٥٢
مناسبات الشهر
(بطاقة عالم)
العلامة المصلح الأكبر
السيد محسن الأمين {
من سلالة علماءٍ كان لهم دورهم وحضورهم في مدينة (الحلة) بالعراق التي هم منها، وفي (جبل عامل) حيث قَدِمَ جدّهم الأعلى إلى قرية (مجدل سلم)، ومنها انتقل حفيده أو نجله السيد حيدر إلى بلدة (شقراء) وبقيت العائلة فيها إلى يومنا هذا.
في شقراء، صاروا يُعرفون بـ (آل الأمين) نسبة إلى جدّهم مفتي بلاد بشارة السيد محمد الأمين نجل السيد أبو الحسن موسى الحسيني إبن السيد حيدر، صاحب المدرسة الشهيرة والتي انتهت سنة ١٧٨١م بحلول النكبة على جبل عامل، ونهاية الحضور العلمي بالكامل فيه حتى سنة ١٨٠٤م، بعد هلاك الجزّار والتبدّل بالسياسة العثمانية.
ولد السيد محسن الأمين في (شقراء) سنة ١٢٨٤هـ، وهو يقول: «ولدت في السنة التي تمّ فيها بناء (جسر قعقعية الجسر) ومكتوب على صخرة (التاريخ)».
بداية دارسته كانت في (بنت جبيل) على السيد نجيب فضل الله في مدرسة الشيخ موسى أمين شرارة، وبعد رحيله تفرّق الطلاب، ثم ذهبوا إلى النجف الأشرف سنة ١٣٠٨هـ، ودرس فيها السيد الأمين على كبار الفقهاء حتى بلغ مرتبةً سامية من العلم.
عاد من النجف إلى (سوريا) سنة ١٣١٩هـ، وهناك بدأ خطة شاملة للعمل الديني والإصلاح الإجتماعي، اتبع فيها العديد من الخطوات، منها:
- مواجهة الأميّة، وعالجها من خلال بعض المدارس التي شيّدها.
- إصلاح المنبر الحسيني ومواجهة بعض الشعارات المضرّة بأهداف عاشوراء، واشتعلت حربٌ ضروسٌ بينه وبين بعض المتعصبين الذين لا يميّزون بين منطقة وأخرى، فسوريا تختلف عن جبل عامل والنجف الأشرف، ومهما فعل الشيعة آنذاك لم يكن أحد ليعرف بذلك على عكس اليوم، بينما السيد الأمين في سوريا، في عين العاصفة والتعدد المذهبي، فهو أحوج ما يكون إلى المنطق والعقل. كما عمد إلى تصنيف كتاب (المجالس السنية) حتى يكون مرجعاً لقرّاء العزاء.
كما عمل على الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، ورفض أي منصب في العهد العثماني والفرنسي، كما شارك في لقاء الملك فيصل مع السيد عبد الحسين شرف الدين والسيد عبد الحسين نور الدين، عندما ذهبا من جبل عامل إلى دمشق ومعهما مقررات مؤتمر وادي الحجير الشهير. توفي في شهر رجب سنة ١٣٧١هـ الموافق لـ ٣٠ آذار ١٩٥٢م.
السنة الخامسة ــ العدد الثاني والخمسون ــ نيسان ٢٠١٦م / رجب ١٤٣٧هـ
شخصية العدد
السيد حسين بن ضياء الدين حسن الكركي {
من علماء القرن العاشر هجري، ومن فقهاء الإمامية الذين نعتزُّ بهم وبعطاءاتهم التي كانت في مرحلة استثنائية تمرّ بها المنطقة، من الإنقسام المذهبي الحاد بين الصفويين والعثمانيين، حيث كانت الأمبراطورية العثمانية تحاول اجتياح العالم الإسلامي بخلفية دينية مليئة بالحقد والجشع وحبِّ المال والتوسع، وبغطاء من وعاظ السلاطين الجهلة المندسّين في أمة النبي محمدP، الذين عملوا لصالح الكفار تحت شعار الدفاع عن الدين وأهله. وما أكثر هؤلاء اليوم من الوهابية المنافقة أصحاب المنهج التكفيري العملاء وعلى رأسهم المئات من مشايخ السوء وعملاء الإستكبار.
أمام هذه المخاطر يُصبح التصدّي واجباً عينياً على كل مسلم ومسلمة بحسب قدرته واستطاعته، وبالأخص علماء الدين، فلم يتوانَ علماء الإمامية عن نصرة هذا الدين، فهجروا بلادهم وأهلهم في سبيل نشر الفقه وإحياء شريعة سيّد المرسلين. ومن هؤلاء الذين تصدّوا بكل قوّة ومن دون خوفٍ ولا وجلٍ ولا حسابات خاصة أو شخصيّة: العلّامة المقدّس السيد حسين بن ضياء الدين حسن الكركي (طاب ثراه)، وكان شأنه في إيران في العهد الصفوي، شأن الكثير من علماء جبل عامل سواء الذين سبقوه أو الذين جاؤوا من بعده أو كانوا إلى جنبه، ومع الأسف فإنّ الكثير من هؤلاء بقي ذكرهم طيّ النسيان وفي بطون الكتب، لذلك كان لزاماً علينا أن نُبيّن مكانة هؤلاء الأجلّاء ونظهر عظمتهم وأهميّة دورهم في مرحلةٍ عزَّ فيها الناصر وكاد النفاق يأكل الأخضر واليابس.
