٥٣

مناسبات الشهر

(بطاقة عالم)

العلامة السيد
هاشم معروف الحسني (طاب ثراه
)

من أعلام القرن الرابع عشر هجري، ولد في قرية (جناتا) من جبل عامل سنة ١٩١٩م، بعد الحرب العالمية الأولى بسنة، أي أنّه لم يعاصر حقبة الوجود العثماني في المنطقة أو الحرب العالمية الأولى، وإنما عاصر الإنتداب الفرنسي ونكبة فلسطين، ومن ثم مرحلة الإستقلال.

ممّا جعل من السيد هاشم شخصية متنوّرة، تؤمن بالحداثة والتطور ومصلحة الناس، وهذا ما انعكس على مصنفاته وآرائه الفقهية، وفهمه للنص والتاريخ.

دراسته: درس السيد هاشم في النجف الأشرف على كبار الفقهاء، أمثال: السيد أبو القاسم الخوئي، والسيد جمال الكلبيكاني، والسيد أبو الحسن الأصفهاني، والسيد محسن الحكيم، والشيخ محمد حسن آل كاشف الغطاء الذي عقد له على كريمة العلامة السيد محمد حسن فضل الله.

عاد من النجف الأشرف، وسكن في مسقط رأسه (جناتا)، متنقلاً بينها وبين مدينة (صور)، لأنه عمل بالتبليغ الديني والإصلاح الإجتماعي، ولكن بطريقة مختلفة عما كان عليه السلف الصالح، فكان يصرف قسطاً من وقته على التبليغ والإصلاح بمقدار الضرورة، وما هو زائد على ذلك يصرفه بالمطالعة والتصنيف.

مضافاً لهذه المهام، عمل السيد هاشم في القضاء الجعفري واشتغل بالتصنيف، فصنّف ما يزيد عن العشرين مصنفاً في مختلف العلوم كالحديث والفقه وغيرها، ومن مؤلفاته: كتاب نظرية العقد في الفقه الجعفري ــ المسؤولية الجزائية في الفقه الجعفري ــ الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة ــ الشيعة بين التصوف والتشيع...

وفاته: توفي السيد هاشم معروف الحسني في شهر أيار من سنة ١٩٨٣م الموافق لـشهر شعبان من سنة ١٤٠٣هـ، ودفن في قرية (جناتا).

تكريم العلامة

ا لسيد محمد علي الأمين

السنة الخامسة ــ العدد الثالث والخمسون ــ أيار ٢٠١٦م / شعبان ١٤٣٧هـ

شخصية العدد

الشيخ محمد علي عز الدين (طاب ثراه)

من أعلام جبل عامل في القر ن الثالث عشر هجري، ومن الذين كانوا نموذجاً في إحياء العلم وإحياء شريعة سيد المرسلين، و الإنصهار في التبليغ الديني و الإصلاح الإجتماعي، وكانت له طريقة خاصة بعلاقته مع الناس، فلم يكن ليتوقف عن الكتابة و المطالعة حتى لحظة حضوره بين الناس، فإذا سأله أحدٌ مسألة شرعية أو اجتماعية يتوقف عن الكتابة

والمطالعة و يجيب على سؤاله بما يتناسب مع المقام من دون إطناب أو إيجاز، وإذا ما وجد مناسبة للموعظة، كان يتوقف و يتحدث للجالسين بما هو خير و مفيد لهم، و سرعان ما يرجع إلى الكتابة والتصنيف. وعلى هذا قسّم أوقاته، فكان يقوم قبل الفجر يصلي صلاة الليل ويتهجّد حتى طلوع الفجر، فيذهب إلى المسجد يؤذّن ويقيم الصلاة جماعة بمن حضر،

ويبقى ذاكراً و قارئاً للقرآن حتى طلوع الشمس، فيشرع بتدريس الطلاب إلى قبيل الظهر وقد يتخلل ذلك حلّ بعض المشاكل و متابعة بعض الأمور، ثم يرتاح نوم (القيلولة) إلى آذان الظهر، فيصلي جماعة، و يرجع إلى البيت، فيتفرغ للمطالعة والكتابة ومتابعة أمور معاشه إلى المغرب، فإذا صلى العشائين، تناول العشاء الذي ليس فيه تكلفة، و يطالع قسطاً من الليل ثم يخلد إلى النوم.

ولد الشيخ محمد علي عزالدين في (كفرا) من جبل عامل في شهر رمضان سنة ١٢٣٨هـ، أصل العائلة من بلدة (العباسية)، والسبب في انتقال العائلة إلى قرية (كفرا) هو أن والده الحاج علي ترك جبل عامل خوفا على عياله من بطش الوالي العثماني أحمد باشا الجزار الذي دمر جبل عامل وأهلك الحرث والنسل من سنة١١٩٥هـ إلى سنة ١٢١٩هـ. وعند هلاك الوالي واستتباب الأمن، عاد الناس إلى جبل عامل ومنهم والد الشيخ محمد علي عز الدين، وتزوج كريمة الحاج أحمد السبيتي من (كفرا)، وانتقل إليها، وهناك ولد الشيخ محمد علي وترعرع.

