

 

الاولى : الجدلية  التي حدثت في تلك الفترة ، من موضوع

 

(سوريا الكبرى )، والوحدة العربية ، حيث كانت الأندية  والصالونات  التي ضمّت  الشخصيات  العلمية  والفكرية  والسياسية ، تناقشُ هذا الموضوع، ولم يكن السيد الأمين ، بعيداً عنها ، وهو الذي شارك في النقاش حولها ، ولولا هذه القناعة  لما ذهب مع السيد عبد الحسين شرف الدين ، إلى لقاء الملك فيصل حاملاً معه مقرّرات المؤتمر ، وأهمُّ بندٍ فيه هو فكرة (سوريا الكبرى ).

 

الثانية: هي مشاركة  السيد الأمين بنتائج مؤتمر الحجير ، وكما قلت فأنّ سماحته لم يكن بعيداً عن الأسباب  الموجبة لانعقاد هذا المؤتمر وعن نتائجه .

 

فعندما  أنهى المؤتمرون  جلساتهم ، وخرجوا بمقرّرات نهائية ، التي منها رفض الفتنة  بين  المسلمين والمسيحيين  والتي يُذكي نارَها المحتلُّ الفرنسي ، ومنها أيضاً أنه يجب  تفويت الفرصة  وعدم جواز الانزلاق  نحو هذا الصراع، والموضوع  الأهم ، كان هو  إبلاغ الملك فيصل ، بأنّ المعنيين في جبل عامل ، يريدون عدم الاستفراد بجبل  عامل والذهاب إلى فكرة (سوريا الكبرى ).

 

بقى  الكلام  من الذي سيحمل هذا القرار إلى سوريا ، فكان المبادر الشجاع السيد عبد الحسين شرف الدين  ومعه السيد عبد الحسين نور الدين ، واعتذر الشيخ موسى قبلان لكبر سنّه وآخرون لمرضٍ ألمّ بهم ، وعلى ما  يظهر  كانوا  يدركوا  مخاطر هذا التوجه إلى سوريا ، وأنّ الذي يحمل هذا القرار سوف يدفع الثمن ، ولمّا وصل  السيد شرف الدين مع السيد نور الدين إلى سوريا ، التقيا بالسيد محسن الأمين ، وتشكّل الوفد من هؤلاء  الثلاثة  لزيارة  الملك  فيصل ، وهناك تحدّث السيد الأمين ، وألقى  السيد نور الدين قصيدةً ، وأبلغوه القرار .

 

لكن ّ السيد الأمين يختلف نقلُه جزئياً ،فقال :

 

" بعدما توّج فيصل ملكاً على سوريا حضر اثنان من علماء جبل عامل – يقصد بهما  السيد عبد الحسين شرف الدين والسيد عبد الحسين نور الدين ، من دون التصريح باسميهما – ودخلنا  على الملك فيصل ، فقال لي : كيف الحال عندكم ؟ فقلت : أنا قاطن هنا في سوريا  والجماعة  عندهم الخبر ، وهم موفدون من قبل أهل جبل عامل لأخذ رأي جلالتكم فيما يصنعونه ،لأن أهل المنطقة الشرقية يقولون لهم ، إمّا أن تكونوا  معنا أو علينا ، فقال بعد الغداء يأتيكم رأي ، وكان قد دعانا إلى الغداء عنده فلما  تغدّينا خرج ثم دعانا إليه ، فقال : إنّكم سألتموني عن رأي فأقول : إنّ أهل جبل عامل يعزّون عليّ ولا أريد ان يصيبهم بسبي سوء فليلزموا  السكون " .

 

إذاً السيد الأمين من المشاركين في مؤتمر وادي الحجير من هاتين الزاويتين، وعدم دخوله تفاصيله كان بسبب بعده الجغرافي عن جبل عامل ، ولكن الموقف من الفرنسيين لم يختلف بين الحركة الوطنية  في سوريا وبين الحركة  الوطنية في لبنان الرافضة للوجود الفرنسي ، لهذا كان السيد قدس سره يعتبر نفسه أحد المراجع الأساسيين في سوريا وجبل عامل ،وحتى الفرنسيين عندما عرضوا عليه منصب الإفتاء ، أو منصب  رئيس العلماء في سوريا وجبل عامل ، كان من هذا المنطلق ، وكانوا يُدركون حجم تأثيره على الساحتين  السورية وجبل عامل ، لهذا  لم يكن قدس سره بعيداً ، عن أي نشاط وطني وديني عن هاتين الساحتين ويمتلك  القدرة العالية في التأثير بهما .

 

نقلاً عن كتاب المنهجُ العلمي والإصلاحي في فكر العلّامةُ المُجتهد السيّد مُحسن الأمين طاب ثراه،  الشيخ حسن البغدادي العاملي، الجُزء الأول، الصفحة 122.

اخبار مرتبطة