ولد السيد حسين في بلدة (كرك نوح) من البقاع اللبناني، وكانت يومها حاضرة علميّة تُشد إليها الرحال، وكان عَلَمُهَا في القرن التاسع المحقّق الكركي المعروف بالمحقق الثاني المتوفى في النجف الأشرف بعد عودته من إيران بالعهد الصفوي سنة ٩٤٠هـ، وهو العالم الإماميّ العاملي الأول الذي ذهب إلى إيران ووصلها سنة ٩١٦هـ، وفيها عمل على نشر الفقه والحديث والتفسير، فشيّد المدارس وعيّن مشايخ الإسلام والقضاة وذلك في عهد الشاه إسماعيل الأول الذي جمع بين القوة والعقل، فأفسح بالمجال أمام العلم والمعرفة والدليل والبرهان من خلال رجال الدين، وفي نفس الوقت كان يزيلُ بعض العقبات بالسيف، وهذا ما اعترض عليه المحقّق الكركي عندما فتح (هراة) أواخر ٩١٦هـ وقتل الجند بعض المسلمين السنة بالقول: «إنك وضعت السيف في موضع الحوار، ولو أنك لم تقتلهم وناقشناهم وحاورناهم لجعلنا يُذعن بمنطقنا الحق كل منطقة خراسان ومن وراء النهر».
لعلّ هذه الطريقة والمنهجيّة هي التي التزمها علماؤنا في حواراتهم ونشر أفكارهم، من دون التمييز بين ما إذا كانت السلطة تعمل لصالحهم أو العكس تماماً. فالشهيد الأوّل، حمل مشروع التّقريب في ظل السلطة المملوكية والتي قتلته سنة ٧٨٦هـ في دمشق، والشهيد الثاني عمل بكل قوة لإنجاح مشروع التّقريب والوحدة بين المسلمين في ظل السلطة العثمانية والتي قتلته في عاصمتها اسطنبول سنة ٩٦٥هـ. وأيضاً، نجد علماء جبل عامل في إيران بالعهد الصفوي لم يستغلوا سيف السلطة لفرض قناعاتهم أو للإنتقام من سيف البغي الذي قتل الشهيد الثاني، بل كانوا يرفضون عنف السلطة الصفوية ويعملون على الحوار ونشر الفقه المقارن والحديث والتفسير.
علماء (كرك نوح) فضّلوا الذهاب إلى إيران في العهد الصفوي لنشر الفقه والحديث، وتشييد المدارس والإستفادة من فرصة وجود السلطة التي تحمل شعار المذهب الإمامي. بينما وعاظ السلاطين في المقلب الآخر، بدل من نشر فقه المذاهب الإسلامية وتشييد المدارس ورفع الظلم عن المسلمين، عمدوا إلى تحويل السلطة لإشباع شهواتهم وغرائزهم من خلال مناصب القضاء والإفتاء وجمع المال، وكل ذلك كان مبنيّاً على الجهل والبعد عن العلم والدين حتى اجتاحتهم الأميّة فسادهم الجهّال والعملاء ووصلوا إلى ما وصلنا إليه اليوم.
مكانة السيد حسين بن ضياء الدين في إيران بعهد الشاه (طهماسب) نجل الشاه إسماعيل الأوّل:
كان الشاه طهماسب أكثر عقلانية من أبيه، وكان يرى ضرورة التخلص من الجهات المنحرفة كالصوفية وغيرها، ولكن عن طريق الفقهاء ونشر الفقه والحديث والتفسير والذي سيكون على حساب حضورها القوي.
فكان للسيد حسين مقاماً رفيعاً في عهد الشاه طهماسب، لم يأخذه مجاناً، وإنما كان بفعل غزارة علمه وقوة منطقه وفصاحة بيانه وجرأته في قول الحق ومناهضة الباطل، وكان على تواضعه وزهده يُعطي لمكانته العلميّة والإجتماعية حَقّها كي يفرض نفسه في مواطن القضاء وحلّ الخصومات وفي قول الحق أمام السلطان الجائر.
ولهذا يقول المؤرخ الإيراني في (تاريخ عالم أرا) في المجلد الأوّل: «السيد حسين الحسيني العاملي ابن بنت خاتم المجتهدين الشيخ علي بن عبد العالي الكركي (المحقق الثاني)، قد جاء من جبل عامل في عهد الشاه(طهماسب) وأقام مدّة في أردبيل وصار شيخ الإسلام بها، وقام بأمر التدريس ومهام الشرع والقضاء وبعد ذلك جاء إلى حضرة الشاه وأظهر اجتهاده وصار منظوراً إليه من قبل الشاه. وأضاف: كان صاحب نفس عالية وفطرة سامية وطبع كامل وحافظة عظيمة وكان يتولى أحياناً فصل القضايا في العسكر، ويحضر كل يوم إلى محكمته العليا جمع كثير، ليحكم بينهم، وكان يكتب في ألقابه، سيد المحقّقين وسند المدققين وارث علوم الأنبياء والمرسلين خاتم المجتهدين».
