٥٦
(بطاقة عالم)
العلامة الشيخ جعفر نجل الشيخ بدر الدين الصائغ طاب ثراهما
كان فاضلا عاملاً نشيطاً له حضوره الديني والإجتماعي، ترك أثراً طيباً أينما حلّ وارتحل. ولد سنة ١٩٢٩م ـ ١٣٤٨ هـ في النجف الأشرف، عندما كان والده الشيخ بدر الدين الصائغ يتابع تحصيله العلمي هناك، وعاد مع والده إلى لبنان سنة ١٩٤١ م، فبقي سنوات قليلة، ورجع الشيخ جعفر إلى النجف لمتابعة دروسه في الحوزة العلمية، فقرأ على أستاذنا الشيخ محمد تقي الفقيه، والسيد عبد الصاحب الحسني، والسيد علي إبراهيم، والشيخ عبدالله نعمة، وبعد ذلك التزم درسي السيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي. بقي في النجف مدة أربعة عشر سنة منكّباً على الدرس، وشاءت الظروف أن يذهب إلى لبنان، فسكن في منطقة (سن الفيل) فأسّس فيها أسرة التآخي، وكان منها نشاطه الديني والإجتماعي، وكان يُدرس طلاب العلوم الدينية. في سنة ١٩٧٨، قرّر ترك لبنان والذهاب إلى أفريقيا فنزل في (ساحل العاج)، وأسّس المركز الإسلامي العربي الأفريقي. أحيا الشعائر الدينية والمناسبات، وقام بالوعظ والإرشاد، وعلّم الأفارقة اللغة العربية، ودرّسهم العقائد والفقه، وكان يُرسل من يجد فيه القابلية إلى مناطق من أفريقيا للتبليغ الديني، ثم شّيد حسينية كبيرة في (أبيدجان)، كما شيّد أربعة عشر مسجداً في مختلف المناطق من أفريقيا، مضافاً لمدرسة كبيرة حصل على رخصة من وزارة التربية اللبنانية والسلطة العاجية كي تكون رسمية، مات بظروف غامضة إتُّهم بها الموساد الإسرائيلي في ١٦/آب/١٩٩٦م ، ودفن في جوار السيد زينب Q في ٢٣/ آب / ١٩٩٦م، وأمّ الصلاة عليه والده الشيخ بدر الدين.
سماحة العلامة السيد يوسف شرف الدين
والد السيد عبدالحسين شرف الدين طاب ثراهما
١٢٦٢هـ - ١٣٣٤هجري
السنة الخامسة ــ العدد السادس والخمسون ــ آب ٢٠١٦م / ذو القعدة ١٤٣٧هـ
شخصية العدد
العلامة السيد يوسف شرف الدين (طاب ثراه)
والد العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين
أحد أعلام جبل عامل، ومن أهل الفضل والمعرفة، بعدما عاد من النجف الأشرف سكن في مسقط رأسه قرية (شحور)، وقام بالوظائف الدينية من الوعظ والإرشاد وإصلاح ذات البين، وكانت له مساهمة أساسية في النهضة العلمية الثانية لجبل عامل. صحيحٌ لم يكن من الرعيل الأول الذي أعاد الحياة العلمية بعد نهاية النكبة سنة ١٨٠٤هم، وشيد المدارس الدينية كالشيخ حسن القبيسي والسيد علي محمد الأمين الحسيني، إلا أنه كان شريكاً أساسياً في إعادة وتثبيت هذه الحياة العلمية.
ولادته:
كانت في قرية (شحور) من جبل عامل سنة ١٢٦٢هـ، تلك القرية التي دفعت ثمناً باهضاً جراء السياسة العثمانية الظالمة على جبل عامل، وكانت شحور إحدى منارات جبل عامل العلمية منذ أن قصدها العلامة السيد محمد بن السيد شرف الدين إبراهيم الموسوي سنة ١١٠١هـ، بعدما عاد من الحج، ولم يرجع إلى بلدة (جباع)، وكان ذلك بطلب من أهلها ليكون إمامهم، ويعود نسبه الشريف إلى السيد نور الدين علي الموسوي بن السيد حسين الموسوي. وكانت العائلة تسكن قرية (جباع)، وقد تزوج الشهيد الثاني كريمته، ونجله السيد نور الدين علي تزوج كريمة الشهيد الثاني التي أمها بنت المحقق الشيخ علي الميسي، وأنجبت له السيد محمد الموسوي (صاحب المدارك)، وقبره في (جباع) إلى جنب قبر خاله الشيخ حسن (صاحب المعالم).
نسبه الشريف، هو السيد يوسف بن السيد جواد بن السيد إسماعيل بن السيد محمد بن السيد محمد بن السيد شرف الدين إبراهيم بن السيد زين العابدين بن السيد علي نور الدين بن نور الدين علي الموسوي بن السيد حسين الموسوي إلى الإمام موسى الكاظم Q.
والده السيد جواد، ولد في قرية (شحور) سنة ١٢٢٢هـ، وكان يملك من صفاء النفس وطيب المعشر، والورع والإحتياط، ما جعله قريباً من الناس محبوباً إليهم، وكان له موقع خاص في قلوب الجميع وخصوصاً العلماء منهم، توفي سنة ١٢٩٧هـ، وآخر ما قاله قبل وفاته: (ربي توفني مسلماً وألحقني بالصالحين).
نشأ السيد يوسف في هذا البيت الطاهر والمتدين، فتعلم القرآن الكريم والمبادئ العامة للغة والنحو، ودرس على بعض فضلاء (شحور) حتى كان القرار بالإلتحاق بمدرسة العلامة الشيخ عبد الله نعمة في (جباع).
ففي سنة ١٢٧٥هـ، غادر السيد يوسف (شحور) إلى جباع مع أخيه السيد محمود وله من العمر ثلاثة عشر سنة، ومعهما ابن خالته الشيخ علي بن الحاج زين عاصي(1).
في تلك المرحلة كانت (جباع) تشهد حياة علمية متقدمة، وكأنها المرحلة التي عاشها الشهيد الثاني في القرن العاشر هجري، مع فارق أنّ طلاب تلك المرحلة لم يُغادروا جبل عامل إلى الحوزات العلمية، فكانوا يُكملون كل مراحلهم على الشهيد الثاني، بينما في عهد الشيخ عبد الله نعمة، ونتيجة عدم تفرغ الشيخ نعمة للتدريس بشكل كامل، اضطر معه الطلبة بعد دراسة المقدمات للذهاب إلى العراق لاستكمال الدرس على الأساطين.
في سنة ١٣٨٥هـ قرر السيد يوسف شرف الدين ترك (جباع) بعدما قطع شوطاً من الدرس حيث بقي عشر سنوات في (جباع)، وهي مدة كافية ليحصل فيها الطالب الجاد على رتبة الفضيلة العلمية، فكان لا بد من الهجرة إلى العراق، حيث التفرغ الكامل لطلب العلم، في رحاب الأئمة الأطهار R في الكاظمية والنجف الأشرف.
