نظّمت جمعية الامام الصادق(ع) لإحياء التراث العلمائي ، وبالتعاون مع بلدية عدلون ، أحتفالاً تكريمياً للعالم الراحل العلامة
"السيد علي مهدي ابراهيم (طاب ثراه)"
وذلك في النادي الحسيني لبلدة عدلون.
حضر الاحتفال النائبين حسن فضل الله وعلي عسيران، رئيس جمعية العمل البلدي في حزب الله الدكتور مصطفى بدرالدين، وحشد من الشخصيات والفاعليات وعلماء الدين، ورؤساء بلديات ومخاتير، ومواطنين من مختلف المناطق الجنوبية. في البداية كلمة تعريف من أحمد وهبي، ألقى رئيس بلدية عدلون سميح وهبي كلمة ترحيبية. ثم تحدث عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي كلمة الجهة المنظمة حيث اكد ان تكريم العلامة السيد علي ابراهيم هو تكريم للحركة الاصلاحية التي تشكلت من امثال السيد عبد الحسين شرف الدين والسيد محسن الامين والشيخ حبيب ال ابراهيم والسيد موسى الصدر وغيرهم من العلماء لمواجهة الانحراف الفكري المدعوم من الحركة التبشيرية المتصهينة والتي ارادت ان تشكك بعلماء الدين الذين انتجوا اليوم مقاومة اسلامية جعلت العدو الاسرائيلي يفكر الف مرة قبل ان يعتدي على لبنان ناهيك عن التفكير بالعدوان على الجمهورية الاسلامية في ايران التي باتت اهم دولة في منطقة الشرق الاوسط. ثم كانت كلمة نجل المحتفى به عضو الهيئة العامة في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، وامام بلدة الدوير السيد كاظم ابراهيم قال فيها: ثمان سنوات مرت على فراق الوالد الحبيب - العالم الفقيد المجاهد السيد علي مهدي ابراهيم (طاب ثراه) - ولما نزل مسكونين بذكراه، حيث في كل مناسبة او حدث او محطة في حياتنا نحن الذين ما زلنا نكابد متاعب هذه الدنيا، نستل من مخزون ذاكرتنا موقفا او قولا او رأيا للسيد علي رحمه الله، فنلقاه وكأنه يخاطب احداث هذه الايام، يحاكمها فيحكم لها اوعليها. فقد كان في كل احواله وآرائه ومواقفه يصدر عن رؤية اسلامية صافية وعميقة، وعن فهم عميق ورحب لمقاصد هذا الدين واهدافه، بانيا اراءه على ذوق فقهي سليم جعلته على امتداد حياته وجهاده وعمله الديني والاجتماعي عالماً فذاً ومميزاً، ومجاهداً صلباً لا تأخذه في الحق لومة لائم. وما ذلك إلا لأنه (قدس سره)- لم يرض ان يكون مرتهنا لأي طرف او جهة من الجهات... وقال:اول الداعمين للعمل الفدائي في الستينات، حيث ما زلت اذكر انه في احدى المناسبات دعا من على المنبر ان يتبرع الجمهور الحاضر بالمال لدعم المقاومة، فكانت استجابة شعبية وعفوية جمع خلالها مبلغ لصالح المقاومة في حينها حيث كان الفدائيون في تلك الفترة تهفو اليهم ولدعمهم والعمل معهم قلوب اهل جبل عامل... وهو السيد علي مهدي ابراهيم كان اول من وجه النقد القاسي والجريء لهذه المقاومة عندما اضاعت البوصلة وغرقت في تفاصيل الصراعات المحلية وتاهت في زواريب السياسة الضيقة. وهذه كلماته ما يزال صداها يتردد في حسينيات الجنوب ونواديه: ايها الفلسطينيون، ان ثورتكم ومقاومتكم هي بمثابة السمكة التي تسبح وتتنفس وتنمو في بحر الجماهير، اهلكم في جبل عامل، فإن انتم جففتم هذه البحيرة التي تحفظكم فقد حكمتم على مقاومتكم وانفسكم بالموت. وقال: لقد آزر السيد رحمه