هذا الأوصاف التي وصف السيد نفسه بها، لم يوافق عليها الكثير من العلماء، وكانوا ينتقدونه في غيبته، من دون أن يمتلكوا القدرة على مواجهته، فهم لا ينكرون ذلك، ولكن لا يجرؤون على مباحثته، حيث كان فصيح البيان طليق اللسان.
الشيخ عبد الله الأفندي في الرياض ذكره وامتدحه، وذكر مصنفاته، ولكن على ما يظهر فإنه جعل السيد حسين بن ضياء الدين حسن الحسيني، والسيد حسين بن بدر الدين حسن بن جعفر الأعرجي الموسوي، جعلهما شخصاً واحداً، وحمل بذلك على صاحب أمل الآمل، مع العلم أنّ الذي ذكره في أمل الآمل هو السيد حسين بن بدر الدين حسن وليس السيد حسين بن ضياء الدين حسن.
وهنا سنذكر عدّة مفارقات تُثبت هذا التعدد وأنهما اثنان:
أولاً: السيد حسين بن بدر الدين حسن، سكن أصفهان ومات فيها، ولم يذكر أحد أنّ جثمانه نُقلَ إلى العراق.
ثانياً: السيد حسين بن ضياء الدين حسن هو سبط المحقّق الكركي، ويذكر ذلك هو بنفسه في كتابه (دفع المناواة) ويؤكد هذا المعنى المؤرخ الإيراني.
ثالثاً: إنّ السيد حسين بن بدر الدين حسن بن جعفر الأعرجي موسوي، أما السيد حسين بن ضياء الدين أبي تراب حسن بن أبي جعفر محمد فهو حسيني، فالأول لقبه بدر الدين وهو موسوي، والثاني لقبه لأبيه ضياء الدين وهو حسيني، كما يختلف اسم الجدّ.
رابعاً: إنّ السيد حسين بن بدر الدين حسن ذُكر له كتاب واحد، بينما السيد حسين بن ضياء الدين حسين له العديد من الكتب، مضافاً أنّ السيد حسين بن ضياء الدين حسن كان في عصر الشاه طهماسب المتوفى ٩٣٠هـ/١٥٢٣م، بينما السيد حسين بن بدر الدين حسن كان في عهد الشاه عباس الأول بن الشاه محمد خدابنده. وعليه فإنّ اعتراض صاحب الرياض على الحرّ العاملي، جاء نتيجة خلطه بين السيدين وجعلهما واحداً، مع العلم أنّ ما ذكره الحرّ العاملي في أمل الآمل يعود للسيد حسين بن بدر الدين حسن، ولذلك قال الحر العاملي: «السيد حسين بن الحسن الموسوي العاملي الكركي والد ميرزا حبيب الله، كان عالماً فاضلاً جليل القدر، له كتاب، سكن أصفهان حتى مات».
وهذا الكلام من الحرّ العاملي صحيح، ولكن الذي أغضب صاحب الرياض أنّه توهم أن المقصود به هو السيد حسين بن ضياء الدين حسن الحسيني، ولم يلتفت إلى الفرق بينهما كما أوضحنا فيما تقدم.
وامتدحه السيد الصدر في التكملة، فقال: «السيد حسين بن ضياء الدين حسن بن السيد أبي جعفر محمد الموسوي الكركي، عالم عامل فاضل كامل مصنّف مكثر، أحد أركان الدين في عصر السلطان الشاه عباس الأوّل، وبعده كان شيخ الإسلام بقزوين ثم أردبيل إلى يوم وفاته، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، مرجعاً في العلم والدين نافذ الحكم، وكان يكتب على سجلات الأرقام ودفاتر الأحكام (خاتم المجتهدين)»، إلى آخر ما ذكره السيد الصدر في التكملة.
وعلى ما يظهر، فإنّ السيد الصدر هنا خلط بعض الشيء بين السيد حسين بن ضياء الدين حسن الحسيني وبين السيد حسين بن بدر الدين حسن الموسوي، فهو اشتبه في أمرين:
الأمر الأول: نسبة السيد حسين بن ضياء الدين للموسوي مع أنه حسيني.
الأمر الثاني: قال: أنّه كان في عهد الشاه عباس الأوّل، مع أنه كان في عهد الشاه طهماسب بن الشاه إسماعيل الأوّل، ثم في عهد الشاه إسماعيل الثاني بن طهماسب.
صاحب روضات الجنات والسيد محسن الأمين التفتا إلى هذا الفرق، نعم أخذ السيد الأمين على الحر العاملي أنّه لم يذكر السيد حسين بن ضياء الدين حسن الحسيني في أمل الآمل.
دور السيد حسين بن ضياء الدين حسن في عهد الشاه إسماعيل الثاني: فقد نقل الشيخ عبد الله الأفندي في الرياض والسيد الخوانساري في روضات الجنات عن رسالة كتبها الملا علي نظر أحد تلاميذ الشيخ البهائي العاملي (طاب ثراه)، ينقل فيها ما حدث بين السيد حسين بن ضياء الدين مع الشاه إسماعيل الثاني، الذي كان محبوساً في (قلعة قهقهه) في آخر ولاية فرادغ من أذربيجان، وكان مسجوناً معه الميرزا مخدوم الشريفي صاحب كتاب (نواقض الروافض) ومعهم جماعة من علماء القلندرية، حيث عمد هؤلاء إلى جعل السلطان إسماعيل ينحرف عن المذهب الإمامي ويتجه إلى المذهب السني، وكان له قابلية الإنحراف ولذلك كان مسجوناً بأمرٍ من والده، وهذه نقطة إيجابية تُسجل للشاه طهماسب لو أننا نقتدي بها.