حاز الشيخ محمد علي على رعاية خاصة من والده، الذي رأى فيه أمله، فاختار له إمام المسجد الشيخ نصر الله آل قعيق، فقرأ عليه القرآن الكريم، فتميز الشيخ عز الدين على أقرانه و درس مبادئ اللغة العربية، وكان لا بد من الإنتقال إلى قرية ثانية يتواجد فيها أهل العلم لاستكمال الدروس عليهم، فكان في (صلحا) الفاضل الشيخ علي بن حسين آل مروة، فدرس عليه ألفية ابن الناظم و مغني اللبيب، والمختصر، ثم قرر الشيخ علي مروة أن ينتقل إلى (حداثا) فرافقه الشيخ محمد علي عز الدين وذلك سنة ١٢٥٦هـ. في ذلك الوقت كان العلامة الفاضل السيد علي إبراهيم الحسين، من كوثرية السياد، قد انتقل إلى بلدة (النميرية) و شيّد مدرسة اجتمع فيها الطلاب من كل المناطق، فالتحق الشيخ عز الدين وخاليه الشيخ علي والشيخ حسن السبيتي بها، فدرسوا المطوّل، و شرح الشمسية في المنطق، و المعالم للشيخ حسن بن الشهيد الثاني، وشرائع الإسلام في الفقه للمحقق الحلي، كما درسوا شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني.

وقد نظم الشيخ علي السبيتي قصيدة يمتدح بها السيد علي إبراهيم، كما نظم الشيخ محمد علي عز الدين قصيدة أخرى منها:

وبعد فالعلم شهي الملتقى

لكن حصان الذيل صعب المرتقى

لاسيما المعروف بالبيان

و الفائق البديع بالمعاني

فإنه السباك للبلاغة

سباكة الإبريز أيدي الصاغة

توفي السيد علي ابراهيم مسموماً في شهر شعبان ١٢٦٠هـ، وكان لرحيله خسارة كبيرة على جبل عامل وهو من أعاظم علمائه على حدّ تعبير السيد محسن الأمين طاب ثراه.

فغادر الطلاب إلى قرية (جباع) حيث شيّد فقيه جبل عامل الشيخ عبد الله نعمة مدرسة كبيرة، اجتمع عليه الطلاب من كل حدب صوب.

وهنا يلزم أن نلفت النظر، أنّ هؤلاء الطلاب ليسوا تلاميذ بالمعنى العرفي الحوزوي لهؤلاء الأجلاء، فالمكانة العلمية للسيد علي إبراهيم الحسيني والشيخ عبد الله نعمة، هي أستاذ البحث الخارج، وعندما كانوا يُدرّسون مستويات علمية أقل من ذلك، فهذا من باب أنّ الموجود من الطلاب هم بهذا المستوى، والشيء الثاني، أنّ قسماً من الطلاب كانوا يدرسون على بعض الأساتذة في نفس مدارس هؤلاء الأعلام. فالشيخ محمد علي عز الدين انتقل إلى جباع بعد رحيل السيد علي إبراهيم الحسيني، ولم يكن يدرس على الشيخ عبد الله نفسه، وإنما كان هناك أستاذ له، لم يذكر اسمه الشيخ موسى عز الدين، حيث قال: أن الشيخ محمد علي عز الدين، ترك جباع بعد رحيل أستاذه، وبالطبع ليس المقصود الشيخ عبد الله نعمة الذي توفى بعد الشيخ محمد علي عز الدين وذلك سنة ١٣٠٣هـ، قبل رحيل الشيخ موسى أمين شرارة بسنة، وكان قد أقام له مجلس الفاتحة.

وقبل أن ينتقل الشيخ محمد علي عز الدين إلى (جباع)، كان قد تزوج كريمة السيد حسين بن هاشم الحسيني، فأنجبت له ولدين: حسن وعلي.

قرّر الذهاب إلى النجف وله من العمر اثنين وعشرين سنة، وذلك سنة ١٢٦٢هـ، فترك ولديه عند جدتهما وهاجر مع زوجته إلى النجف الأشرف.

بدأ يدرس في النجف على كبار فضلائها، وخصوصاً أنه كان قد قطع شوطاً مهماً من التحصيل العلمي في جبل عامل، وممن حضر عليهم: الشيخ محسن آل خنفر، والشيخ ملا علي بن الميرزا خليل وكان يعرف الطب إلى جنب الفقه، كما حضر على فقيه عصره ومرجع الطائفة الشيخ محمد بن باقر النجفي المعروف بصاحب الجواهر.

في النجف عمل الشيخ محمد علي على شرح القواعد في الفقه للعلامة الحلي، كما بذل جهداً في فهم وتحصيل بعض العلوم التي لها دخاله في الإجتهاد بالفقه، كعلم الحديث والرجال والدراية والأصول. وبالفعل بلغ مرتبة علمية من الفضيلة، وهذا ما شاهده كل من عرفه أو درس معه في تلك المرحلة.