وصل السيد شرف الدين إلى الكاظمية سنة ١٣٨٥هـ، ونزل في دار ابن عمه العلامة الكبير السيد هادي الصدر الذي هو نجل السيد محمد علي بن السيد صالح الموسوي، حيث يلتقي السيد يوسف شرف الدين والسيد هادي الصدر بجدّ واحد هو السيد محمد بن شرف الدين إبراهيم الموسوي الذي سكن (شحور) سنة ١١٠١هـ، وأعقب السيد صالح والسيد محمد، ويقال له السيد محمد الثاني. فكان (آل الصدر) من السيد صالح الذي غادر جبل عامل بعد وقوع النكبة على شحور سنة ١١٩٨هـ، وبقي أخوه السيد محمد في شحور، فكان (آل شرف الدين) منه.
السيد هادي الصدر سكن الكاظمية، وكان مرجع الناس فيها وإمامهم وقدوتهم، ولد في النجف الأشرف سنة ١٢٣٥هـ، ودرس في الكاظمية وفي النجف الأشرف وحضر على الشيخ حسن (صاحب أنوار الفقاهة) إبن الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء، وعلى الشيخ محمد حسن آل ياسين، وكان عالماً بالحديث والتفسير، وضليعاً بالفقه والأصول، وله مسلك ينمّ عن خبرةٍ كبيرةٍ، كما كان خبيراً بالطب والرياضيات، توفي في الكاظمية في ٢٢ جمادى الأولى سنة ١٣١٦هـ.
شرع السيد يوسف الدرس عليه بالفقه والأصول، وبعد أن أكمل الرسائل في الأصول للشيخ مرتضى الأنصاري، واللمعة الدمشقية في الفقه، اشتغل بالفقه الإستدلالي، وهو ما نسميه بالبحث الخارج.
كما حضر على الشيخ محمد حسن آل ياسين، وهو من كبار الفقهاء، ولد سنة ١٢٢٠هـ، ودرس على كبار العلماء في الكاظمية وكربلاء والنجف الأشرف، ومنهم الشيخ محمد حسن النجفي (صاحب الجواهر) ــ وكان المرجع المتصدي بعد رحيل الشيخ مرتضى الأنصاري كانت وفاته سنة ١٣٠٨هـ ــ وصار السيد يوسف من أقرب الطلاب إليه، وحجز لنفسه مكانة في قلب أستاذه الشيخ ياسين، وهذه كانت تحدث عادة بين بعض الطلاب وأساتذتهم، وكأنّ الله تعالى يُلقي في روع هذا الأستاذ محبة هذا الطالب والاهتمام به، ممّا ينعكس على جدية الطالب ومسلكه.
توطدت العلاقة بين السيد يوسف شرف الدين وبين ابن عمه السيد هادي الصدر، وسرعان ما انتقلت إلى مرحلة المصاهرة، فزوّجه إحدى كريماته، وهي أم السيد عبد الحسين شرف الدين.
وبعد مرور خمس سنوات على وجوده في الكاظمية، أشار عليه السيد الصدر أن يذهب إلى النجف الأشرف مع العائلة ويتابع دروسه على أساطينها وفقهائها.
وصل السيد يوسف إلى النجف سنة ١٢٩٠هـ، وشرع في الدرس على الأساتذة الكبار، منهم: العالم والفقيه الشيخ محمد حسين الكاظمي، وهو من تلامذة الشيخ محمد حسن النجفي (صاحب الجواهر)، وكان الكاظمي من الذين حجزوا لهم مكانة علمية في الحوزة، مضافاً لورعه وصفاء نفسه.
كما حضر على الشيخ محمد حسين الخراساني المعروف بالآخوند (صاحب كفاية الأصول)، والذي ولد في خراسان وسكن النجف الأشرف، ودرس على أستاذ الفقهاء الشيخ مرتضى الأنصاري، والسيد محمد حسن الشيرازي، وقاد ثورة المشروطة في العهد القاجاري، وكان عالماً فقيهاً أصولياً جامعاً للمعقول والمنقول، توفي بظروف غامضة في ذي الحجة سنة ١٣٢٩هـ، وكانت دراسة السيد يوسف عليه فرصة للولوج في أعماق أصول الفقه على نحو التدقيق والتحقيق.
كما درس على الشيخ المحقق حبيب الله الرشتي (صاحب كتاب بدائع الأصول)، وكان من كبار الفقهاء، ومن شيوخ الفقه والأصول، تتلمذ على الشيخ محمد حسن النجفي (صاحب الجواهر)، وعلى الشيخ مرتضى الأنصاري، وكانت وفاته سنة ١٣١٢هـ.
أيضاً، حضر السيد يوسف على الشيخ رضا الهمداني، الذي كان من فحول المحققين، وأحد مراجع عصره، وعُرف بطهارة القلب، وكان يقضي أكثر أوقاته بالمطالعة والتدريس وله تقريرات أستاذه السيد محمد حسن الشيرازي، سماه (مصباح الفقه)، توفي سنة ١٣٢٢هـ، استفاد السيد يوسف شرف الدين منه كثيراً، وكان القدوة في عالم الأخلاق وصفاء النفس. ومن الذين حضر عليهم السيد يوسف ابن عمه السيد إسماعيل الصدر نجل السيد صدر الدين بن السيد صالح الموسوي، والذي درس على العديد من العلماء منهم: الشيخ مهدي كاشف الغطاء والسيد محمد حسن الشيرازي، وكان ملازماً له في سامراء، وبعد رحيل أستاذه الشيرازي، هاجر إلى كربلاء مستوطناً، وكان مرجعاً للمسلمين فيها، توفي سنة ١٣٣٨هـ.
حاز السيد يوسف شرف الدين على ملكة الإجتهاد وكان عازماً على البقاء في النجف الأشرف رغم شوقه للأهل والوطن، ولكن حبه للعلم وأُنسه بمجاورة الإمام علي Q، وما حاز عليه من بركات ذلك المقام، دعاه للإقلاع كُلياً عن التفكير بلبنان، ولكن سرعان ما فُرض عليه الذهاب إلى لبنان لعيادة والده الذي مرض وخاف أن يموت من دون أن يرى ولده المشتاق إليه، وكان لا بد للسيد يوسف من العودة سريعاً لزيارة الأهل والرجوع إلى النجف الأشرف، وهذا ما دعاه لأن يترك زوجته وطفلها السيد عبد الحسين شرف الدين، عند جده السيد هادي الصدر في الكاظمية، ريثما يعود من جبل عامل. وبطبيعة الحال، لم تكن المسافة بين العراق ولبنان يمكن قطعها بسهولة كما هي اليوم، بل كانت تحتاج إلى أيام وليالي، وبينما هو في الطريق رأى في منامه كأنه لن يرى والده، وهذا ما زاد في غمّه وكربه، وبالفعل عند وصوله إلى (شحور) من جبل عامل، وجد والده قد توفي وترك له وصية مع أخوته أن يُبلغوه سلامه وشوقه إليه، وصار لزاماً على السيد أن يقف إلى جنب العائلة المفجوعة، وأصرّت والدته على تزويجه من كريمة الشيخ محمد بن الحاج سليمان الزين، كي يكون هذا الزواج محفزاً على البقاء في (شحور) وعدم العودة.
لكن كان لا بد من العودة للإتيان بالعائلة، ولزيارة المشاهد المشرفة وتوديع الأرحام والأصحاب والأساتذة والزملاء، وبالفعل بعد أن قام بواجب الزيارة وتوديع الزملاء وبيت العم في الكاظمية، كرّ راجعاً إلى جبل عامل مع زوجته وطفله السيد عبد الحسين، وكان وصوله إلى شحور في شهر شوال سنة ١٢٩٨هـ، وللسيد عبد الحسين من العمر ثمان سنوات.