ولما توفي الشاه طهماسب، خلفه بالسلطة نجلُه إسماعيل الثاني وبدل أن يسير بإيران على خطى والده وجدّه، أخذ طريق الإنحراف، وأعلن العداء لعلماء الإماميّة ومنهم العالم المتصدّي السيد حسين بن ضياء الدين حسن، وحاول أن يقتله ويتخلص منه مراراً، ولكن إرادة الله وصلابة السيد منعا من ذلك.
ومما قام به الشاه إسماعيل الثاني، عمد إلى كتب السيد حسين بن ضياء الدين، وجعلها في صندوق وختمها ونقلها إلى داره، ثمّ أخرج السيد من داره وجعله دار ضيافة، وأمر بتغيير خطبة الجمعة المعهودة على طريقة الإماميّة، ومنع المواكب والتشريفات أمام العلماء، وحجر على السيد حسين، وهدّده بالقتل إن امتنع عن ذلك.
وهناك عدّة حوادث أخرى وقعت بين الشاه والسيد حسين، منها:
- أراد أن يدس السم إلى الشيخ عبد العالي الكركي والسيد حسين وكانا في قزوين، فتمكّن الشيخ عبد العالي من الهرب وبقي السيد حسين صابراً محتسباً لاجئاً إلى الله تعالى، والدعاء المعروف (بدعاء العلوي المصري) مجرّب في دفع الأعداء.
- كما حاول الشاه إسماعيل عدّة مرات التخلص من السيد حسين وكان ينجو منه في كل مرة، وحبسه ذات يوم في (حمام حار) لفترة طويلة، وكل ظنه أن السيد مات خنقاً، وعندما فتحوا باب الحمام وجدوه حيّاً، وهذه كرامة تُسجل للسيد حسين.
- وعمد الشاه إسماعيل ذات يوم إلى تغيير السكة النقدية المنقوش عليها أسماء الأئمة Q بحجة أنها أسماء مقدّسة وعندما تقع في أيدي العامة من الناس سوف تتعرض للنجاسة، ولم يجرأ أحد من الردّ عليه ومناقشته سوى السيد حسين لِمَ له من مكانة علميّة واجتماعيّة تؤهله أن يقف في وجه الشاه معترضاً.
- واستمر الشاه الصفوي بتحريضٍ من بعض الحاقدين بالعمل على محاربة الشعائر الدينيّة، فطلب من السيد حسين الكركي أن يطلب من الناس التخلي عن بعض الشعارات التي يعتقدون بها، ولكنه رفض ذلك، وعندما هدّده بالقتل، قال للشاه: «إن الناس لا زالوا يلعنون يزيد بن معاوية لأنّه قتل الحسين بن علي Q، ولو أنك قتلتني لسوف يلعنوك كما لعنوا يزيد بن معاوية».
ولم يكفّ الشاه، ومن ورائه الحاقدين من السعي للتخلص من السيد حسين لكونه عقبة كبيرة في وجه مخططهم، وذات ليلة عزم على قتله وكان سكراناً، وما كان من السيد إلّا أن دعا عليه فمات وهلك في تلك الليلة، وبعد هلاك الشاه إسماعيل الثاني السيء تصدّى للسلطة (الشاه عباس).
أما مشايخه:
١. والده: السيد ضياء الدين حسن الكركي، وكان من الفضلاء.
٢. الفقيه المتكلم الشيخ محمد بن الحارث المنصوري الجزائري.
٣. السيد أسد الله الحسيني التستري.
٤. الشيخ علي بن هلال الكركي المعروف بـ (المنشار) والد زوجة الشيخ البهائي العاملي.
٥. المولى عطاء الله الآملي.
٦. السيد عماد الجزائري.
٧. الشيخ الفقيه يحيي بن حسين بن عشرة البحراني، شارح الرسالة الجعفرية.
وبالإضافة على دراسته على ما تقدم من العلماء، فإنه يروي عنهم جميعاً عن جدّه لأمّه المحقّق الكركي.
أمّا تلاميذه:
١. السيد حسين بن حيدر بن فخر الحسيني العاملي، وقال في إجازة له، رآها صاحب روضات الجنات: «أروي جميع ما سلف قراءة وإجازة عن سيّد المحقّقين وسند المدققين وارث علوم الأنبياء والمرسلين السيد حسين بن العالم الربّاني السيد حسن الحسيني».
٢. الشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ ظهير الدين إبراهيم البحراني.
٣. غياث الدين علي الطبيب بن كمال الدين الحسيني الكاشاني.
وغيرهم من التلاميذ.
أما مصنفاته:
١. تحقيق القبلة.
٢. إيمان أبي طالب.
٣. تبصرة المؤمنين وتذكرة الموقنين.
٤. تفسير آية التوحيد.
٥. جواب لسؤال عن نجاسة المخالفين.
٦. حاشية على الصحيفة السجادية وشرحها.
٧. كتاب رفع البُدعة في حِلّ المتعة.
٨. كتاب النفحات القدسية في أجوبة المسائل الطبرسية.
٩. كتاب سيادة الأشراف.