قرار العودة إلى جبل عامل:

جرياً على العادة، عندما يبلغ الطالب مكانة علمية معقولة، يقفل راجعاً إلى بلاده ليقوم بوظيفته الدينية من التبليغ والإصلاح، والإبقاء على جبل عامل حاضرة علمية من خلال توليد الطاقات والاستمرار بطلب العلم، وخصوصاً عندما يجد ضرورة واستنهاض من يجد فيه الأهلية لذلك، حيث كان طلب العلم يحتاج إلى أهلية خاصة وعقيدة راسخة، يرى فيها طالب العلم نفسه أنه أفضل من الملائكة، فلا امتيازات دنيوية ولا مالا يجمعه، ولا حزباً ينتظره ليُشكّلهُ في إحدى تشكيلاته، إنما كانت النية خالصة لوجه الله، وهي تحصيل العلم بما له من ثواب عظيم عند الله، وتبليغ الأحكام الشرعية وإصلاح ذات البين، هذا مضافاً لنشر العلم والمعرفة واستنهاض الطلاب لأجل ذلك.

تلك المرحلة كانت قريبة العهد من المحنة التي حلّت بجبل عامل على أيدي العثمانيين وانتهت سنة ١٢١٩هـ/١٨٠٤م، وكان السيد علي إبراهيم والشيخ عبد الله نعمة من الرعيل الثاني الذي ساهم في إعادة الحياة العلمية إلى جبل عامل، بعد الرعيل الأول: الشيخ حسن القبيسي والشيخ مهدي مغنية والسيد علي محمد الأمين الحسيني.

الشيخ محمد علي عز الدين والشيخ موسى أمين شرارة صحيح كانا في عهد الشيخ عبد الله نعمة إلا أنهما من المرحلة المتأخرة عنه.

عاد الشيخ محمد علي عز الدين إلى جبل عامل سنة ١٢٦٦هـ، فوصل إلى بلدته (كفرا) وكان في البلدة خاله الشيخ علي السبيتي ــ المؤرخ المعروف ــ حيث لم يذهب إلى النجف الأشرف، واكتفى بما حصل عليه من الدرس على كل من : السيد علي إبراهيم في (النميرية) والشيخ عبد الله نعمة في (جباع)، وكان لبقائه فائدة كبيرة في جبل عامل، تفوق بتقديري مصلحة أن يذهب إلى النجف الأشرف، ويحصل فيها على مزيد من العلم، فإن ما قام به من نشر الوعي والأدب والإصلاح والتوثيق لتاريخ جبل عامل، يفوق مصلحةً بكثير إضافة شيء على معلوماته من الفقه والأصول، وكان قد شيّد مدرسة ومكتبة كبيرة في (كفرا)، وبدأ الشيخ محمد علي عز الدين نشاطه العلمي من (كفرا) مستنداً إلى ما أسّسه خاله الشيخ علي، قبل أن ينتقل إلى (حناويه).

طلبه أهالي (حناويه) ليكون إمام البلدة والمنطقة المجاورة، فأهل العلم وإن عادوا ابتداءً إلى قراهم، ولكن سرعان ما ينتقلون إلى قرى أخرى، حيثما تقتضي الحاجة ومصلحة العمل التبليغي.

وفي (حناويه) شيّد مدرسة ذاع صيتها وأصبحت من المدارس الأساسية في جبل عامل، وكان قد فرّغ قسطاً من وقته للكتابة والمطالعة، كما أشرت فيما تقدم. وينقل السيد الأمين وهو لا زال في بداية شبابه بعض ما شاهده من الشيخ محمد علي عز الدين، أنه ذات مرة رآه في (حناويه) يدرّس الطلاب، فلما فرغ من الدرس أحضر طعاماً لم يتكلف فيه لضيف كان عنده وتغدى معه، ورآه أيضاً في (شقراء) وكان قد حضر لزيارة السيد مهدي الأمين، بعد عودته من الحج، كما ينقل أنه رآه في حجرته في داره بـ (حناويه) والناس حوله يتحدثون وهو يكتب ويصنّف.

أقوال العلماء فيه:

السيد محسن الأمين، قال: «كان علامةً فقيهاً زاهداً عابداً ورعاً ثقةً مؤلفاً مصنفاً أديباً شاعراً ظريفاً حسن الأخلاق، كريم الطباع، لم يوجد له نظير في عصره في جبل عامل».