في جبل عامل كانت مهام عديدة تنتظره، فهو ليس من الذين يرغب أن يقضي كل وقته مع الناس بالتبليغ الديني، وإنما أضاف عليه مهاماً أخرى، منها: العمل على نشر العلم والأدب، وإعادة جبل عامل على ما كان عليه قبل وقوع النكبة، فكانت هناك خطوات:
الأولى: إرشاد الناس وتعليمهم الأحكام الشرعية، والتي هي محلّ ابتلائهم في الأمور العبادية، وما يتعلق بمعاشهم ومعاملاتهم، مضافاً لإحياء المناسبات الدينية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان (قدس سره) لا يخشى أحداً على الإطلاق.
الثانية: عمل على جعل الناس ترتبط بالمسجد، مما دعاه لتوسعته.
الثالثة: إصلاح ذات البين وحلّ الخصومات، ولم يكن يرغب بأن يصدر حكماً بين المتخاصمين، بل كان يعمل على الترضية والصلح بالتراضي، والذي ساعد على ذلك، ارتباط الناس بعلماء الدين وطاعتهم لهم، وتأثرهم بهم، فكانوا يرونهم القدوة لهم، وكان الناس في جبل عامل يرفضون العودة إلى المحاكم الشرعية، ويقبلون بأحكام علمائهم.
الخطوة الرابعة: هي تثبيت الحياة العلمية في جبل عامل، حيث اعتبر أنّ الضمانة لبقاء جبل عامل حاضراً بقوة ومتحدياً الغطرسة العثمانية، هو بقاء المدارس الدينية والنهضة العلمية، ولهذا شيّد مدرسة من عدة غرف إلى جنب بيته واستقبل الطلاب، ورعاهم رعاية الأب الحنون العطوف، ومن جملة الطلاب: الشيخ محمد خليل دبوق العابد الزاهد، توفي في خربة سلم سنة ١٣١٧هـ، والشيخ عبد الله بن الشيخ محمد شومان، توفي في بلدة (جويا) شهر صفر سنة ١٣٣٥هـ، وكان فقيهاً وصاحب جاه، والشيخ محمد علي بن الشيخ أحمد عليان، توفي في (قلاويه) محرم سنة ١٣٣٥هـ، وكان عالماً ورعاً، والشيخ حسين نور الدين توفي في جويا سنة ١٣٦٩هـ، والسيد أمين الحسيني توفي في (جناتا) سنة ١٣٨٢.
وبينما السيد يوسف في راحة بال، يقوم بوظائفه الدينية على أحسن وجه، وإذ وقعت فتنة بين حزبين في قرية (شحور)، ولم يتمكن السيد من إصلاح الأمر، فكان تكليفه مغادرة ساحة المنكر كي لا يصيبه ما أصاب أصحاب السبت، عندما اعترضت الفرقة التي تفرجت على من اصطاد يوم السبت لأنه حرام، وهنا الفرقة التي تفرجت اعترضت على الفرقة التي استنكرت وخرجت من ساحة المنكر، ولما نزل العذاب شمل الذين اصطادوا والذين تفرجوا، ولم يخرجوا من ساحة المنكر، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾.(2)
إنطلاقاً من هذا الحكم الشرعي، لما لم يتمكن السيد يوسف من إصلاح الأمر واحتدم الصراع، فصار من الواجب الخروج من ساحة المنكر، فكان القرار أن يذهب إلى صديقه في (بنت جبيل) العلامة الشيخ موسى أمين شرارة، ولما بلغ الشيخ موسى خبر مجيء السيد يوسف شرف الدين خرج مع الطلاب والأعيان، وبعض أهالي القرى المجاورة إلى استقبال السيد يوسف احتراماً وتأييداً له، رحّب الشيخ موسى بالسيد شرف الدين وطلب إليه أن يقاسمه نشاطه الديني والإصلاحي، وكان الصفاء والمودة وطهارة القلب والإخلاص هو الحاكم في طريقة العمل، وشرع السيد يوسف بتدريس بعض الطلاب، ومنهم: السيد نجيب فضل الله إبن السيد محيي الدين فضل الله، وكان قد قطع شوطاً من الدراسة، وهناك شهادة من معاصره وهو الشيخ محمد مغنية بن الشيخ مهدي مغنية يذكر فيها مكانة السيد يوسف شرف الدين، والصفاء الذي حاز علية، ومما قاله في كتابه جواهر الحكم: « ومن العلماء المعاصرين السيد يوسف شرف الدين الموسوي الصحيح النسب من أشرف بيت من بيوتات العرب، عالم فاضل، ورع تقي عامل، من الأبرار الأخيار المبرزين في الفضل، طلب العلم فأحرزه، وبعد ما جمعه في خزائنه قرّره وأبرزه، قرأ الدرس في المشهد الغروي واشتهر بالفضائل حتى ورد عامل، وأقام بوطنه قرية شحور، وفتح المدارس وبذل العلوم، وعكف على بابه الأفاضل مدة لم تستقر حاله فيها، حيث أن أهل تلك القرية في ربقة الجهالة، تائهون في حالك الضلالة، هداهم وأرشدهم، فأبت نفوسهم إلا الإعوجاج، وسوء المنهاج، فجاشت نفسه ألماً لم يجد قيام الشريعةـ ولا مكث له على إرجاعهم عن الطرائق الشنيعة، وعندها عزم على الرحلة عنها، فعلم سكان البسيطة في سوريا من طائفة الشيعة، فهرعوا أفواجاً إلى بابه، وطلبوا الرضا من جنابه، وعندها الشيخ الأكبر، والأستاذ الموقر، جاء للسيد فلباه، والتمسه ودعاه، فأخذه إلى قرية (بنت جبيل)، وتباحث الشيخ معه، وكثر الفضل والتدريس وابتدر يفيد، ويباري الشيخ الطوسي والمفيد فهو شيخ للإسلام والمسلمين، وعماد للشريعة والدين، ولم يزل مجداً على هذه الطريقة، كارعاً من عين اليقين والحقيقة».
بقي السيد يوسف في (بنت جبيل) إلى سنة ١٣٠٣هـ، حيث تسنّى له إصلاح الأمر في قرية (شحور) فقرر العودة إلى بلده، لمتابعة ما كان عليه من وظائفه الدينية.