١٠. رسالة اللمعة في عينية الجمعة، وقد فرغ من تأليفها في شهر رمضان من سنة ٩٦٦هـ، وقد ألفها للشاه طهماسب في أردبيل ويظهر أنّه يقول (بالتخيير) ويشترط في إمامة الجمعة أن يكون فقيهاً مجتهداً جامعاً لشرائط الفتوى، ويبدو أنّه أيضاً تعرض لمخالفة الشهيد الثاني الذي يذهب إلى الوجوب العينيي، وردّ على الأدلة التي قدّمها الشهيد الثاني.
١١. رسالة في أجوبة مسائل بعض أكابر (جيلان) إحدى محافظات إيران ومركزها مدينة (رشت)، وهي رسالة طويلة مشتملة على فوائد جليلة فقهية ألّفها سنة ٩٩٣هـ، وسماها (النفحات القدسية في أجوبة المسائل الطبرسية).
١٢. رسالة الطهماسية في (الإمامة).
١٣. رسالة في التوحيد.
١٤. كتاب دفع المناواة عن التفضيل والمساواة، في شأن الإمام علي Q بالنسبة إلى النبي P والأئمة R والأنبياء جميعاً R.
١٥. الإقتصاد في إيضاح الإعتقاد في الإمامة.
١٦. تذكرة الموقنين في تبصرة المؤمنين في أصول الدين.
١٧. التبصرة في الأمور الكلامية.
١٨. شرح روض الكافي.
١٩. شرح شرائع الإسلام للمحقّق الحلي.
بالإضافة إلى رسائل كثيرة غير التي ذكرناها، وفي عناوين مختلفة.
وفاته:
توفي سنة ١٠٠١هـ، حيث كان في قزوين ووقع مرض الطاعون في تلك المنطقة وكان يقضي على خلقٍ كثير، فمات السيّد في ذلك المرض.
ونقل الشاه الصفوي جثمانه الشريف إلى العتبات المقدّسة، وعليه يكون السيد حسين بن ضياء الدين الكركي من أصحاب الكرامات المعروفة ومن أعمدة هذا الدين، ومن الذين تصدّوا بقوة للشاه إسماعيل وكان الله تعالى يرد عنه ببركة إيمانه وصلابة موقفه وتوسله بالله عز وجل.
نظمت جمعية الإمام الصادق Q لإحياء التراث العلمائي
وبالتعاون بالتعاون مع بلدية مدينة (بنت جبيل)
احتفالاً تكريميا لـ: «سماحة العلامة الشيخ حسين محمد أسعد بزي (طاب ثراه)»
بدايةً، تحدث عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي، وممّا جاء في كلمته:
.أحدُ أعلامِ مدينةِ (بنت جبيل) من جبل عامل، والتي كانت إحدى الحواضر العلميّة التي يُشدُ إليها الرحال، فخرج منها علماءُ وأدباء وأعيان ومجاهدون، كانوا مفخرة منطقتنا.
(بنت جبيل)، وإن كانت في المقلب الآخر من جبل عامل، إلا أنّ ما تميزت به على المستوى العلمي والأدبي والجهادي، وقربها من الحدودِ مع فلسطين المحتلة، جعلها الأكثر حضوراً والأقرب إلى مشروعنا الكبير، وبالأخص صمودها وتضحياتها في عدوان تموز ٢٠٠٦م، فكانت الأسطورة التي لا تقهر، وعلى أعتابها كانت الهزيمة الكبرى، ومنها ومن القرى المجاورة لها كان الصمود والإنتصار وتوازن الردع.
ونحن من خارج الحدود الجغرافية لـ (بنت جبيل)، لا نميّز بين عالمٍ وآخر ولا نائب وآخر ولا بلدية وأخرى، وبين عائلة وعائلة، إلّا بمقدار ما تميزت به من عطاءات علميّة وخدمات إجتماعية ومواقف جهادية.
وإذا كان هؤلاء الأعلام ومنهم المحتفى به العلامة الشيخ حسين بزي، قد قدموا خدماتٍ جليلةٍ لبلدهم ولمنطقتهم في زمنٍ مضى، وظنّ كثيرونَ أنهم انتهوا برحيلهم، وهم واهمون بظنّهم، فإنّ بركاتهم كانت تظهر دائماً من خلال الاستمرارِ العلمي والأدبي والجهادي، فنحن لسنا منفصلين عن تاريخنا، ومن ليس له تاريخ، لا حاضر ولا مستقبل له.
ثم إنه، نحن في الغالب لا نرى الإنجازات إلّا من خلال أفراد، وننسى جهودَ الآخرين الذين كانوا الأساس في تحقيق تلك الإنجازات، ودائماً أعناقُنا تشرئبُّ للرمزِ الأول، وهذا خطأ فيه تبخيسٌ لجهدِ الآخرين. فإذا تحدثنا مثلاً عن الشيخ حسين بزي، لا نلتفت إلى دور الحاج محمد بزي والحاج سليمان بزي في توجيه الشيخ حسين نحو طلب العلم، وكيف اصطحباه إلى مجلسِ العلامة الشيخ موسى أمين شرارة، وهو لم يتجاوز الثماني سنوات من عمره الشريف.
