1-8 copy.psd

عدد خاص

Untitled-1.psd

عــــاماً

على رحيل

العلامة

الحُجة

الشيخ

عبد الحسين صادق {

تكريم أعلام النبطية 2013

العلامة الشيخ

عبد الحسين صادق{

ولد العلامة الشيخ عبد الحسين صادق{ في النجف الأشرف سنة 1279هـ, وبعد عدة أشهر من ولادته, عاد به والده العلامة الشيخ إبراهيم إلى جبل عامل, بالتحديد إلى بلدة (الخيام) حيث كانت العائلة تتردّد بين بلدتها الأصلية (الطيبة) من جبل عامل, وبين الخيام القريبة نسبياً منها.

وفي سنة 1283هـ توفي الشيخ إبراهيم في الخيام, فحمل جثمانه الطاهر إلى مسقط رأسه (الطيبة) ودفن فيها.

أمّا نسب العائلة

الشيخ عبد الحسين, بن الشيخ إبراهيم, بن الشيخ صادق, بن الشيخ إبراهيم, بن الشيخ يحيى, بن الشيخ حسين, بن الشيخ حسن, بن الشيخ إبراهيم, بن الشيخ نجم الدين, بن الشيخ تاج الدين, بن الشيخ علي, بن الشيخ سودون بن الحاج عبد الكريم, بن الحاج الفاضل القرشي المخزومي من مكة المكرمة.

الشيخ عبد الحسين عُرف بجده الشيخ صادق, كما بعض العلماء في جبل عامل حيث عُرفوا بأجدادهم, كالسيد علي إبراهيم في كوثرية السياد عُرف بجده إبراهيم, والشيخ حبيب آل إبراهيم, فهو من بيت ياسين, وعرف بجده إبراهيم ولُقّب بالمهاجر.

عائلة الشيخ عبد الحسين, عُرف عنها العلم والأدب والشعر, فجده لأبيه الشيخ إبراهيم إبن الشيخ يحيي كان شاعراً وأديباً، وقصائده في عهد الجزار معروفة ومدوّنة، وقد ناله من التهجير والمعاناة والموت بالغربة ما نال الكثير من علماء جبل عامل, فيما أطلق عليه بعصر النكبة التي أصابت جبل عامل بكل مكوناته الدينية والإجتماعية والإقتصادية. لقد استطاع الجزار من سنة 1191هـ إلى سنة 1219هـ أن يُوجّه خلال هذه المدة أقصى الضربات الموجعة إلى جبل عامل, ممّا صحّ أن يُطلق عليه (بالنكبة), فكانت فترةً مليئةً بالأحزان والآلام, ومن أعقد الأمور وأصعبها. وكانت قبل الجزار مرحلةٌ ذهبية مرّ بها جبل عامل, حيث الإزدهار الإقتصادي. ففي عصر الشيخ إبراهيم يحيى كان جبل عامل واحداً من المقاطعات التابعة للسلطة العثمانية في بلاد الشام, إذ لم يخضع للحكم المباشر, فكان يتبع ولاية صيدا, والجنوب كان عبارة عن ثلاثة مقاطعات يدير كل مقاطعة شيخ يسكن فيها مع جماعة من المزارعين، حيث كانوا يتعهدون الأرض لحساب مقاطعته. وهؤلاء المشايخ الثلاث هم من أسر إقطاعية, بنو صعب في الشقيف, وبنو منكر في الشومر والتفاح, وآل علي الصغير في بلاد بشارة, وفي كل مقاطعة يوجد حوالي ألفان من المقاتلين, ومجموعهم ستة آلاف مقاتل من الأبطال الشجعان والمشهود لهم. حتى أنّ الدبلوماسي الفرنسي (باراديس) يقول: «وشاهدناهم يقاتلون بترتيب ونظام ممّا جعلهم ينتصرون على أعدائهم الذين يفوقونهم عدداً». وقد راجت زراعة القطن, وخصوصاً في بلدة (أنصار) التي عُرفت بجودة القطن فيها, وكانت هذه المقاطعات تُصدّر هذا القطن للتجار الأوروبيين, وهذا ما ساهم في نمو جبل عامل إقتصادياً وازدياد قوته العسكرية. ولسنا الآن في صدد أن نبحث عن الظروف التي أدّت إلى تحرّك الجزار ضد جبل عامل, إلا أنّ مسار الأمور وصلت إلى رفض المشايخ دفع الضريبة الزائدة عن المقرّر..