الله الحركات القومية والتحررية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، فكانت له مواقف مشهورة وخلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م- وكذلك خلال حرب تحرير الجزائر، وكانت له مشاركات لا تنسى في مهرجانات كبرى كان احدها مهرجان ذكرى عاشوراء الذي اقيم في جامعة بيروت العربية بعد نكسة حزيران 1967 م- الى جانب المفتي الشيخ حسن خالد، وكان في طليعة الداعمين للمقاومة الفلسطينية كما ذكرنا فمنذ انطلاقتها الاولى اعلن تأييده لها وللعمل الفدائي بلا تردد، فقد شارك في تأبين احد اوائل شهدائها في بنت جبيل (الاخضر العربي)، حيث اصدر العديد من البيانات المطولة التي تدعو الى دعم المقاومة وتحصين الجنوب وتلبية احتياجات الصمود وتدريب أبناء الجنوب على القتال لمواجهة اي اعتداء صهيوني، وخصوصاً بيانه الشهير تحت عنوان: (الصادح بالحق مجاهد) الذي صدر قبل حرب حزيران بأيام قليلة 19 أيار 1967م- فكان بمثابة انذار مبكر في تلك اللحظة التاريخية الخطيرة والحاسمة من تاريخ الامة العربية والاسلامية. اضاف:اما الحرب الاهلية التي اندلعت عام 1975م- فقد كان للسيد رحمه الله موقفه الواضح من الاقتتال الطائفي الذي كان يرى فيه بداية الخراب للبنان، لذلك كان من المتحمسين لاعتصام الامام الصدر في العاملية حيث بادر الى دعمه وتأييده على رأس وفد كبير انتقل من عشرات القى الجنوبية الى بيروت حيث الاعتصام. وكذلك لا تنسى مواقفه الجريئة ضد حرب المخيمات بين الجنوبيين والفلسطينيين، وكذلك ضد حرب الاخوة في اقليم التفاح. وعند اجتياح الجنوب عام 1982م- كان من اوائل الداعين الى مقاومة العدو المحتل بكل اشكال المقاومة، وقد كان مقصداً وملاذاً لاوائل الشباب المقاومين ضد الاحتلال. وقال: بهذه الاطلالة السريعة على سيرة الوالد - (طاب ثراه)- نرى انه يمثل حالة متميزة ونادرة في جيله من اهل العلم. فمع تقديرنا لكثير من زملاء السيد الوالد ومعاصريه من الناحية العلمية والفقهية، فقد كان رأي اكثرهم ان ينأى بنفسه عن الانخراط في احداث عصره، وهذا الرأي هو في الواقع سيرة عامة للاكثرية السالفة من علماء الشيعة تحبذ ابتعاد العالم الديني عن امور السياسة وعلاقة الناس بالحكام والسلطات، فكان السيد علي مهدي ابراهيم من القلة النادرة من رجال الدين الذين انخرطوا في العمل الاجتماعي وبث روح الثورة والتمرد على الظلم والظالمين من بداية الخمسينات من القرن الماضي، فوقوفه في تلك الفترة وهي بداية السبعينات مع مزارعي التبغ في مطالبهم المحقة، ومع المعلمين والطلاب في تحركاتهم المطلبية كان يعتبره الكثير من رجال الدين آنذاك، عملاً لا يليق بشأن العالم الديني وموقعه. بينما كان هو يرى كما كنا نسمع من ان هذه المواقف والطروحات هي من صلب العمل الديني اذ لا فصل في رأيه بين الدنيا والاخرة في عمل العالم الرباني فكلاهما يكمل الاخر ويرفده، وان رفع الحيف والظلم عن المستضعفيه هو اقصر الطرق التي توصل صاحبها الى جنة الله ورضوانه. اخيراً سوف اتلو عليكم فقرة من بيان اصدره الوالد- رحمه الله- سنة 1969م- او 1970م- (فهو غيرمؤرخ) يخاطب اللبنانيين عامة واهل الجنوب خاصة: "ايها