وفي سنة ١٣٠٤هـ أصيب جبل عامل بنكبة حقيقية، وهي خسارة ذلك العالم الجليل الشيخ موسى أمين شرارة، مما أدى إلى رجوع الطلاب إلى بلادهم، وجاء الشيخ محمد مغنية يقترح على السيد يوسف شرف الدين أن يشيدوا مدرسة في وسط البلاد تلمّ شمل الطلاب وتخفف من خسارة الشيخ موسى شرارة، فوقع الإختيار على قرية (طورا)، فشُيدت تلك المدرسة مع منزل لعالم الدين فيها، وانتقل إليها السيد يوسف سنة ١٣٠٥هـ، والتحق به طلاب (بنت جبيل) وآخرون، ومنهم: الشيخ حسين مغنية، وإبن العلامة الشيخ محمود بن الشيخ محمد مغنية، والسيد محمد رضا آل فضل الله الحسني، والشيخ جواد بن الشيخ علي السبيتي، والشيخ طالب سليمان البياضي، والشيخ محمد الشعيتاني من أنصار، وأخوه الشيخ أحمد بن الحاج حسين ال، والشيخ محمد بن الشيخ مصطفى عاصي توفي في أنصار سنة ١٣٣٦هـ، والشيخ جواد بن الشيخ خليل كوثراني توفي في الصرفند سنة ١٣٦٦هـ، وأخوه الشيخ حسين كوثراني توفي في تفاحتا سنة ١٣٧٤هـ، والسيد أمين الحسني توفي في جناتا سنة ١٣٨٢هـ، والشيخ علي الدهيني توفي في طورا، والشيخ عبد الحسين حدرج توفي في البازورية سنة ١٣٣٥هـ، والسيد محمود بن السيد إسماعيل مرتضى توفي في دير قانون رأس العين، والشيخ حسن بن الشيخ جواد مغنية توفي في طيردبا، وغيرهم من الطلاب.
استمرت المدرسة إلى سنة ١٣٠٨هـ، حيث قرّر فريق منهم مغادرة جبل عامل إلى النجف الأشرف، كالسيد محسن الأمين، والشيخ حسين مغنية، والسيد محمد رضا فضل الله وغيرهم، وكان من رأي السيد يوسف شرف الدين أن يغادر الطلاب بعد نهاية المقدمات إلى العراق للتفرغ لطلب العلم.
في سنة ١٣٠٨هـ، حج بيت الله الحرام، وبعد مراسم الحج عاد إلى بلاده واستقبله العلماء وزاره الناس، وأطلقوا العنان لقصائدهم، ومن أبيات قصيدة للعلامة السيد محمد رضا فضل الله الآتي:
ضحك البشر والهنا فاستنارت
خاليات الربوع بعد العبوس
ذاك يوم أضاء للمجد فيه
شعلة أخمدت شعاع الشموس
حين آبت بيوسف مصعبات
مرقلاتٌ بوخدها والرسيس
من ابنِّ البيوت من أكرم النّـ
اس خلقاً لسائس أو مسوس
يوسفيُّ الفعال خَلقاً وخُلقاً
أحمديُّ في طيب خيم النفوس
راجع الحلم بالشامخ إمّا
خفّ عند المزاج حلم الجليس
جائلات النسوع في كلّ فج
حلفاء التهجير والتغليس
كلما استفحل الوطيس تراها
طامحات الزمام وقت الوطيس
قاصدات بسعيها وسراها
معقلاً عاد للمهار العيس
بقي في شحور قائماً بإرشاد الناس وإصلاح أمرهم إلى سنة ١٣١٢هـ، صمم على تجديد العهد بالأئمة الأطهار وبالحوزة العلمية، وبيت عمه السيد هادي الصدر ــ والد زوجته ــ وبالأرحام من آل الصدر.
وكان لقدومه العراق الفرح والسرور عند العلماء والأصدقاء، فاستقبل بكل سرور وعُقدت المجالس وأطلقت القصائد.
كان في النجف في تلك المرحلة نجلُه السيد عبد الحسين شرف الدين، وكان شاهداً على ما جرى من استقبال لوالده، ويقول السيد عبد الحسين: بقدر ما فرحت بقدوم والدي وأني لفخور به وأعتز به، فقد حزنت على فراقه عندما عاد إلى وطنه بعد منتصف شهر شعبان سنة ١٣١٣هـ.
الأقوال فيه:
قال عنه صاحب الطبقات: « كان من أجلاء العلماء هناك، وهو صهر سيدنا العلامة السيد هادي الصدر والد سيدنا العلامة السيد حسن صدر الدين على ابنته».
وقال عنه السيد حسن الصدر: «عالم فاضل، جليل، هاجر مع ابن خالته المرحوم الشيخ علي عاصي إلى النجف لتحصيل العلم، وكان قبل ذلك قد اشتغل في مدرسة الشيخ عبد الله نعمة في (جباع) إلى أن قال: وكان سيداً جليلاً شهماً كريماً عزيز النفس صافي القلب حسن الأخلاق، كثير الشفقة على إخوانه وأهل بلاده، وأضاف كان شديد العلاقة بأولاده كثير المحبة لهم، وقد أقرّ عينه بشبليه السيدين العالمين السيد عبد الحسين شرف الدين وأخوه السيد شريف».
السيد الأمين في الأعيان قال عنه: « كان عالماً فاضلاً تقياً نقياً معاصراً، شاعراً شهماً كريم الأخلاق سخيّ اليد، تلوح عليه آثار النجابة والسيادة، ويُشهد بطيب فعله وبشرف أصله».
وقال عنه الشيخ محمد حرز الدين في معارف الرجال: « أنه حدثه بعض العلماء العامليين أنه كان سخياً كريماً طيباً، وقرؤا لنا بعض نظمه في المديح والغزل».
وأما نجله السيد عبد الحسين، فيبقى المصدر الأساس الذي واكب والده وكتب عن سيرة حياته ومما قاله بحقه: « كان ـ أعلى الله مقامه ــ خلاصة الحسب، وعصارة الكرم، وبقية الأحرار، وتليّة الكرام، وعنوان المروءة، وكنه النجابة، ومثال الإباء، وعزة النفس، لا يلبس ملابس الهوان، ولا يُرى من نفسه استكانة، وربما نزت في رأسه سورة الأنفة، وملكته عزة النفس ــ على أنه كان خافض الجناح للمؤمنين، في غاية التواضع لهن، يأخذ الأمور معهم ومع غيرهم بالمسامحة، ويعطي النصفة من نفسه، حتى للألداء من خصومه، ويعترف بالفضل لذويه، ويرتب أثر ذلك عليهم في أفعاله، كما يصرح بها في أقواله.
وما أشدّ تنائية عن العجب، وتجافيه عن مذاهبه، وما أعظم ورعه واحتياطه عن الشبهات، لم يقض بين اثنين على كثرة المترافعين إليه، وإنما كان يصلح بينهم، وله في ذلك طرق موفّقة قلّ من يهتدي إليها، وكما لم يقضِ بين اثنين لم يفتِ بحكم، وإنما كان يصدع بالاحتياط، أو يرجع المستفتين إلى المراجع العامة، ورسائلهم العلمية.
وكان موطّأ الأكناف، يبتهج بالأضياف، ويمتد باعه في قراهم، يجد بذلك قرة عينه، وبرد السرور في فؤاده، وله في السخاء غرر وأوضاح، تبلجت كفلق الصباح».
وفاته ورحيله:
في ٢٤ ذي الحجة من سنة ١٣٣٤هـ، غادر السيد يوسف شرف الدين الدنيا إلى عالم الآخرة، مشتاقاً إلى لقاء رسول الله (ص) والأئمة الأطهار Q والعلماء والأرحام، بعد أن أصيب بوعكة صحية، وكانت وفاته بعد صلاة العشاء من ليلة الأحد.