المهم أنّ الشيخ إبراهيم يحيى، كان من جملة العلماء الذين هربوا من جبل عامل بعدما كان يدرس في شقراء في الحوزة العلمية للسيد أبو الحسن الأمين, التي كانت تضم ما يزيد على ثلاثمائة طالب وأستاذ، وقد توفي السيد أبو الحسن قبل نكبة الجزار.

وكانت بعلبك المحطة الأولى لرحلة الشيخ إبراهيم التي لاقى من الأهوال والمعاناة في طريقه وقد ذكرها في بعض قصائده, ثم توجه إلى العراق ليكمل تحصيله العلمي, ثم ذهب إلى خراسان لزيارة الإمام الرضاQ, ومن بعد ذلك سكن دمشق التي توفي فيها, ودفن في باب الصغير سنة 1214هـ. وينقل العلامة الأمين أنه رأى قبره في باب الصغير قبل أن يُهدم, وكان رحمه الله يحنّ إلى جبل عامل، إلى جباله وهضابه وشعبه، وله قصيده يُعبر فيها عن هذا الحنين

من لي برد مواسم اللذات

والعيش بين فتى وبين فتات

ورجوع أيام مضين بعاملٍ

بين الجبال الشمّ والهضبات

إذاً العلامة الشيخ عبد الحسين صادق، هو حفيد هذا العالم الجليل والشاعر الكبير الذي كان في عصر النكبة, وخرج هذا الحفيد من هذا المناخ العلمي والأدبي, فكان كآبائه عالماً فقيهاً وشاعراً أديباً.

بدايةً، نشأته: كانت كأي طفل يختم القرآن الكريم ويتعلّم القراءة والكتابة, ولكن كان لابد لهذا الفتى أن يُكمل مسيره العلمي, فتوجه إلى القرى المجاورة ليدرس فيها على علمائه الأجلاء, وكانت الحوزات قد نهضت مجدداً بعد عصر النكبة, فكان العلامة الشيخ مهدي شمس الدين في مجدل سلم, الذي يُعبر عنه العلامة الطهراني في طبقاته بأنه من أهم الأساتذة المدرسين في جبل عامل. وكان الشيخ مهدي قد درس على السيد علي إبراهيم في حوزة (النميرية) وكان أستاذاً فيها ومن طلابه العلامة السيد حسن يوسف مكي, والذي ارتحل معه إلى مجدل سلم عندما انتقل إليها وافتتح فيها مدرسة دينية ضمت أكثر من مئة وعشرين طالباً. وقد درس في هذه المدرسة الشيخ عبدالحسين, حيث نشأت علاقة وطيدة بينه والسيد حسن مكي, ظهرت أثارها لاحقاً, وكانت دراسته في مجدل سلم عبارة عن المقدمات من النحو والصرف والمنطق, ثم توجه إلى عيتا الجبل فدرس على العلامة السيد جواد مرتضى, فقرأ عليه أيضاً القسم الثاني من المقدمات والمعاني والبيان, ثم قرأ على العلامة الشيخ علي سبيتي في كفرا حيث استفاد منه في الأدب والأخلاق. وقد كان طلاب الحوزات العلمية يعقدون مجالس خاصة في الأدب والأخلاق, ويعتبرونه علماً كأي علمٍ من العلوم. والمحطة الأخيرة قبل الذهاب إلى النجف الأشرف هي بنت جبيل، حيث افتتح حوزته الشهيرة العلامة الشيخ موسى أمين شرارة سنة 1298هـ واستمرت حتى وفاته سنة 1304هـ, وكان زميله في الدرس العالم الفاضل السيد نجيب فضل الله الحسني, فدرسا على الشيخ موسى الأصول.