وامتدحه أستاذه الشيخ ملا علي بن الميرزا خليل، بإجازته التي قدّمها له بخطه، فقال: «فإن الأخ الأعز الأغرّ الأمجد، فخر المحققين وزبدة المدققين، صاحب القوة القدسية والملكات النفسية، النقي الصفي مولانا الشيخ محمد علي عز الدين العاملي، قد وثق ركوني إليه وكنت استمدُّ منه مع شدة اعتمادي عليه، وأذب الخطأ عنه لما وجدت من موائد العلم لديه، ولعمري أحسست فيه كمال النفس وبهجة الأنس، وعثرت له على مزايا لم يسمح الزمان بمثلها لغيره، وقد قرأ عليّ بُرهةً من الزمن، فوجدته بصيراً، وفي غوامض المسائل نصيراً، وقد استجازني حفظه الله، ومع أني وجدته أهلا لذلك، استخرت الله فرأيت كلّ الخير في إجازته...»

السيد حسن الصدر في التكملة قال: «إن الشيخ الملا علي كان سلمان زمانه ووحيد أوانه في الزهد والورع، وفضله العلمي كـ (علم على راية)، فهو لا يجازف في القول، وهو الثقة العدل، فيُعلمْ من ذلك أن الشيخ محمد علي عز الدين الذي أشاد فيه، هو في أعلى مقامات المهذبين والعلماء الروحانيين».

وهناك من أثنى عليه بعد رحيله سوف نذكره في تفاصيل هذه الترجمة.

أما مصنفاته:

فهي كثيرة ولربما ضاع منها الكثير وتلف، وينقل الشيخ موسى عز الدين أنه وجد كيسين كبيرين، ولكن العفن قد أكلهما، وكان يتأسف على ذلك.

احتفالاً تكريميا لـ : 

«سماحة العلامة الحجة السيد محمد علي الأمين»

كرّمت جمعية الإمام الصادق Qلإحياء التراث العلمائي سماحة العلامة الحجة السيد محمد علي الأمين إمام بلدة (شقراء)، وقدمت له درعاً تقديرياً لجهوده في التبليغ والإصلاح الإجتماعي الذي زاد على النصف قرن.

في البداية تحدث عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي، ومما جاء في كلمته:

إن لقاءنا اليوم يأتي في ذكرى رحيل مفجر ثورة المستضعفين الإمام الخميني { الذي عمل على إرساء قواعد العدل ورفع الحرمان عن كاهل المجتمع الإيراني لتكون سنة حسنة تقتدي بها شعوب المنطقة التي ابتليت بأنظمة جائرة، كما كان رائدا للوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، ليقطع الطريق على قوى الاستكبار، كيلا تنال من وحدة المسلمين.

وتكريمنا اليوم لأحد أعلام هذه البلدة من علماء جبل عامل العلامة الحجة السيد محمد علي الأمين، يأتي ضمن إطار الحث والتنقيب عن آثار هؤلاء الأجلاء الذين عملوا في التبليغ الديني والإصلاح الإجتماعي، وهو واحد من أعلام عائلة الأمين الكريمة التي لها فضل على بلدة شقراء وجبل عامل وسوريا والنجف الأشرف، فقد شاءت الأقدار أن تكون بلدة شقراء من عمق جبل عامل وعلى مقربة من الحدود مع فلسطين نسبياً، وهذه ميزة تسجل لها، فلولا العائلة العلمية التي سكنتها من السادة آل الأمين، لما كانت تذكر، ولكانت من القرى النائية، وعائلة الأمين صارت تعرف بهذا الإسم نسبة إلى جدهم السيد محمد الأمين، مفتي بلاد بشارة، وهو نجل العلامة السيد أبو الحسن موسى الحسيني مؤسس المدرسة الدينية في بلدة شقراء، والتي كانت تعتبر منارة جبل عامل العلمية في الثلث الأخير من القرن الثاني عشر هجري، حيث قدم إليها جدّهم السيد حيدر الحسيني ليكون إمام البلدة، فبذر فيها نباتاً حسناً، وسنبلةً فرخت سبع سنابل، وكان أحد هذه السنابل السيد أبو الحسن موسى الحسيني، من أهل العلم والفضل ومن الذين انكبوا على العلم والتحصيل، فشيّد المدارس، وأهمها مدرسة (شقراء).

لقد شعّ نورُ هذه العائلة في جبل عامل وسوريا من خلال العلامة السيد محسن الأمين، والعراق من خلال السيد محمد جواد الحسيني (صاحب مفتاح الكرامة)، وابن عمه السيد حسين بن السيد أبو الحسن موسى الحسيني، وهو الذي كلفته الحوزة العلمية بمناقشة المحقق القمي في مسألة (حجية مطلق الظن).

ولقاؤنا اليوم هو تكريم لعميد هذه العائلة الكريمة العلامة الحجة السيد محمد علي الأمين (حفظه المولى)، الذي ولد في هذه القرية سنة ١٩٢٠م، وإذا كان الهدف من الحديث عن أعلام البلدة بلسان سماحته، فهو موصولٌ بتكريمه وشكره على ما قدّمه من إنجازٍ في التبليغ الديني والإصلاح الإجتماعي ما يزيدُ على النصف قرن، وهذه مهمّة مقدسةٌ يُشكر الإنسان عليها، وشكرُنا هذا ليس أجراً له، فأجرُ هذا العمل وثوابه يعود علينا، فسماحته أجره على الله، وهو الذي يشكرُ عباده المخلصين العاملين.