وكان لرحيله خسارة في بلاد جبل عامل وفي الحوزات العلمية، وأخذ الناس يلطمون صدورهم ويقولون الأهازيج التي كان متعارفاً عليها في جبل عامل، ومنها:
فجع الإسلام طرّاً والأنام
بالإمام ابن الإمام ابن الإمام
فجعت سنّة طه والكتاب
بمبين الحق من غير ارتياب
عظم الخطب بهذا المصاب
واستحال النور في الكون ظلام
هاشم لطماً بكلتا الراحتين
فلقد مات أبو عبد الحسين
فإذا المجد أشل الساعدين
وإذا الدين أجب وكهام
وأقيمت له المآتم ومجالس العزاء، وذكرى الأسبوع ورثاه العلماء والأدباء، ومنهم العلامة السيد عبد الحسين نور الدين بقصيدة منها:
روّع قلب الدين خطب نزلا
ودقّ صلب المكرمات والعُلى
وانثلم الإسلام أيّ ثلمة
والمجد من أركانه تزلزلا
هذا الردى يا قطعت كف الرّدى
أودى بيوسف فلا حول ولا
أودى به أندى يداً أنأى مدىً
غيظ عدىً بدر هدىً شمس عُلا
أثكل أمّ الفضل في واحدها
أما درى يا ويحه ما فعلا
عمّ الورى مصابه فرزؤه
للْملأ الأعلى عليه أعولا
مصيبة جليلة من بعدها
كل مصيبة نراها جللا
عجبت للمقداد من بطشته
أما ترى كيف أزال الجبلا
وكيف قاد اللّيث من عرينه
والبدر من أوج السماء أُنزلا
جاء بها الدهر ولا مثل لها
لكي تكون للرازيا مثلا
عهدي به وهو المجلي أبداً
كيف له شق المنون قسطلا
وكانت قصيدة للعلامة الشيخ علي بن الشيخ محمد مروة، ومما جاء فيها:
تركت الصفوف وراء الصفوف
يحومون حول حماك الشريف
لفضل الصلاة وفضّ الصلات
وصرف القضايا وشكوى الصروف
وهذي الألوف أمام الألوف
لفيف يؤمك إثر لفيف
لمثواك تهوى بأفئدة
حرارٍ وتهفو بقلب لهيف
بقبرك لاذوا كأنهم
يلوذون منك بظل وريف
وحلّوا بطيب ثراك وكا
نوا يحلّون منك بخصبٍ وريف
يطوفون حولك ميل الرقا
ب حليفاً يكفكف دمع حليف
كأن مقامك بيت المقا
م ومكة أو عرفات الوقوف
عليك أبا الطيبين السلا
م وطبت عطوفاً نزيل عطوف
ولا زال دلاّح فيض الرضا
يغادي ثراك بدجنٍ وكوف
وكان للأديب الفاضل الشيخ محمد حسين بن الشيخ محسن شمس الدين ثلاث قصائد واحدة أثناء الدفن، ومما جاء فيها:
رزاياك في الأيام جلّ وقوعها
فلا غرو أن سالت عليك دموعها
وهذي العُلى من بعدك فقدك حسرة
يروع حشاها للنوى وما يروعها
وتلك رياض العلم بعدك صوّحت
وأندية العليا تعفّت ربوعها
وهاشم هذا اليوم ولى عميدها
وثلّم ماضيها وأودى قريعها
وما مات من أنتم بقاياه في الورى
وأي رزاياكم خفيف وقوعها
وجاء ثرى قبر الإمام أبيكم
عهاد الرضا ما انفك يهمي مريعها
والثانية تليت أثناء الأسبوع، ومما جاء فيها:
لفّ الردى بك للهدى علماً
نشرته يا قدوة العلما
ورماك يذبل مفخر وحجىً
من هاشم العلياء فانهدما
فدتك هاشم نور مقلتها
ويداً على أعدائها وفما
يا شيبة الحمد الذي أخذت
عنه الورى الأحكام والحكما
هذي قلوب العالمين أسىً
ذابت وأجرتها العيون دما
وهويت من أفق العلى قمراً
تجلو بنور ضيائك الظلما
يا خير أبناء الورى شرفاً
فيها وأعلى في العلى قدما
أنتم لنا عن كل مفتقدٍ
خلف فدوموا للهدى علما
والثالثة في ذكرى الأربعين، ومن أبياتها:
هي روعة ملأت عليك رحابها
ندباً وحملت الورى أوصابها
لقحت بها أمُّ الخطوب وأعقمت
عن أن تجيء بمثلها أحقابها
صبت مصائبها فما من نسمة
إلا وجرّعها مصابك صابها
سلبتك من أيدي العلى أيدي الرّدى
صمصامة شحذ الإله ذبابها
وطوى الرّدى بك للشريعة كهفها
وإمامها وخطيبها وكتابها
أذهلت يا علم الهدى بمصابك الأعلا
م حتى ما تصيب صوابها
ولكم حشا ذابت فصعدها الجوى
حزناً وصوّبت العيون مذابها
أمقوضاً بالمكرمات وبالهدى
رفقاً فبينك للقلوب أذابها
فقدت بك العلياء روح حياتها
وبنو الورى ما ناب شخصك نابها
تحقيق خاص حول النكبة التي أصابت قرية (شحور) سنة ١١٩٨هـ/١٧٨٤م
أُجري مع سماحة الشيخ حسن بغدادي:
سماحة الشيخ حسن، قبل أن نبدأ الحديث عن المعركة المدمرة التي حدثت في بلدة (شحور) لنتعرف في البداية على هذه البلدة من الناحية العلمية والأدبية والإجتماعية.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بفضل الله بسم الله الرحمان الرحيم، قرية (شحور) من قرى جبل عامل المعروفة منذ القدم، وكانت إحدى منارات جبل عامل العلمية التي سكنها علماء وخصوصاً من (آل شرف الدين)، وكان السيد الجليل محمد بن شرف الدين إبراهيم الموسوي قد جاء إلى (شحور) من قرية (جباع) حيث كانت عائلة الموسوي تسكن فيها، وجدهم الأعلى السيد نور الدين علي الموسوي، السيد محمد ولد في رجب ١٠٤٩هـ في قرية (جباع)، وأثناء حجه بيت الله الحرام، تعرف على أعيان من شحور، فدعوه ليكون إماماً لهم، فعاد معهم إلى شحور من الحج مباشرة، ولم يرجع إلى (جباع)، وبقي في شحور إلى أن مات فيها ١١٣٩هـ، قائماً بنشاطه الديني من الوعظ والإرشاد والإصلاح، كما كان يُدرس الطلاب، فحضر عليه نجله السيد صالح الذي اعتقل أيام المحنة ومعه نجله الآخر السيد محمد الشهير بمحمد الثاني، والشيخ سليمان معتوق العاملي الذي ذهب أثناء النكبة إلى الكاظمية وبقي فيها إلى أن مات، واستمر حضور علماء آل شرف الدين في شحور والذي منهم: السيد يوسف شرف الدين الذي شيّد مدرسة علمية بعد عودته من العراق، كما سكن شحور نجلُه العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين، ولذلك تحولت هذه البلدة إلى إحدى المنارات في جبل عامل، ومنها خرج ذلك الفاضل صاحب مجلة العرفان الشيخ أحمد عارف الزين.
من هم أبرز علماء البلدة في تلك المرحلة؟ ولماذا لا نجد لهم حضور مباشر؟
السبب في عدم الحضور المباشر في تلك الفترة يعود إلى أن البلدة مرت بثلاث مراحل: مرحلة ما قبل النكبة، ومرحلة النكبة، ومرحلة ما بعد النكبة.