لكن على ما يظهر من تاريخ توجه الشيخ عبد الحسين صادق إلى النجف الأشرف وهو 1300هـ انه كان يرغب في الذهاب إلى النجف الأشرف, فهي مسقط رأسه, وكان يرى أنّ حوزة النجف أفضل, وفيها وفرة من الأساتذة, مضافاً لمجاورة الإمام أمير المؤمنينQ, بينما في جبل عامل عدد الأساتذة على أهميتهم يبقى محدوداً وخصوصاً لهم إنشغالاتهم الإجتماعية.

درس في النجف أولاً السطوح فكانت على العديد من الأفاضل منهم السيد عبد الكريم البغدادي والشيخ جعفر الشروقي والسيد علي البحريني والشيخ علي الخاقاني والسيد ياسين طه والشيخ محمود ذهب.

أما بحث الخارج: فقرأ على الميرزا الخليل الطهراني, وكبير فقهاء العرب الشيخ محمد طه نجف, والشيخ محمد حسين الكاظمي, والشيخ رضا الهمداني, والشيخ محمد الشربياني وبطبيعة الحال حاز درجة الإجتهاد, ونال إجازاتهم.

بقي الشيخ عبد الحسين في النجف الأشرف ستة عشر سنة من 1300هـ إلى 1316هـ, منكباً على التحصيل وتحمّل المرارات والصبر على الجوع والفقر, حيث كانت لذة مجاورة الإمام أمير المؤمنينQ ولذة تحقيق المسائل العلمية, تجعل مصاعب الحياة تضمحل وتنتهي, وكان يَتمثّل ذلك القول المشهور لأحد العلماء عندما كان يحقق مسألة علمية أو يكتب نظرية جديدة فيقول: «أين الملوك وأبناء الملوك عن هذه اللذة». لم يكن الشيخ عبد الحسين ككثير من علماء جبل عامل الذين استفادوا من علم النجف ثم عادوا إلى بلادهم, فقد كان له حضور وتفاعل مع علمائها وأدبائها وشعرائها, فأصبح من أعلام الأدب, حتى اعترف له الأدباء بالتفوق هنا. وإن كان بعض العلماء يرى خطأ أن تتّسم شخصية العالم بالشعر, وأنّ الشعر أولا يأخذ وقتاً ويكون على حساب العلوم الأساسية, مضافاً لا يحبذ هذه السّمة في شخصية العالم الفقيه، ومن هؤلاء كان العلامة الشيخ يوسف الفقيه الحاريصي, الذي أرسل له نجله العالم الأستاذ الشيخ محمد تقي رسالة ضمنها بعض قصائده, وما كان من الوالد الشيخ يوسف أن أرسل إليه رسالة نهاه فيها عن الشعر وحرمه عليه. لكن عموم علماء جبل عامل هم أدباء ويعرفون الشعر, ومعظمهم كان مميزاً كالعلامة الأديب والشاعر السيد محمد رضا آل فضل الله الحسني, وحتىَّ أن العلامة السيد محسن الأمين في كلامه عن العالم الفاضل الشيخ موسى أمين شرارة يقول: «لقد راج سوق العلم والأدب والشعر في جبل عامل في عهد الشيخ موسى أمين شرارة». وعندما نعود إلى إصلاح المنبر الحسيني في عهد الشيخ موسى نجد أنّ إحدى إصلاحاته أنّه أدخل الأدب والقصائد, وبالتالي من يمتلك هذه القريحة لا تكون على حساب وقته وأعماله، ورأي الشيخ يوسف الفقيه وجهةُ نظر لابُدّ من احترامها.