أشكركم أيها السادة والأخوة، وبالأخص سماحة مولانا السيد محمد علي الأمين على تلطفه بقبوله دعوتنا وتكريمنا له، وسوف نقدم لسماحته (درعاً تقديرياً) عربون وفاءٍ ومحبةٍ واعترافٍ بما قام به من وعظٍ وإرشادٍ وإصلاح ذات البين في مختلف قرى جبل عامل، على ما يزيد على الخمسين سنة، مضافاً لمهامه التي كان يقوم بها مع الإمام السيد موسى الصدر في الكثير من المشاركات في مؤتمراتٍ ومناسباتٍ خارج البلاد.

وفي ختام الكلمة، لفت سماحته إلى ضرورة التنبه للمسؤولية الإجتماعية الملقاة على عاتقنا وبالأخص مسألة البلديات المنتخبة أن تكون بمستوى المسؤولية تجاه بلدانهم وأن يكون العمل الإنمائي بدون تمييز بين الذين انتخبوهم أو الذين ترشحوا ضدهم، وهذا يأتي ضمن إطار التنافس الإيجابي، وعلى القوى السياسية الراعية للبلديات أن تساهم في رأب الصدع في مواطن الاختلاف ودعم البلديات في إطار الإنماء.

ثم كانت كلمة المكرّم إمام بلدة (شقراء) سماحة العلامة السيد محمد علي الأمين، ومما قاله:

السلام عليكم أيها الاخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته، ...

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: }أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء{

ذكر الله في هذه الآية المباركة الشجرة الطيبة والكلمة الطيبة وذكر الكلمة الخبيثة والشجرة الطيبة، هذه الشجرة الطيبة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى وصفها طيبة بكل شيء. فما هي هذه الكلمة الطيبة؟

أظهر مصاديق هذه الكلمة الطيبة كلمة (لا إله إلا الله،...)، فمن مصاديق هذه الشجرة الطيبة أيضاً العلماء، فالعلماء كل واحد منهم العالم العادل بعلمه، الذي لا يبخل به على أحد، هو شجرة طيبة كل ما جاءه الإنسان استفاد منه علماً ومعرفةً وحكمةً وموعظةً وتقرباً من الله، فالعلماء هم الشجرة الطيبة، والكفار المنافقون هم الكلمة الخبيثة وهم الشجرة الخبيثة، التي هي مجرّد أن تهبّ عليها نسمة من الهواء تقتلعها من الأرض وتذهب بها إلى كل مكان، وجبل عامل الكلمة الطيبة قديماً وحديثاً منتشرة في قراه وفي انحائه، ففي: النبطية وحبوش وجباع... كلها كانت فيها مدارس وتخرّج منها الكثير من أصحاب الكلمة الطيّبة، بلدة شقراء أيضاً مصداق من هذه المصاديق، جاءها علماء كثيرون، فأسرة آل الأمين جاءت من العراق سنة ١٧٨٠م، وأول من جاء منهم رجل يقال له : السيد أحمد أبو إبراهيم أو ابن إبراهيم، جاء وسكن في بلدة (كفرا)، ثم انتقل إلى مجدل سلم ومن ثم إلى هذه البلدة (شقراء)، وتخلّف بولده السيد حيدر، فهو كان من العلماء الأعلام المجتهدين ومدفون في (شقراء) الشرقية قرب الحسينية، فالسيد حيدر تخلّف بأولاد أكثرهم سافر إلى العراق، بعد أن درس وتلقّى بعض العلوم في جبل عامل، فالعالم الكبير الفاضل المحقّق المشهور، فبنى في شقراء مدرسة خرّج منها العديد من العلماء، والسيد أبو الحسن ولد له عدّة أولاد، بعضهم أيضاً سافر إلى العراق كـ:السيد حسين والسيد محمد الأمين مع السيد محمد جواد (صاحب مفتاح الكرامة) أحد أبناء السيد حيدر بن السيد محمد الأمين بن السيد أبو الحسن ذهب إلى العراق، ودرس هناك وعاد إلى جبل عامل حيث كان من العلماء الكبار المجتهدين، وحدث أن وقع في أيامه نكبة الجزّار الذي جاء إلى هذه البلاد واجتاحها، وفتك فيها حيث نهب وأحرق، وأخذ الكتب وجعلها وقوداً لأفران عكا وشرّد الناس من جبل عامل، ولعلّ الجزار ندم على فعلته حيث أنه لا يريد الأرض من دون الناس بل يريدها مع الناس لكي يعملوا فيها ويأخذ الأموال منهم، فأخذ يفكر كيف يمكن إرجاع الناس إلى قراهم وبيوتهم، فقالوا له: هناك السيد محمد الأمين يستطيع فعل ذلك، فأرسل خلف السيد محمد الأمين، وكان قد انتقل أيضاً إلى بعلبك، وكانت بعلبك يحكمها آنذاك أمراء آل حرفوش، ولم يكن للجزار عليهم من سلطان، فذهب السيد محمد لملاقاة الجزّار، مصطحباً معه ولده العلامة السيد علي جد هذه العائلة، وبعد أن اجتمع بالجزار سأله الجزار: (هل بإمكانك أن تسعى بإعادة أهل البلاد إلى أوطانهم ومساكنهم، وإلى العمل بأرضهم؟) فقال له السيد محمد الأمين: (بإمكاني فعل ذلك، ولكن لا يمكن أن يعودوا وأنتم تعاملونهم بهذه القسوة والظلم، فيجب أن تخفّفوا مما تقومون به)، فوعده الجزار بذلك، ثم أن السيد محمد الأمين لما أراد أن يذهب، سأله الجزار من يضمن لي أنك تعود، وطلب منه أن أبقي ولدك هذا هنا رهينة عندي (ولده السيد علي) وكان السيد علي قد درس شيئاً من العلوم في مدرسة جدّه.