فمرحلة ما قبل النكبة، كانت مرحلة السيد محمد الموسوي ونجله السيد صالح، حيث كان جبل عامل يعيش الإستقرار النسبي، وفي ذلك العهد بدأ السيد أبو الحسن موسى الحسيني ينمو نشاطه في قرية (شقراء)، والذي حوله إلى زعيم ديني ــ إذا صح التعبير ــ في جبل عامل إلى جانب الحضور السياسي للأمير ناصيف النصار.
بينما نجد السيد محمد بن السيد إبراهيم، كان يميل للإعتزال خصوصاً في الأيام الأخيرة من حياته، هذا السبب لم يجعل الحضور العلمائي في قرية (شحور) فاعلاً بالمعنى الإجتماعي، إنما أبقى على حضوره المتواضع الذي اختصر فيه على تدريس الطلاب والحضور في المسجد والإجابة على الأسئلة وحلّ المشاكل والوعظ والإرشاد بما تمكن.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة النكبة، والتي كان الفاعل فيها الشيخ علي الزين، أمّا السيد صالح ــ على ما يظهر ــ فلم يكن له دور أثناء النكبة سوى أنه اعتقل وأخذ إلى سجن عكا، وقتلوا نجله السيد هبة الله.
المرحلة الثالثة: كان لشحور دور ومساهمة في إعادة الحياة العلمية من خلال المدرسة الدينية التي شيّدها السيد يوسف شرف الدين والد الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين بعد عودته من النجف الأشرف.
كيف كانت الأوضاع في جبل عامل قبل ثورة (شحور)؟
في سنة ١٧٨٠م، ارتحل السيد أبو الحسن موسى الحسيني، فترك فراغاً واضحاً على الصعيد الديني والإجتماعي في جبل عامل، بعدما كانت مدرسته الدينية وحضوره الإجتماعي منارة في جبل عامل، وكان سكان المنطقة يأتون إلى (شقراء) ليصلوا خلفه جماعة مما اضطر لتوسعة المسجد حيث شيّد مسجداً كبيراً، وكان نفس الأمير ناصيف النصار يأتي إليه ويصلي خلفه جماعة مما يدلل على عمق هذا التواصل بين الأمير ناصيف والسيد أبو الحسن موسى، وهذا التكامل هو الذي نهض بجبل عامل في تلك المرحلة على المستوى الأمني والسياسي والإقتصادي، والذي زاد في المصيبة أنه بعد سنة من رحيل السيد أبو الحسن موسى، قُتل الأمير ناصيف النصار في معركة يارون سنة ١١٩٥هـ / ١٧٨١م، في تلك المرحلة ونتيجة التراكمات السلبية التي عاشها العثمانيون مع أهالي جبل عامل، حيث تمكن أهالي جبل عامل ومن خلال التعاون والتفاهم بين الأمير ناصيف النصار والسيد أبو الحسن موسى والعلماء من أن يعطوا جبل عامل بُعداً إستقلالياً عن المنطقة، لم يعد بإمكان العثمانيين أن يفرضوا الجباية التي يريدونها أو يأخذوا الشباب متى أرادوا إلى الحرب، وكانت السياسة العثمانية تقوم على أمرين: أخذ الشباب إلى الحرب، وعلى جباية المال. وهذا الذي منع حصوله قادة جبل عامل في تلك المرحلة، القيادة السياسية والقيادة الدينية معاً، وحازوا على استقلال شبه تام، بل أكثر من ذلك لم يكتفوا بما حازوا عليه من شبه إستقلال في جبل عامل بل كانوا يشتركون في معارك خارج حدوده الجغرافية، عندما تقتضي المصلحة، كما فعلوا في قضية التفاهم الذي حدث مع ظاهر العمر، وأبو الذهب من مصر عندما ذهبوا إلى دمشق لإخراج العثمانيين منها، كيف هرب الوالي العثماني (عثمان باشا)، هذا مما يؤكد أن العثمانيين لم ينسوا جبل عامل، ولم يتمكنوا أن ينسوه للحظة من اللحظات، والذي زاد في المصيبة أنهم عندما جاؤوا للإنتقام من أهالي جبل عامل بعد معركة دمشق كانوا بقيادة (عثمان باشا) نفسه، وكيف ذهب إليهم ناصيف النصار بخمسمائة مقاتل ولاقاهم في بحيرة الحولة، وهناك كانت المعركة الكبرى التي قتل فيها جند كثيرون وجرحى وهربوا وتركوا عتادهم، وعلى بعض الروايات سقط من جيش ناصيف النصار شهيد واحد.
هذه الأمور، إذا أردنا أن نجمعها تشكل بمجموعها نكسة للعثمانيين، لذلك قرر العثمانيون أن يضعوا يدهم مباشرة على جبل عامل، والذي يؤكد وجود القرار السياسي في اسطنبول، هي الرسالة التي أرسلها بعض العلماء والأعيان إلى السلطة المركزية، يشرحون فيها ما صنعه الوالي العثماني أحمد الجزار في جبل عامل من قتل للناس والعلماء وحرق المكتبات، وإذ بنفس الرسالة التي وقع عليها العلماء والأعيان، أرجعتها القيادة في اسطنبول إلى الوالي العثماني أحمد باشا الجزار، وتريد بذلك أن تقول له هذا الإعتراض عليك فأكمل فتكك بهم، وعاقب من أرسل هذه الرسالة.
إذاً، هذا الجو الذي عاشه جبل عامل قبل نكسة شحور وقبل الثورة، هذه التراكمات هي التي جعلت الوالي العثماني أحمد باشا الجزار وبقرار سياسي من السلطة المركزية في القسطنطينية آنذاك يقتحم ويمسك بزمام الأمور بالقهر والحديد والنار، حتى أنه كان يتعاطى بأشد أنواع الشدة والقسوة، فعندما كان يقرر أن يعدم إنساناً لا يقتله بالرصاص أو الشنق، بل كان يقتله تحت التعذيب.
إذا كانت الأوضاع قد وصلت إلى هذا الحد، ما هي الضمانة التي كان يعتمد عليها الشيخ علي الزين والأمير حمزة وبعض المشايخ من هذه الثورة والإنتفاضة على ذلك الواقع المرير؟
لم يكن هناك ضمانة، وبتقديري كان هناك سوء تقدير عند الشيخ علي الزين والأمير حمزة وبعض من ساعدهم بذلك، والذي يؤكد سوء التقدير، أن الوالي الجزار الذي كان في صيدا كان في تلك اللحظات له معركة مع الأمير يوسف الشهابي، وكان قد أرسل جيشه لمقاتلة ومحاربة قوات يوسف الشهابي، ولما نهض أهالي شحور ومن معهم في الثورة واقتحموا قلعة تبنين، وقتلوا المتسلم، أرسل إلى قائد الجيش أن لا يكمل طريقه ووجهه إلى جبل عامل.
وهذا يكشف أن أحمد باشا الجزار لم يكن مجرد عسكري يخوض الحروب، بل كان أيضاً له حضور سياسي وإجتماعي، وكان يعرف الثغرات، وكان يراقب الأحداث.
وهنا أسأل، لماذا لم يراقب الشيخ علي الزين والأمير حمزة وبعض الشخصيات معهم من قادة الثورة الأوضاع السياسية؟ ويروا ماذا يجري في البلاد؟ كان يجب أن ينتظروا لحظة انشغال الوالي العثماني بحرب أو نكسة ما، أو ينتظروا حتى وصول الجيش إلى ساحة المعركة ليلتحم مع الأمير يوسف الشهابي وينقضوا عليه.