وفي سنة 1316هـ عاد الشيخ عبد الحسين إلى جبل عامل بناءً على طلب من أهالي الخيام التي كانت العائلة تتردد إليها. وهذه طبيعة علماء جبل عامل فهم يعشقون العمل التبليغي من الوعظ والإرشاد والصلاة جماعة وتعليم الناس أحكام دينهم, وكانوا يعتبرون أنّ البقاء في النجف الأشرف مع وجود علماء مُتفرغين لا حاجة لذلك، وأنّ العودة إلى جبل عامل تدخل ضمن سُلّم الأولويات, فبالتالي جبل عامل هو مركز ديني وعلمي وإفراغه من أهل العلم سوف يقضي على هذه الحاضرة العلمية والأدبية المتقدمة على صعيد المنطقة. ومع ذلك لم ينصرفوا بالكامل إلى أعمالهم التبليغية وإنّما عملوا في الحقل العلمي, فأنشأوا المدارس وصنّفوا, وكان لهم حضور علمي, وإن لم يصل إلى مستوى المطلوب, فهم لم يتمكّنوا من تشييد حوزة مركزية على طريقة النجف الأشرف, ولو أرادوا لفعلوا, فهناك العديد من هؤلاء العلماء المنتشرين في القرى والمدن من جبل عامل, فالسيد علي إبراهيم في بلدة النميرية من أعاظم علماء جبل عامل, والشيخ عبد الله نعمة في جباع, ذلك الفقيه الذي لم يحصل إلا أفراد معه على إجازة إجتهاد خطية من أستاذه الشيخ محمد حسن نجف صاحب الجواهر, والشيخ محمد علي عزالدين في (حنويه) والشيخ موسى أمين شرارة في بنت جبيل الذي كان أستاذ البحث الخارج في النجف الأشرف, إلى جنب درس الشيخ محمد طه نجف, والسيد نجيب الدين فضل الله في عيناثا, والسيد يوسف شرف الدين في طورا, والسيد حسن إبراهيم في أنصار, والسيد حسن يوسف مكي في النبطية, والشيخ عبد الحسين صادق في الخيام والنبطية.. هؤلاء العلماء الأعلام الذين نهضوا بجبل عامل على الصعيد العلمي والإجتماعي والسياسي والإصلاحات المختلفة, لو أنهم ذهبوا إلى حوزة علمية مركزية في جبل عامل لكانت فاقت النجف الأشرف بحضورها العلمي, لكن مشكلتهم هي تفرقهم في القرى والمدن وانشغالاتهم الكثيرة. نعم الشيخ عبد الحسين صادق كان واحداً من هذا الرعيل الذي أعاد العلم إلى جبل عامل بعد نكبة الجزار, وإن كان متأخراً نسبياً عن بداية النهضة التي قامت في حوزة الكوثرية على الشيخ حسن القبيسي والسيد علي إبراهيم والشيخ عبد الله نعمة في الثلث الأول من القرن الثالث عشر للهجري, إلا أنّ هذا الشكل إكتمل بهذا العدد من هؤلاء الأعلام الذين شاءت الإرادة الإلهية أن يأتوا تباعاً ليكمل الواحد منهم دور الآخر.

في الخيام لم يكتف الشيخ عبد الحسين صادق بالعمل التبليغي من إمامة الناس في المسجد وإصلاح ذات البين والوعظ الإرشاد, وإن كان هذا رسالة كبيرة بحد ذاتها, إلا انّه أضاف عليها:

1. تشييد مدرسة دينية، ودرس عليه العديد من الطلاب.

2. بناء مسجد كبير

وبقي في الخيام حتى وفاة صديقه العلامة السيد حسن يوسف مكي في النبطية سنة 1324هـ, وكانت هناك إشارة من السيد مكي له بأن يأتي إلى النبطية وخصوصاً إذا رحل السيد عنها, لما للنبطية من موقع ديني واجتماعي أفضل من القرى. وبالفعل دعاه أهالي النبطية ليكون إماماً لهم خلفاً للمرحوم السيد حسن يوسف مكي, وأيّد الفكرة بعض علماء المنطقة.

في النبطية: كان لابد من توسيع المهام فالمسؤولية هنا أكبر, فكان لابد من خطوات عملية يقوم بها الشيخ عبد الحسين:

الخطوة الأولى: إعطاء المدينة سمة خاصة ونكهة خاصة ترتبط بسيرة سيد الشهداء الإمام الحسينQ من إقامة مجالس العزاء وإحياء الشعائر الحسينية وتوطيد علاقة الناس بسيد الشهداءQ, فهذا يساهم في تقوية عقيدتهم, وفي استنهاضهم وفي صبرهم على الأحداث التي تحتاج إلى جَلد وإلى مواجهة وتضحية وجهاد, وبالفعل قفزت النبطية قفزة نوعية بهذا الإتجاه, وأصبحت منارة جبل عامل في إقامة المآتم والمجالس وتعظيم الشعائر الحسينية، وهذا ما استلزم من سماحة المقدس الشيخ عبد الحسين أن يُؤسّس مركزاً مهماً لتعظيم هذه الشعائر, فكانت حسينية النبطية وهي أول حسينية في جبل عامل, وكان هذا النادي من الأعمال الموفقة التي يجتمع فيه الناس على مختلف طبقاتهم وانتماءاتهم، فالحسينية للجميع فوق الجميع, وأصبحت مآتم الناس تقام في النادي الحسيني ويقرأون فيها مجالس عزاء سيد الشهداءQ على أرواح أمواتهم.