وعندما قرّر الذهاب إلى النجف الأشرف، وهو إبن ست عشرة سنة، ما كان هذا ليتمّ لولا رعايةِ واصطحاب العلامة الجليل السيد نجيب فضل الله الذي كان أستاذاً في مدرسة الشيخ موسى شرارة، فالذهابُ إلى العراق في تلك الفترة وبهذا السن أمر مستحيل، وهذا تمّ على قاعدة إذا أراد الله أمراً هيأ أسبابه.
وفي النجف الأشرف، ما كان للشيخ حسين بزي أن يصل إلى درجةِ الإجتهاد بهذا الحضور المُميز، ويصبح أحدَ المقربين جداً من كبير فقهاءِ العرب الشيخ محمد طه نجف، ويجعله أحد مستشاريه وهو لم يصل إلى الثلاثين من عمره، ويصبح عضواً في (مجلس الإفتاء) الذي هو عمدةُ المرجع المتصدّي، هذا ما كان ليتمّ لولا أن أَوقعَ الله حُبَّ الشيخ حسين بزي في قلب الشيخ محمد طه نجف، فهناك الكثير من التلامذة الذين حازوا على الفضيلة العلميّة، ولكنهم لم يحصلوا على هذه المكانة.
عَاد الشيخ حسين بزي إلى جبل عامل سنة ١٣١٩هـ /١٩٠١م بعد ثلاث عشرة سنة قضاها بالعلم وتربية النفس، حاملاً معه إجازاتٍ بالإجتهاد، من كبار الفقهاء كـ: الشيخ محمد طه نجف، والشيخ محمود ذهب الظالمي، والميرزا حسن الخليل، والشيخ عباس كاشف الغطاء، والشيخ علي رفيش، وممّا قاله في حقه الشيخ محمد طه نجف: «فإنّ جناب ولدنا الأغر الأرشد الشيخ حسين بزي زاد الله فضله، قد بذل جهدَهُ في المعارف الإلهية والأحكام الربّانية، فاستحكم أساس الأصول حتى رسخت، وقرَّع عليها الفروع حتى شمخت، ووقف على نهاية القواعد وأحاط بجامع المقاصد، فعنه قوانين معالم الدين ومنه حقُ اليقين، ولديه الإرشاد وعليه الإعتماد إلخ...».
عاصر الشيخ حسين بزي ثلاث محطاتٍ كبرى: العهد العثماني، الحرب العالمية الأولى، والإنتداب الفرنسي. وهذه المحطات الثلاث عانى فيها أهلنا في جبل عامل الأمرّين، ولم ينته العهد العثماني ــ الغير مأسوف عليه ــ إلّا بحربٍ عالمية بدأت من سنة ١٩١٤م وانتهت سنة ١٩١٨م، وتركت الويلات على شعبنا من الفقر والأمراض وفقدان الأمن بما لا يُطاق ولا يحتمله إنسان، وكانت نتيجةُ تلك الحرب الإنتداب الفرنسي على لبنان وسوريا والإنتداب البريطاني على العراق وفلسطين، ونتج عنهما الإحتلالُ الإسرائيلي لفلسطين، ولا زلنا نعاني منه إلى يومنا هذا.
عمل الشيخ حسين بزي وإخوانُه العلماء على رعاية الناس وتحمل المسؤولية أمامهم، من توعيتهم وتثبيت عقديتهم، ولم يسقطوا أمام الضغوطِ والإغرَاءات. فعرض عليه (جمال باشا) منصبَ الإفتاء في (اسطنبول)، ولكنه رفض ولم يركن للذين ظلموا، قائلاً: يا دنيا غُرّي غيري.
كما كان موقفه صارماً من الإنتداب الفرنسي فلم يهادنهم، ولم يسكت عن جرائمهم، فرفض التدخل الفرنسي في شؤون العامليين، التي أدت إلى الفتنة العمياء بين المسيحيين والمسلمين، وأوقعت الخسائر في الأرواح والأرزاق، وهجّرت الناس من قراهُم. وعندما التقى وفداً قيادياً من جنرالاتهم في (بنت جبيل)، صرخ في وجههم واعترض على سياستهم، وعرض أمامهم (صندوقاً) من رماد كان قد جمع فيه كتبَه التي احترقت بفعل هذه الفتنة، واحتفظ به ليكون شاهداً على جرائمهم، فقالوا له: «نحن هنا لنعرض عليك منصب القضاء، فتصبح قاضي قضاة محكمة التمييز الجعفرية، وهناك منزل وسيارة وراتب شهري كبير». فردّ عليهم بكل رباطة جأش، قائلاً: «من قال لكم أنني أقول هذا الكلام وأعرض أمامكم هذا الصندوق لأجل التعويض على هذه الخسارة التي أفنيت عمري في تحصيلها، أنا أردت فقط أن تعرفوا ماذا حدث من الأعمال البربرية وفظاعتها من قبلكم ضد الأبرياء والمصالح العامة، وأوكد لكم أنكم كنتم بغنى عن هذه الحوادث وهذه الفتنة، وأنتم لستم بحاجة إليها، كي تعطوا السلاح لأهالي (عين إبل)، ففرّقتم بين المسلمين والمسيحيين، في الوقت الذي كنا لا نشعرُ بهذا الفرق ونعيش سوياً».