هذا يؤكد أنهم كانوا يعيشون حالة ظلم شديدة، ووصلت بهم الحالة إلى لحظة عدم تحمل وانفجار، وفي نفس الوقت لم يكونوا يملكون القدرة والوعي الكامل.
فأنا في رأيي، رغم المظلومية الكبرى التي لحقت بأهل جبل عامل قبل نهضة شحور، وهي السبب الرئيسي في هذه النهضة، إلا أنه كانوا بحاجة إلى شيء من التمهل وعدم التسرع، وهذا لا يعني أنهم لم يكونوا مظلومين، وهذا لا يعني أن الجزار لم يكن ظالماً، بل هو ظالم وقاسي ومجرم، وقد أحرق المكتبات وقتل العلماء وسجن وهتك. لكن المطلوب كان هو الحدّ من الخسائر على أهلك وعلى شعبك، بدلاً من أن تزيد في المصيبة، هذا هو المطلوب من هذه القيادة، نعم لم تكن هناك ضمانة سوى المظلومية التي كانت الدافع الأساس لهذه المعركة.
بنظركم ألم يكن يحتمل هؤلاء الفشل وردة فعل الوالي العثماني الذي كان واضحاً أنه مدعومٌ من القيادة المركزية؟
نعم كما أشرت في جواب السؤال السابق، ربما لم يكونوا يتوقعون هذه النتيجة، فهم كانوا يعتزون بشجاعتهم، ويعتبرون أنفسهم أقوياء وأشداء، وأنهم مصممون على النصر، ولا يوجد في قاموسهم الهرب أو الهزيمة أو التراجع، إنما كانوا مصممين على المضي في هذا الطريق وصولاً إلى النصر أو الشهادة، ولو كانوا يفكرون بالفشل لكانوا تريثوا قليلاً، ولَمَا أقدموا على هذه النهضة والثورة، وعلى ما يظهر فهي حدثت في لحظة بُعد عن السياسة، وكانوا يفكرون فقط برفع المظلومية عن الناس وأخذ الثأر من هؤلاء القتلة والمجرمين من جماعة أحمد باشا الجزار، الذين هم خليط من أقوام مختلفة أتراك ومغاربة وألبان وأكراد وغيرهم، وكان قسمٌ منهم معقد نفسياً ينتمي إلى الشيطان لا أعرف.
على كلٍّ لم يكونوا يتوقعون الفشل، وكانوا مصرين على الإنتقام، وكانوا يريدون أن يظهروا على عدوهم، وأن ينتصروا عليه، لهذا تراهم نهضوا واقتحموا قلعة تبنين التي هي مركزاً أساسياً لهؤلاء، وقتلوا المتسلّم وهرب صاحب الدفاتر ــ هذا الرجل من بيت الأيوبي ــ إلى صيدا، وأخبر الجزار بما حدث. إذاً، أنا بتقديري لم يكونوا يتوقعون الفشل وكانوا على عجلٍ من أمرهم، وكان الهدف هو الإنتقام و إلحاق الهزيمة بهؤلاء القتلة والمجرمين العثمانيين.
كيف كانت ردة فعل العثمانيين على مواجهة هذه الثورة؟
ردة الفعل العثماني لم تكن متكافئة مع حجم النهضة أو الثورة التي حصلت في شحور، فكانت ردة فعل قاسية جداً، لم تتعقب القتلة فقط أو من كان وراءهم، بل طالت كل أهالي جبل عامل، واتبع العثمانيون في العقاب طريقتين:
الطريقة الأولى: هي أن يقتحموا قرية شحور، كردة فعل على المسلحين وعلى الناس الذين احتشدوا في شحور، وبتصرفهم هذا يظهر كم هم جبناء لأنهم لم يتمكنوا أن يقتحموا البلدة إلا بعد أن دمروها بالمدافع ودمروا معها عدة قرى مجاورة، ومع هذا الدمار الهائل لم يتمكنوا من الدخول ببساطة إلى القرية، ووجدوا مقاومة لا نظير لها بدليل أن عدد الشهداء من المقاتلين تجاوز المائتين، ناهيك عن الجرحى، ووقعت خسائر كبيرة في جيش العثمانيين، كما أقدموا على نهب البلدة، وهم تصرفوا كغزاة فأحرقوا المكتبة العظيمة لـ (آل شرف الدين) و(آل الزين)، ثم اعتقلوا كثيراً من الناس ومنهم: الأمير حمزة حيث أعدموه بطريقة وحشية على الخازوق، وعلقوا رؤوس القتلة والشهداء على بوابة صيدا ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه أن يكرر هكذا عمل، ولم يكتفوا بذلك إنما عمدوا إلى عقاب جبل عامل بأجمعه، ومارسوا بحقهم أبشع أنواع القسوة والتنكيل، كما لاحقوا وتتبعوا العلماء والأعيان والأشراف وحرقوا المكتبات، لذلك لم تقتصر ردة فعلهم على شحور وجوارها أو على الذين كانوا في تلك القرية.
ما الذي عكسته هذه الانتكاسة على مجمل الأوضاع في جبل عامل؟
هذه الانتكاسة التي حدثت في شحور سنة ١١٩٨هـ، شكلت نكسة لكل جبل عامل، حيث لم يسلم من ظلمهم أحد، ولهذا كان سوء التقدير من الشيخ علي الزين والأميرة حمزة ومن ساندهم في هذه الثورة، أنهم لم يلتفتوا إلى ردة الفعل القاسية التي كانت تنتظرهم فيما لو أخفقوا في هذه الثورة ولم يتمكنوا من تحقيق النصر الكامل، وخصوصاً أن هكذا معركة هي غير متكافئة مع دولة تبسط نفوذها في المنطقة، وبالتالي هم لا يقاتلون جماعة تنتمي إلى منطقة تشبههم بالإمكانيات، والشعور بالظلم والقهر لا يكفي لأن يقوم الإنسان بثورة لا يعرف نتائجها.
لماذا بقيت عيون الجزار تلاحق العلماء في (شحور) أمثال السيد صالح الموسوي الذي كان متخفياً؟
هذا السؤال يرتبط بالسؤال الذي قبله، فالعثماني كان يعرف أن الشيخ علي الزين هو المحرك الأساس، والناس في جبل عامل ترتبط بعلمائها، وأن علماء الدين هم القادرون على استنهاض الناس متى شاؤوا، والأمير ناصيف النصار، لم يكن قادراً على استنهاض عدد كبير من أبناء جبل عامل، لولا وجود التعبئة العلمائية والدعوة إلى الجهاد والوعد بالجنة، لأن أهالي جبل عامل ليسوا من الذين ينتمون إلى المنهج التكفيري، ويستطيع أي إنسان أن يأخذهم ويتاجر بهم، هؤلاء إن لم يطمئنوا إلى فتوى تضمن لهم آخرتهم لا يمكن أن يستجيبوا لأي قيادة مهما علا شأنها.