في تلك المرحلة،كان يسكن في سوريا العلامة السيد محسن الأمين { , وقلنا أنّ السيد الأمين درس على السيد نجيب الدين فضل الله في حوزة الشيخ موسى أمين شرارة سنة 1298هـ حتى سنة 1304هـ, وكان قد تأثر كثيراً بالإصلاحات التي قام بها الشيخ شرارة في ما يخصّ المنبر الحسيني, وهي عبارة عن تطوير المجالس واعتماد كتب خاصة وإدخال كلمة رجل الدين الهادفة على المجلس, مضافاً للشعر والأدب.. وهذه الإصلاحات عَمّت جبل عامل في مدنه وقراه. والسيد محسن الأمين عندما سكن في دمشق, كان لازال حاملاً فكرة الإصلاح في المنبر الحسيني, لكنه زاد عليه موضوع الشعائر من جهة, والأسلوب الخاص للسيد الأمين الذي ربما لا يقبله كثيرون, ففيه من القساوة غير المقبولة, إذ كان يرى ضرورة الإقلاع عن بعض الشعائر مراعاةً للوضع المتنوع مذهبياً في سوريا، وأنّ عاشوراء يجب أن تكون عنواناً جامعاً, بينما الشيخ عبد الحسين صادق في النبطية لم يكن يرى ضرورة هذه المسألة, فالنبطية مقفلة نسبياً, وجبل عامل مُستَهدف في وجوده وعقيدته, فتكون قضية عاشوراء بكل تفاصيلها مشروع استنهاضي وتثبيتي لعقيدة الناس. وفي تلك المرحلة تطور الأمر وكأنّ المشكلة بين السيد الأمين والشيخ عبد الحسين, وهذا غير صحيح, فبتقديري الجميع يريد إحياء شعائر أبي عبد الله Q وإصلاح منبر الحسين, وإن كانت هناك وجهات نظر في قضية التعبير عن هذه الشعائر, نعم نتيجةً لوجود السيد الأمين في سوريا يكون من المنطقي أن تُحدّ بعض التعابير غير الضرورية, ولكن من دون أن تتحول الى مشكلة مع أحد, فليعبّر كلٌّ على طريقته, وأفضل نموذج في هذا هو ما نعيشه نحن اليوم, فالكل يعبّر عن حبه وولائه لسيد الشهداء الحسين Q من دون افتعال مُشكلةٍ مع أحد.

الخطوة الثانية، التي قام بها الشيخ عبد الحسين: إعادة فتح مدرسة السيد حسن يوسف مكي، التي ذاع صيتها وخرّجت العديد من الأفاضل كالشيخ سليمان ضاهر والشيخ أحمد رضا والشيخ أسد الله صفا، والذي ميزها وجود العلامة السيد محمد إبراهيم نجل العالم الفاضل السيد علي إبراهيم، والذي برع في العلوم الطبيعية، ولولا مجيئ العلامة الشيخ صادق إلى النبطية لكانت بالفعل إنتهت هذه الحوزة برحيل السيد مكي، ولذلك نجد الشيخ عبد الحسين الذي افتتح مدرسة علمية في الخيام، رأى من باب أولى أن يحافظ على الإنجاز العلمي في مدينة النبطية الذي شيد قواعده العلامة الراحل السيد حسن يوسف مكي, وهذا ما يظهر من التلامذة الذين درسوا فيها في عهد الشيخ عبد الحسين, فمنهم نجله العلامة الشيخ محمد تقي, والشيخ علي الزين الذي يقول: «درست فيها النحو والصرف ومعي أخي الشيخ محمد حسين».