اللبنانيون المؤمنون، يا ابناء الجنوب: ان اول دعوتنا لسائر المواطنين الشرفاء دعم الفدائيين دعماً مطلقاً، وان اقل ما يجب على المؤمن الذي عنده حصاة من دين، او مسكة من ضمير ان يتعاون مع المجاهدين ويبذل لهم من نفسه وماله، كما ان المواطنين في لبنان عامة وفي الجنوب خاصة مدعوون دينياً وقومياً ووطنياً الى ان يأخذوا قضيتهم بأيديهم، فإنها قضيتهم وان الخطر واقع بهم، وان المصير مصيرهم، وذلك بأن ينظم الشعب نفسه في كل قرية وكل ناحية وكل مدينة، وأن يتسلح معنوياً ومادياً فإن الارض ارضه، والعدو عدوه، والكرامة كرامته. ان اللحظة الحاسمة آتية لا ريب فيها، فلنتحرك سريعاً الى التعبئة المادية والمعنوية والتنظيمية حتى اذا ازفت الساعة المنتظرة كنا في صفوف المجاهدين المناضلين، فنموت شهداء او ننتصر أعزاء". وقال: بهذه الكلمات المفعمة بالحماس والصدق، وبهذا النداء المدوي كان المرحوم المقدس السيد علي مهدي ابراهيم يتوجه الى اهل الجنوب، انه بمثابة أذان في الناس بالمقاومة، كأذان جده ابراهيم (ع) بالحج، وكانت استجابة أبناء ابي ذر (رضوان الله) عليه، أن تقاطر بعد ذلك المقاومون الابطال من كل فج عميق، فزلزلوا الارض تحت اقدام العدو الصهيوني المحتل، وكان ان تحرر الجنوب من رجسهم في شهر ايار من عام 2000م- حيث ما زلت اذكر انها كانت اجمل ساعات حياة الوالد واسعد ايامه، على رغم المرض الذي اقعده فأقصاه عن ساحة العمل والجهاد. ثم كانت كلمة النائب حسن فضل الله أعلن فيها اننا نستعيد اليوم ذكرى العلامة السيد علي مهدي ال ابراهيم، نستعيد كل هذا التراث العاملي الذي يمتد في باطن التاريخ كشجرة تمتد جذورها في اعماق الارض، فتصافح اقسامها واوراقها الساحات، وحينما كنت استمع الى سيرة عالمنا الراحل السيد ابراهيم ، كنت استعيد وقائع في التاريخ لدور علمائنا وما قدموه على امتداد الزمن ونحن عندما نكرمهم، وعندما تكرم المقاومة هؤلاء العلماء ، فلأنها تنتمي اليهم وينتمون اليها ، ولانهم كانوا دائما العلماء العاملين، الذين قرنوا العلم بالعمل ونحن الذين ننتمي الى مدرسة اهل البيت عليهم السلام ، الذين حددوا للعلماء مسارا لا يقتصر على اكتساب المعارف في الفقه وفي الاصول ، انما ان يكون العلم مقرونا بالعمل، وهذا ما كان يحث عليه علماء جبل عامل من الشهيد الاول الى الشهيد الثاني، والى الكثير الكثير من هؤلاء العلماء الذين تصدوا للشأن العام وكانوا يعملون على تثقيف المجتمع وعلى المحافظة على دينه واخلاقه وسلوكه، ليبقى لنا مع التاريخ كل هذا التراث ونحن من دونه لا يمكن ان نكون منتمين الى هذا الجبل، وقيمة هذا الجبل انه يمتلك كل هذا المخزون وكل هذا الجهد والجهاد من علمائه الاعلام والاجلاء، وعندما نستعيد سيرة هؤلاء العلماء ، فاننا لا يمكن ان ننقطع عن هذا التاريخ، والتاريخ مدخل لفهم الحاضر والحاضر يتأسس عليه المستقبل، والحاضر الذي نحن فيه ينتمي الى هذه التعاليم والى هذه المواقف. لمحة عن حياة العالم المُكرم السيد علي ابراهيم: لقد كانت ولادته - رحمه لله - في شهر شباط من عام 1920م- في بلدة الدوير، وهذا التاريخ مقيم في ذاكرة معاصيره ان لبنان قد شهد فيه موجة من الصقيع