فذهب السيد محمد يعمل على إرجاع الناس إلى ديارهم تاركاً ولده عند الجزار، وكان في حاشية الجزار أحد المقربين منه يدعى عبد الله بك، هذا أحبّت السيد علي ونشأت علاقة حميمة بينهم وأخذ يُدخل السيد علي إلى بيته حيث كان عنده مكتبة ليطالع السيد بها، ثم أن عبد الله بك طلب من السيد علي أن يعطيه دروساً في المنطق، فدرس عليه حاشية الملا عبد الله وبعض مختصر التفتازاني، كما أن والدة عبد الله أحبّت السيد على محبة عبد الله، ثم أن السيد محمد عاد إلى الجزار وأخبره أن معظم الأهالي قد رجعوا، فأخذ بولده السيد علي وأرسله إلى النجف الأشرف ودرس على كثير من علمائها، مثال: صاحب الرياض، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، وعلى غيرهم...

وعاد إلى جبل عامل حيث كان من العلماء الكبار المجتهدين، مستلماً مدرسة جدّه التي كان قد أنشأها السيد أبو الحسن، واستمر بالتدريس فيها ولده السيد محمد الأمين.

علماء آل الأمين أغلبهم سافروا إلى العراق، فمثلاً: السيد حيدر الأمين أول من كان مع العلماء الذي وجد في هذه البلاد أولاده وأسرهم سافروا إلى العراق وكذلك السيد أبو الحسن كان له خمسة أولاد معظمهم سافر إلى العراق، فالسيد حسين ابن السيد أبو الحسن بقي هناك، وأصبح من كبار العلماء حيث كان يدرّس في مسجد الطوسي، ويصعد المنبر ويعظ الناس، وكذلك بقي له أولاد هناك أصبحوا مجتهدين، وماتوا هناك ودفنوا في محلّة الحويش حيث كان له داراً هناك.

أمّا السيد علي الأمين عاد إلى هذه البلاد بعد أن درس في النجف، وانتهت إليه الرئاسة كما يقول السيد محسن: الرئاسة الدنيويَّة والأخرويّة، وكان أن توفي أو عزل إبراهيم باشا الجزار، فاستلم مكانه عبد الله باشا الذي أصبح باشا، فذهب السيد علي لزيارته وإنشاء صداقة مجددّاً، ثم أن عبد الله باشا جعل للسيد ألف قرش يعطيه إياه كل سنة، وجبّة وسيفاً وعبداً وفرساً، فقال السيد علي لعبد الله باشا: هذا الذي تعطيني إيّاه ينتهي بموت أحدنا، فأريد أن تعطيني شيئاً يبقى لي ولولدي من بعدي، فقال له الوالي: اختر قرية حتى أعطيك إيّاها، فاختار قرية الصوانة، فكتب له بها فرمان وأعطاه إياها، وشكّلوا النفير على من يستردها، فقال على من يستردها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ثم إن بعض المتسلمين أراد أن يستردها، فكتب السيد علي إلى عبد الله باشا يقول له: أديت اللعن أن رسمت اللعن من آخرها إلى يوم المعاد، فبعث عبد الله إلى المتسلّم أنه لا سبيل لك على السيد علي. واتفق أن جاء عبد الله باشا إلى تبنين فزاره الجدّ وأكرمه واحترمه الباشا، وكان المتسلّم موجوداً مع الخدم، فخاف كثيراً أن يشي به السيد علي إلى عبد الله باشا، وإذا بـعبد الله باشا يسأل كيف رضاك على المتسلّم، فأثنى عليه الجد كثيراً، ثم لما ذهب عبد الله باشا، جاء المتسلّم، إلى السيد علي وقال له: أنا أسأت إليك كثيراً، أما أنت فقد مدحتني أمام عبد الله باشا، فقال السيد له: هكذا أمرنا أن نُحسن إلى من أساء إلينا، فلم يكن بعد ذلك أحدٌ أعظم ما في نفسه كان يأتمر بأمره وينفّذ له كل ما يطلبه، والسيد علي هذا جدّ آل الأمين الموجودين في (شقراء) و(الصوانة) و(مجدل سلم) وغيرها...