والسيد صالح ــ كما هو معروف عنه ــ لم يشارك في نهضة شحور، ربما كان يدعو لهم بالنصر ويؤيدهم بقلبه وروحه، ومع هذا لم يسلم من العثمانيين الذين قتلوا ابنه السيد هبة الله أبو البركات أمامه، والعثمانيون بهذا التصرف، كانوا يريدون النيل من العنصر الأساسي في الاستنهاض وهم علماء الدين، لأنهم كانوا يعرفون جيداً مدى قوة تأثير علماء جبل عامل على أهله، لذلك بملاحقتهم للعلماء عمدوا إلى فصل القاعدة عن رأسها.
ما الذي حققه العثمانيون من قتل العلماء، أمثال: السيد هبة الله واعتقال أبيه السيد صالح؟
لم يحققوا شيئاً بالمعنى العملي، فهم ندموا عند فقدان التوازن في جبل عامل وانتشار حركة الطياح، وأصبح جبل عامل محكوماً بالفوضى، وأصبحت هناك بطالة وفقر، وكل ما كان يريده العثمانيون من جمع الضرائب والأموال بات غير ممكن مع الواقع الجديد. لذلك ربما ندم العثمانيون على فعلتهم، ورأوا أن بقاء علماء جبل عامل هو مدعاة للهدوء ولإبقاء الإستقرار والأمن، ووصلوا إلى قناعة أن ما يمكن أن يحصلوا عليه في الجو الهادئ ومع وجود العلماء، هو أفضل بكثير مما سيحصلون عليه في حال عدم وجود العلماء.
وبتقديري ما فعله العثمانيون في شحور كان مجرد انتقام حاقد من العمامة والدين والإسلام وأهله، وردة فعل على ما قام به الشيخ علي الزين وبعض الأعيان، وليس أكثر، وإلا لو فكروا بعقل ومنطق لما أقدموا على قتل هؤلاء العلماء وسجنهم وإبعادهم عن جبل عامل، لأن وجود العلماء كان يمكن أن يساهم بتخفيف حدة التوترات وذلك من خلال تدويرهم لبعض الزوايا، التي تجعل من إمكانية التعايش بين أهالي جبل عامل والعثماني أمراً ممكناً، كما كان قبل النكبة أو بعدها أي بعد هلاك الجزار سنة ١٢١٩هـ.
إلتقى م ــ الملف العديد من الشخصيات العلمائية والفكرية من مختلف المناطق، وذلك في مقرّ جمعية الإمام الصادق Q في بلدة أنصار الجنوبية.
زار م ــ الملف منزل العلامة المقدس الشيخ حسين زغيب اليونيني المتوفى سنة ١٢٩٤هـ، والتقى أسرة العلامة الراحل، وأحد أحفاده المهندس الحاج حيدر زغيب، وكانت مناسبة للتعرف على حيثيات المدرسة التي أنشأها الشيخ حسين زغيب بعد عودته من جبل عامل، عندما درس مدة اثنتي عشرة سنة على السيد علي إبراهيم في (كوثرية السياد)، ثم غادر إلى النجف الأشرف، ودرس على الشيخ مرتضى الأنصاري، وبعد عودته إلى (يونين) شيّد مدرسة استمرت لأكثر من عشرين سنة، وخرجت العديد من الفضلاء، منهم: الشيخ إبراهيم والشيخ محمد والشيخ حيدر آل محفوظ، ونجله الشيخ صادق زغيب، والشيخ عباس بن الشيخ محمد أمين زغيب، والسيد علي القاضي آل عودة اللبناني، والشيخ تقي شمس الدين الفوعي، والشيخ خليل والشيخ محمد أمين والشيخ عبد الله والشيخ جواد من آل العميري من بلدة (نحلة) البقاعية، وغيرهم. وكانت الزيارة مناسبة من أجل التحضير لإجراء ندوة فكرية حول مدرسة الشيخ حسين زغيب اليونيني.
المدرسة الدينية
السجادة التي كانت يصلي عليها الشيخ حسين زغيب داخل الحوزة العلمية
ضمن سلسلة ندواتها الفكرية
وفي الذكرى الثامنة و الثلاثين على تغييب الإمام السيد موسى الصدر أعاده الله
وتكريماً لسماحة العلامة السيد يوسف شرف الدين طاب ثراه
تتشرف
جمعية الإمام الصادقQ لإحياء التراث العلمائي
وبالتعاون مع بلدية شحور
بدعوتكم إلى المشاركة في الندوة الفكرية تحت عنوان:
آل الصدر وآل شرف الدين «بين الخصوصية و التواصل»
تعالج الندوة:
المحور الأول: الإمام السيد موسى الصدر بناء الدولة و مقاومة الإحتلال
سعادة سفير الجمهورية الإسلامية في لبنان السيد محمد فتحعلي.
المحور الثاني: العلامة السيد يوسف شرف الدين، بناء جبل عامل العلمي والهدف الإستراتيجي في مواجهة التسلّط و الهيمنة.
عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي
كلمة ترحيبية لرئيس بلدية شحور الحاج كامل خليل (أبو عباس)
الزمان: نهار السبت الواقع في ٢٠ آب ٢٠١٦م الساعة السادسة عصراً.
المكان: حسينية بلدة شحور الجنوبية.
ملاحظة: مدة اللقاء ساعة واحدة
عاهد الله تعالى أن لا يستدين من أحد طوال عمره
وأعطاه الله ما أراد، بعدما اطلع على صدق نيّته
إنه العلامة السيد إسماعيل بن السيد صدر الدين بن السيد صالح الموسوي، والسيد إسماعيل هو الجد المباشر للشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر.
ولد السيد إسماعيل في أصفهان ١٢٥٥ هـ، ونشأ فيها ودرس على أبيه وعمه السيد محمد علي وبعض فضلائها، وغادر إلى النجف الأشرف، ولازم المجدد السيد حسن الشيرازي وذهب معه إلى سامراء، وبعد رحيل أستاذه الشيرازي، ذهب إلى كربلاء واستوطنها وأصبح مرجع المسلمين فيها، وتزوج من كريمة ابن عمه السيد هادي الصدر، وكان عديلآ للسيد يوسف شرف الدين والد السيد عبد الحسين، أعقب علماء أجلاء كانوا مفخرة العلم والعمل، توفي في كربلاء سنة ١٣٣٨ هـ.
له مناقب وكرامات كآبائه الأطهار ومنها: أنه عاهد الله تبارك وتعالى على أن لا يقترض من أحد مالاً طوال عمره، ولعلّه كان يرى حتى في الدين هو طلب الحاجة من غير الله تعالى، وهو منقصة في حق العبد المطيع لمولاه والذي يراه خالقه ورازقه وبيده الحياة والموت، وذات يوم مرضت والدته بحيث أشرفت على الهلاك، وتحتاج إلى علاج ودواء فخرج إلى زيارة الإمام علي Q وبعد الزيارة جلس في صحن الدار يفكر بالأمر وماذا يفعل، فمن جهة نفسه لا تطاوعه بأن يمدّ يده لأحد أو يقترض وهناك عهد مع الله، ومن جهة ثانية كان يخاف على والدته من الهلاك، وهي مسؤولية إنسانية وشرعية، والضرر هنا مقدم على ضرر مخالفة العهد، وبينما هو يناقش نفسه ويفكر وإذا برجل يأتي ويسلم عليه، وقال له: هل أنت سيد موسوي؟ قال: نعم، قال: عندي مال خاص لسيد موسوي فأخذه، وعندما عالج والدته كان المطلوب نفس المقدار الذي رزقه الله له.