لم يكتفِ الشيخ حسين بالإعتراض ورفض المغريات، بل عمد إلى الخطوات التالية:
أولاً: نشر العلم والأدب من خلال ما بدأه السلفُ الصالح من عودة الحياة العلمية إلى جبل عامل بعد النكبة التي أصابته على أيدي العثمانيين، وأدت إلى إحراق المكتبات وتهجير العلماء وإنهاء الحياة العلمية بالكامل في جبل عامل سنة ١٧٨١م.
ثانياً: قام بالوعظ والإرشاد، وتعليم الناس الأحكامَ الدينية، وإحياءِ المناسبات وإصلاح ذات البين على أكمل وجه من دون مللٍ ولا كلل.
ثالثاً: فتح بيته للقضاء وحلّ الخصومات، وهو منصب قضائي يحتاج إلى شروط من العلم والعدالة والوعي والمكانة الإجتماعية، وكان قد جعل من يوم (الخميس) من كل أسبوع موعداً لكي يقصده الناس لحلّ مشاكلهم، وكانوا يأتون إليه من كل فجٍّ عميق، من جبل عامل وفلسطين وقرى الجليل. وعدالته في القضاء جعلت كثيراً من الناس تلجأ إليه من خارج المسلمين، وتلك القصة المشهورة، التي اختلف فيها مشتري مسيحي من إحدى القرى المجاورة، والبائع المسلم من (بنت جبيل) على حيوان شرط أن يكون (عاملاً)، وحكم الشيخ حسين بلزوم ردّ (الحيوان) لأنّه محكوم لخيار الحيوان، ولشروط المشتري، وهذا الحكم جعل المسيحيين في المنطقة يعتقدون به ويُحبُّون إسلامه.
في الختام:
ما أحوجنا اليوم إلى أمثال العلامة الشيخ حسين أسعد بزي الذي عمل بالإصلاح ونشر العلم والأدب ورفض الطائفية والمذهبية، ولم يسقط أمام المناصبِ الدنيوية التي تكون على حسابِ دينه ووطنه، وهذا المعيار يجب أن نقتدي به ويكون هو الأساس عند العالم المتصدّي أو المسؤول وعند القوى المتصدّية، وخصوصاً نحن اليوم نمرّ بمرحلةٍ دقيقة للغاية تُلامس وجودنا وبقاءنا.
أيها الأعزاء
قد نتساهل في المسائل الجانبية، ولكن بالتأكيد لن نتسامح مع أي مسألة تلامس وجودَنا وأمنَنا، وهي مسؤوليةٌ شرعية قبل أن تكون محكومةً للمصلحة والمفسدة، وهذا ما نفعله مع العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان، ومع المنهج التكفيري في سوريا، ومع حدودنا الشرقية، لكن بالتأكيد لن نتهاون بمتابعة ملفات الفساد من شبكة الإنترنت، وأوكار الإستعباد وغيرها.
وأما الإستحقاق البلدي، فهو ضرورة إجتماعية للناس، ونتعاطى معه على قاعدة اختيار الأفضل والأصلح، وتوسيع دائرة التحالف مع الأخوة في حركة أمل هي مصلحةٌ عُليا للجميع، فنحن لا نريد أن نلغي إرادةَ أحد ولا دور العائلات، بل نعتبر العائلات الشريفة هي المكوّن الحقيقي لهذين التنظيمين (حزب الله وحركة أمل)، وتفاهُمنا ليس اختزالاً بقدر ما هو توسعةً لدائرة المصلحة العامة، واختيارُنا للبلديات سيكون من هذه العائلات الكريمة، ولن نستوردَ أحداً من الخارج، فنحن لسنا من خارج السياقِ الإجتماعي والعائلي، بل من صميمها وجوهرها.
احتفالنا هذا يأتي في شهر نيسان وفي ذكر العدوان الإسرائيلي على جبل عامل في عدوان (عناقيد الغضب) سنة ١٩٩٦م، والذي أنتج هزيمةً مدويةً للإسرائيلي، وأنتج ما أُطلق عليه (بتفاهم نيسان) الذي أسّس لمعادلة الردع مع العدو الإسرائيلي، ولا زال هذا الردعُ ينمو ويكبر يوماً بعد يوم، حتى بات الإسرائيليون يرونكم في منامهم ويخشون ردَّكم الصاعق وما النصر إلا من عند الله.
ثم كانت كلمة عضو كتلة التنمية والتحرير، سعادة النائب الأستاذ علي بزي، وممّا جاء فيها:
..لا بد في البداية من ردٍّ جميلٍ لما قام به الأخ والصديق عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي ورئيس بلدية بنت جبيل الصديق العزيز الحاج عفيف بزي، من هذه اللفتة الكريمة، في تكريم أحد أعلام هذه المدينة العاملية، وهو العلامة الشيخ حسين محمد أسعد بزي، الذي نذر نفسه في سبيل خدمة الدين والوطن، وهذه مسؤولية تفرض علينا أن نكون ضمن هذا الموقع الصحيح من خدمة هذه المدينة والمنطقة، ونحن لا ننظر إلى هذه المسؤولية أنها تشريف، بمقدار ما ننظر إليها أنها تكليف ومسؤولية أمام الله والناس.