فالسيد علي ولد له تسعة أولاد ليس لهم ولد ولا عقب وماتوا، ولم يبقَ لهم ذرية وهما: السيد جواد والسيد محسن، والسبعة الباقون تزوجوا وأنجبوا، فعائلة آل الأمين الموجودة اليوم تنتسب إلى هؤلاء السبعة، مثلاً: أنا محمد علي الأمين ابن عبد الله بن محمد علي بن عبد الله بن السيد علي الذي نتكلم عنه، ومثلاً: السيد أحمد شوقي الأمين، هو ابن السيد محمد باقر بن السيد علي بن السيد محمود أخ السيد عبد الله.

المرحوم المقدّس العلامة السيد محسن الأمين إبن السيد عبد الكريم إبن السيد علي

(السيد عبد الكريم أخ السيد عبد الله أخ السيد محمود)، فمن هؤلاء الأخوة السبعة كان السيد عبد الله من العلماء وكذلك السيد مهدي جدّ السيد محمد حسن الأمين.

أما السيد محمود كان عنده أربعة أولاد، منهم:

السيد علي محمود الأمين الذي كان عالماً كبيراً، وكان الأتراك لا يردون له حكماً، ولا كلمة، وانتهت إليه الرئاسة الدنيويّة، وكان عالماً أديباً شاعراً جليلاً.

السيد حسن محمود الأمين أيضاً، كان من العلماء المجتهدين والأدباء الكبار، ثم أن أهل خربة سلم طلبوه إليهم لأنه لم يكن عندهم عالم، فذهب وسكن عندهم فترة من الزمن، وتوفي هناك، وله شعر كثير من جملة شعره قصيدة (بلبل الدوح)

لَحنتُ لَكنْ على الأوتَارِ والعُود

شِعري وقُلتُ لأيَامِ الصِّبَا عُودي

ما الشِّعر غَيرُ أَنَاشِيدٍ مُردَّدةٍ

ومَا الحَياة سِوى تِلكَ الأَنَاشِيدِ

يَا بُلبلَ الدوحِ هَلْ غَنيِتَ في فننٍ

كمَا أُغني؟ وهَلْ غَرَّدتَ تَغريدي؟

وهَلْ ذَكرتَ حَبِيباً كُنتَ تَألَفهُ

كما ذَكرتَ؟ وهَلْ ردَّدتَ تردِيدي؟

سَاجلتنِي والغِنَى يَحلو مُسَاجلةً

على الهَوى بين غِرِّيدٍ وغِرِّيدِ

يَا بُلبلَ الدوحِ مَا في الدوحِ مَأمنةٌ

قَدْ يُنصبُ الفخُ بين الأغصُنِ المِيدِ

مَا فِي ارتفَاعِكَ مُنجَاةٌ وإنْ بَلغتْ

عَليَاكَ عَليَا سُليِمَان بن دَاوودِ

صَوِّب وصَعِّد فَريِحُ المَوتِ إنْ عَصفَتْ

ليِسَتْ تُردُ بتَصويبٍ وتَصعيدِ

وهي قصيدة طويلة مؤلفة من ٤٠ إلى ٥٠ بيت شعر.

السيد محمد بن السيد محمود الأمين، وكان من العلماء الكبار الزاهدين، كان إذا ذهب من (شقراء) إلى (حولا) أو (برعشيت) يأخذ معه إنسان يقود له الفرس، وكان ينزل هو عن فرسه ويأخذ تنقية الطريق من الأحجار والأشواك، فكانوا يأخذون وقتاً طويلاً حتى يصلوا إلى مقصدهم.

السيد موسى محمود الأمين، أيضاً كان من العلماء والأدباء والشعراء، سكن في (عيترون).

السيد علي الأمين عندما جاء إلى هنا استلم التدريس في مدرسة جده التي أنشأها السيد أبو الحسن وتخرّج منها كثيرون: من (آل زيدان) و(آل مروة) و(آل فضل الله) وغيرهم. وكان كثيراً ما يذهب إلى الجزّار، ثم إن إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا الكبير حاكم مصر جاء إلى هذه البلاد وجرت حربٌ بينه وبين الأتراك (والي عكا)، فاستولى إبراهيم باشا المصري على عكا، وأخذ عبد الله باشا وأرسله إلى والده في مصر. وفي مصر أخذ عبد الله باشا يثني على السيد علي الأمين أمام محمد علي باشا، ومن الحديث أحب محمد علي باشا أن يتعرف على السيد علي الأمين، فطلب من ابنه إبراهيم باشا أن يرسل إليه السيد علي الأمين، وعلم بعض الزعماء وغيرهم بما يدور في خلد محمد علي باشا، فخافوا أن يصل السيد إلى محمد علي باشا وأن تصبح له مرتبة عالية جداً، فجاؤوا إلى خادمه الذي يصنع له القهوة، ورشوه بأموال وطلبوا منه أن يدسّ السُّم في القهوة، ولما وصل السيد الأمين إلى عكا نفّذ هذا الخادم الأمر، ووضع السُّم في القهوة وأعطاه إياها، فشرب هو وسبعة من الذين كانوا معه وكلهم توفوا، والسيد علي لما أحس بسريان السم في جسده، ترك عكا وسارع إلى صور، ولما وصل إلى صور توفاه الله، فجاءت زوجته وطلبت من الرجال أن يحملوه على الأعناق إلى (شقراء) كي يدفن فيها.