لقد تحول الشيخ عبد الحسين في النبطية الى مرجع يعود الناس إليه في أحكام دينهم, وأصبح أحد أعلام جبل عامل كما عبّر عنه العلامة الشيخ الطهراني في طبقاته.

فالناس تعتبر هؤلاء الأعلام هم مرجعيتها في كلّ شؤون حياتها ويقبلون أحكامهم, وهذا ليس معناه أنهم كانوا حكاماً, وأنّ الناس لا يستطيعون أن يخالفوا أوامرهم, فهناك صراعات وتيارات سياسية مختلفة لها تأثيرها, ومع ذلك نحن نتحدث عن الحضور الفاعل والقوي, وقوة التأثير, وأنّ العلماء كانوا الأكثر حضوراً ونفوذاً، من هنا لم يكن الشيخ عبسد الحسين صادق عالما عاديا ليتفرّج على الأحداث و يعمل عل النأي بالنفس على قاعدة (الجلوس على التّل أسلم)، بل كان همّه دفع المفسدة عن أهالي جبل عامل طبقا للقاعدة التي درسناها في الحوزة العلمية «دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة»، وخصوصا تلك المرحلة كانت مليئة بالأحداث والآلام والإضطهاد، فالمحتل الفرنسي صاحب الأطماع المعروفة، والذي عمل باستمرار على إشعال الفتنة بين المسيحيين والمسلمين، مستغلا العملاء من ضعفاء النفوس، وخصوصا من الشباب المسيحيين، ومستفزاً في نفس الوقت مشاعر شباب الشيعة، وبالأخص أصحاب الرؤوس الحامية الذين لا يستطيعون أن يتفرجوا على أفعال هؤلاء العملاء من النهب والقتل والسلب والإهانات التي لا تطاق، وكان الذي يدفع الثمن دائما هم الناس من الشيعة والنصارى، والمتضرّر هي المقاومة التي أرادها الإحتلال أن تنزلق إلى وحول الفتن الداخلية كي تنتهي وتتحول إلى عصابات وقطاع طرق، وبهذا يكون المحتل وحده المستفيد من كل هذه الفتن. من هنا نجد مواقف العلماء والعقلاء رافضة لكل هذه المهاترات، وعاملة على كبح جموح هؤلاء الشباب الذين وقعوا تحت تأثير الضغط والعدوان على ممتلكاتهم وكراماتهم، وهذا ما جعل ظاهر الأمور ولأوّل وهلةٍ قـد تأخذ شكل الرفض والإعتراض على بعض المواجهات التي حدثت في بعض القرى والتباين بين العلماء وحركة المقاومة، وعندما نريد أن نقرأ التاريخ لا نستطيع أن نقرأه بعيدا عن حيثيات المرحلة والأحداث، ففهم الحيثيات لها مدخلية في فهم الأحداث والحكم عليها، وهذا ما قرأناه قي مذكرات العلامة الشيخ أحمد رضا(طاب ثراه) وهو يتحدث عن تلك المرحلة من سنة 1920م إلى سنة 1922م، حيث يذكر فيها أسماء علماء كبار في مسار تلك الأحداث، كالسيد عبد الحسين شرف الدين والسيد محسن الأمين والشيخ عبد الحسين صادق والشيخ حسين مغنية وغيرهم، إذ كانت لهم مواقف قوية وواضحة وصريحة ضدّ الإنزلاق نحو الفتنة الداخلية، ومع ذلك لا يمكن لأي باحث أن يكتفي بقراءة هذه المذكرات من دون فهم الحيثيات حتى لا نحكم على ظاهر الأمور، فالعلماء كانوا من المتحمسين جدا لرفض الإحتلال إذ لم يكن هذا الإحتلال مرحبا به عندهم، وكانوا يمتلكون الوضوح والجرأة على إشهار موقفهم من سوريا الكبرى ومن الملك فيصل، وهم لم يتفرّجوا على الأحداث، فموقفهم في مؤتمر وادي الحجير 24 نيسان/1920م من رفض الوصاية والفتنة، وموقف العلامة الشيخ عبد الحسين صادق مع الملك فيصل في بيروت من رفض الإحتلال والذهاب إلى سوريا الكبرى ولو أدى إلى الموت، ومعالجتهم للمشاكل التي حدثت بين عملاء الإحتلال والمسلمين كانت في غاية المسؤولية، فهم أيضا لا يستطيعون أن يتركوا جبل عامل مسرحا لاحداث يفرضها العملاء و يقررها شباب من الشيعة. وسنكتفي بهذه العجالة على ذكر شاهد من مواقف الشيخ عبد الحسين صادق، ذكرها العلامة الشيخ أحمد رضا في مذكراته، حيث ينقل الأخير، أنه كيف كان يتصدى لمعالجة المشاكل والتحديات، وأن تلك المرحلة كانت بحاجة الى علماء بهذا الحجم تأخذ المبادرة وتلزم بها الآخرين. فعلى سبيل المثال في 5/حزيران1920م، جاء فرمان من حاكم صيدا الفرنسي, يطلب عشرة من وجوه المنطقة من جبل عامل ليحضروا إجتماعا دعا اليه (الكولونيل بنجر), يقول الشيخ أحمد رضا: «فذهبنا بصحبة العلامة الكبير الشيخ عبد الحسين صادق والعلامة السيد محمد ابراهيم والعلامة الشيخ سلمان ظاهر ومجموعة أخرى من الأعيان وعندما وصلنا إلى صيدا وإذا باجتماع كبير ضخم يضمّ وجوه السنّة والمسيحيين في صيدا للإجتماع، ثم وقف (الكولونيل بنجر) خطيباً لكن بأسلوب شديد اللهجة على الشيعة، لهجة المنتصر قائلاً: هناك عريضة تخص الشيعة وفيها شروط مرسلة من الجنرال غورو, وإن لم تمضوا على هذه الشروط فالحملة العسكرية الفرنسية على قرى ومدن جبل عامل سوف تأخذ حقّها بيدها, والشروط هي:

1- أن نتعهّد بدفع مائة ليرة ذهبية

2- أن نحفظ الأمن في القرى المسيحية

3- أن يعود المسيحيون إلى قراهم

4- أن تردّ جميع ما سلب للمسيحيين

5- أن نُسلّم المحكوم عليهم للفرنسيين لتنفيذ الأحكام بهم.

يتابع الشيخ رضا، ولكن نحن رفضنا أن نمضي هكذا وثيقة، وهنا الكولونيل بعد أن أَخرَج من حَضَر أبقانا نحن العشرة وقال: «أنتم محجوزون» حتى تمضوها, وعليه فالشيعة في كل لبنان مجرمون وسوف نتابع حملة التنكيل والتعذيب وتحصيل نفقات هذه الحملة بأيدينا».

يقول الشيخ أحمد رضا: «وبقينا هكذا حتى الساعة السادسة والنصف وكان خلال هذه الفترة جرت مفاوضات معهم وقدّمنا نحن لائحة مخفّفة فرفضها الحاكم الفرنسي. وكما كان لا بد من الإمضاء، هنا بادر الشيخ عبد الحسين صادق لإمضائها ومضى معه السيد محمد إبراهيم وتردّد البعض وفي النهاية مضى عليها الجميع, وهناك مواقف أخرى متقدمة للشيخ عبد الحسين صادق».

أمّا أثاره العلمية فمنها:

- المذاهب السنية في فقه الإمامية (مجلدان)

- منظومة كلامية في ألفي بيت

- جامع القواعد

- سيماء الصلحاء - في إمامة عزاء سيد الشهداء Q

- كتاب: تلبية الغافلين عن فضائح الوهابيين.

- ديوان شعر سمّاه (سقط المتاع) أي الشعر الذي لا قيمة له بالنسبة لمتاع الآخرة.

- ديوان شعر ثاني سمّاه (عَرف الولاء) أي عطر الولاء وشذاه, وكان { يفتخر في هذه القصائد المتعلقة بأهل البيت R وبرثاء سيد الشهداء الحسين Q, وأنه ورد في الحديث الشريف «من قال فينا بيتاً من الشعر بنى الله له بيتاً في الجنة».

في 12ذي الحجة1361 هـ إنتقل الشيخ عبدالحسين الى الرفيق الأعلى ودفن في الحسينية في مدينة النبطية عن عمر 83 سنة وكان تشييعه مهيباً.

2-3 copy.psd
1.psd
1-8 copy.psd