وتساقط الثلوج حيث وصل الثلج الى ساحل البحر وكان موج البحر يصطدم بالثلج المتراكم على رمال الشاطىء وصخوره وهي صورة كان ينقلها لنا الكبار في السن ممن شاهدوها عند انتقال الوالد الى عدلون في العام 1954م. وقد كانت دراسته الاولى في مدرسة قرآنة كان يدرس فيها احد ابناء عمه، ثم انتقل بعدها الى مدرسة النبطية الابتدائية التي سميت فيما بعد (ام المدارس) ونال فيها الشهادة الابتدائية عام 1935م- في زمن الانتداب الفرنسي حيث كانت مواد التاريخ والجغرافيا والحساب والعلوم تدرس باللغة الفرنسية. وانصرف بعدها لمدة ثلاث سنوات تقريبا الى الدراسة الدينية على يدي والده العلامة المقدس السيد مهدي ابراهيم. وكان يردد باستمرار انه في هذه السنوات الثلاث انهى من مراحل المقدمات ما يحتاج الى ضعفها في النجف لان والده - (رحمه الله) - لم يكن يعطل الدراسة الا فيما شذ وندر... فأنهى دراسة النحو والمنطق والبلاغة ومرحلة من الفقه والاصول، بحيث انه عندما انتقل الى النجف اواخر عام 1937م- ابتدأ بدراسة اللمعة في الفقه والكفاية في الاصول على ايدي علماء كبار كان بعضهم صديقا لأبيه كالمرحوم السيد حسين الحمامي، والشيخ عباس الرميثي، ومن العامليين درس عند المرحوم السيد محمد سعيد فضل الله، والشيخ موسى شرارة رحمهم الله جميعاً. ومما يذكر عن بداية دراسته في النجف انه نشأت بينه وبين المرحوم الشيخ عبد الله نعمة (الرئيس الاسبق للمحاكم الشرعية الجعفرية) علاقة ود وصداقة ودراسة مشتركة حيث كانا متلازمين بحيث اذا ذكر احدهما يذكر الاخر، وقد انجزا معاً بحثاً دؤوباً ومعمقاً على كتاب المسالك في الفقه الاستدلالي. كان من زملائه بعد ذلك في دروس الخارج العلامة الشيخ محمد تقي الفقيه والسيد هاشم معروف وان كانا يكبرانه بعدة سنوات. وبعد انتهائه من دراسة السطوح او المقدمات كما يطلق عليها بالمصطلحات الحوزوية وهي مجموعة من الكتب المعتمدة في دراسة النحو والصرف وعلوم البلاغة والمنطق وعلم اصول الفقه وعلم الفقه، انتقل الى حضور دروس الخارج كما يطلق عليها في الحوزة العلمية، وهي دروس في الفقه الاستدلالي وعلم الاصول يلقيها العلماء الكبار ممن قد يتصدى بعضهم فيما بعد لمرجعية التقليد، وعلى رأس هؤلاء في عصره كان استاذه الكبير المرجع السيد محسن الحكيم، وقد حضر ايضا عند السيد محمود الشاهرودي وحضر دورة في الاصول عند السيد ابي القاسم الخوئي رضوان الله عليهم جميعاً. وقد مارس والده رحمه الله التدريس كما هو شأن اكثر طلبة العلوم الدينية بين درس وتدريس فكان من تلاميذه المرحوم الشيخ حسين العسيلي والمرحوم العلامة والمفكر الاسلامي الكبير الشيخ محمد مهدي شمس الدين. عاد الى لبنان عام 1949 حيث اقام في بلدة انصار لمدة خمس سنوات انتقل بعدها الى بلدة عدلون حيث اقام فيها نصف قرن من الزمان من سنة 1954 الى سنة 2004. لقد كانت باكورة مساهماته في الخمسينات مشاكرته في بيان اصدره في حينها المقدس الامام السيد عبدالحسين شرف الدين ضد ما كان يسمى بمشروع أيزنهاور وحلف بغداد. ثم كان بعد ذلك من المؤسسين لجمعية علماء الدين التي اتخذت من مدينة صور مركزاً لها برئاسة العلامة الفقيه الشيخ موسى عزالدين.