وبعد وفاته رثاه الشيخ صادق بن الشيخ إبراهيم بن يحيى بقصيدة، من أبياتها:

لله من فادحٍ عما الورى جدل

ونكبةٍ طوحت بالعلم والعمل

اليوم قوِّض طود العلم من مضرٍ

وطبق الكون رزءٌ غير محتمل

ومن العلماء الأعلام الذين سكنوا (شقراء) الشيخ حسين عبد الله غريب، الذي جده الشيخ محمد غريب، وهو من (آل زين الدين) من صفد، وكانت أمه أرملة وليس لها غيره، فطلبه الأتراك للجندية، فهربت به وجاءت إلى هذه البلدة وسمته (محمد غريب)، ثم إنه كبر وتزوج وأنجب أولاداً وبنات، أحدهم (عبد الله) والد الشيخ حسين عبد الله غريب، وكان من الذين درسوا في هذه البلدة وسافر إلى النجف الأشرف وتزوج فيها، وكان عالماً جليلاً ولكنه كان شديد التواضع، كثير الزهد، فكان يقوم بعمله بيده، ولا يأكل شيئاً من الحقوق، فكان يزرع الدخان، ويدرس على البيدر، ويبذر القمح، ويعمل كل شيء بيده ولم يركب فرساً، ولم يكن في زمانه سيارات، وكان يذهب إلى القرى المجاورة (مجدل سلم) و(قبريخا) و(تبنين) و(عيثرون) أو إلى (النبطية)، مشياً على الأقدام، فقضى حياته على الطريق، وكان حسن الحديث حلو العشرة، ضحوكاً بساماً، وكان رجلاً ومثالاً للكلمة الطيبة التي تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها، ومن العلماء الذين تخرجوا من هذه البلدة أيضا، الشيخ عبد الله آل حب الله، وهذان العالمان عندما فتحت عينيي منذ الصغر، وأنا أراهما وأقبل يديهما إذ إلتقيت بهما في الطريق، وكان في زمنهما السيد محمد حسن الأمين والسيد محسن الأمين، والسيد حسن محمود الأمين، هؤلاء العلماء الذين كانوا ولاتزال العائلة إلى اليوم ترسل أبنائها إلى العراق ويعودون علماء، ويؤدون رسالتهم.

أعطاه الإمام (عج) كأساً من الماء في منامه

فشرب منه وعاش بعده سنين طويلة

إنه الشيخ محمد المشغري، رفيق درس الشيخ الحر العاملي (صاحب أمل الآمل) وكتاب (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات) الذي يذكر فيه حادثة جرت مع الشيخ محمد المشغري، وملخصها: أن الشيخ محمد المشغري كان مريضاً مرضاً شديداً، فرأى صاحب العصر والزمان| في منامه، فقال له: «مولاي أنا مريض وأخاف أن أموت، وليس لي عمل صالح ألقى الله به». فأجابه الإمام| بالقول: «لا تخف فإن الله تعالى يشفيك من هذا المرض، ولا تموت فيه بل تعيش ستاً وعشرين سنة، ثم أعطاه كأساً من ماءٍ كانت بيده، فشربه وزال عنه المرض».

وكان المشغري يُحدث أمام الحر العاملي بهذه القصة في يوم عيد، ويقول: «لن أموت في هذا العيد ولا العيد الآخر حتى ستة وعشرون سنة»، وعلى ما يظهر فإن الشيخ الحر العاملي كان ممن يعتقد بإمكانية مشاهدة الإمام |عن يقظة، فضلاً عن أن يُرى في المنام، ولهذا عندما نقل الشيخ محمد القصة أمامه، سجلها كي يرى صحتها بعد ستة وعشرين سنة - وكان ذلك سنة ١٠٤٩هجرية - فترك جبل عامل وانتقل للعيش في المشهد المقدس.

وبعد انقضاء المدة - أي في سنة ١٠٧٥هـ - وإذا بالشيخ الحر وقع في نفسه أن يسأل عن أحوال الشيخ المشغري، وقال: «ينبغي أن يكون الرجل مات».

وبعد أشهر قليلة من هذه التساؤلات، وصلته رسالة من أخيه من جبل عامل، يخبره فيها أن الشيخ محمد المشغري توفي، فصدقت الرؤيا وكان كما قال الشيخ المشغري (رحمه الله).