والشيخ حسين بزي ولد في بنت جبيل وترعرع في بداية حياته على العلامة الراحل الشيخ موسى أمين شرارة، وانتمى إلى مدرسته التي لم تبقَ طويلاً بسبب رحيله، ممّا جعل الطلاب يذهبون إلى النجف الأشرف ومنهم: علامتنا الراحل الشيخ حسين بزي، حيث مهوى القلوب في تلك البقعة التي كان فيها كبار العلماء، أمثال: الشيخ محمد طه نجف، والشيخ علي رفيش، والشيخ كاشف الغطاء وغيرهم، فدرس عليهم وأصبح مجتهداً ونال إجازات بالإجتهاد منهم، وبقي ثلاث عشرة سنة، منكباً على التحصيل قبل أن يعود إلى بلده ليقوم بوظيفته الشرعية.
وكان من الأمور الأساسية التي تصدّى لها هو القضاء بين الناس القائم على العلم والعدالة ومصلحة المجتمع، فكان قاضياً دون (وظيفة)، ورفض أن يكون موظفاً رسمياً عند الدولة، كان يقضي بين الناس بالحق والعدل ويفض المنازعات بين المتخاصمين، من دون التمييز بين المسيحيين والمسلمين، أو بين السنة والشيعة، وكان الناس يرجعون إليه في مشاكلهم من كل المنطقة ومن جميع الطوائف، وكان له ديواناً خاصاً بالمراجعين.
وحول الإستحقاق البلدي، قال: انسجاماً مع هذا النهج الذي رسمه لنا الشيخ حسين بزي، ونحن على أبواب استحقاق البلديات، والتي ستجري في مواعيدها كما أشار الأخ الأستاذ نبيه بري، فهذا الاستحقاق لا يعني إلغاء أحد أو مصادرة حقوق الآخرين أو إرادة العائلات، كما أشار الأخ العزيز الشيخ حسن بغدادي، فنحن وحزب الله لسنا في وارد أن نختزل إرادة أحد، بمقدار ما نسعى لإنجاز هذا الإستحقاق بأقلّ الخسائر الممكنة وبما يمثل من مصالح كبرى للناس، وأنا كمسؤول عن اللجنة الإنتخابية البلدية في المنطقة، توجهنا أن تفوز البلديات بالتزكية، وأن نذهب إلى التوافق مهما أمكن، ونحن مع إنتخاب الأكفاء سواء كان من حزب الله أو حركة أمل، ويجب علينا أن نعمل جميعاً لصالح التنمية التي تخدم المجتمع، وأن ننزل بكثافة يوم الانتخابات إلى صناديق الاقتراع لنؤكد أن شراكة الدم والتحرير والمقاومة هي الأساس في كل عمل في هذا الوطن.
وعلى كل القوى السياسية في لبنان أن ترتقي بأدائها وسلوكها إلى مستوى متقدم من الوعي والحكمة والبصيرة والمسؤولية لمواجهة كل التحديات والاستحقاقات والأزمات، واضعةً جانباً كل عوامل التفرقة والنكد والتشنج والتعصب والتطرف من أجل أن نقرأ جميعاً في كتاب واحد، أن جرحنا جرح واحد، وأن دمنا دم واحد، وأن همّنا همّ واحد، وأن وطننا الحبيب لبنان وطن واحد.
وفي الختام كانت كلمة رئيس بلدية مدينة بنت جبيل المهندس الحاج عفيف بزي، وممّا قاله:
..أعبرّ بدايةً عن بالغ سروري وباسم المجلس البلديّ لمدينة بنت جبيل، لاستضافة هذا الحفل التكريميّ لواحدٍ من أهمِّ علمائنا الراحلين الأفذاذ، عنيت به سماحة الشيخ المجتهد حسين أسعد بزي، وإننا بهذه المناسبة نقدّر عالياً لجمعية الإمام الصادق Q بشخص عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ العزيز حسن بغدادي، قيامه بهذه المبادرة العزيزة الكريمة، وكلّ مبادراته عزيزةٌ وكريمةٌ، وتصبُّ بالهدف الأسمى والأرفع، ألا وهو كشف النقاب عن التراث العلمائي ــ وبعضه مغمور ــ وعن آثار علمائنا الأعلام الكبار، الذين كان لهم أثر كبيرٌ في ثقافتنا الدينية والإنسانية، وذلك من خلال المدارس التي أسّسوها، والآثار العلمية التي تركوها، فشكراً لك أيها الشيخ الجليل.
والآن، اسمحوا لي أن أستذكر وإياكم الشهداء الأبرار الميامين، الذين ضحوا بأنفسهم من أجل هذه الأمة وكرامتها وعزَّتها، ولولاهم ما كنا نجتمع اليوم في هذا المكان، نستذكر هؤلاء ونحن على مقربةٍ من الخامس والعشرين من أيار، ذكرى هزيمة عدونا واندحاره عن أرضنا خائباً ذليلاً دون قيد أو شرط.
ونحن أيضاً، في المجلس البلدي نقدّر عالياً للأخ والصديق النائب الأستاذ علي بزي حضوره معنا، ومشاركته في هذا الإحتفال، وهذا أمرٌ طبيعي، وإننا بالمناسبة، ونحن على مقربة من إجراء انتخابات بلدية جديدة وانتهاء فترة ولاية مجلسنا الحالي، لا يسعنا إلا أن نقدر لسعادة النائب وقوفه باستمرار إلى جانبنا، ومساعدته لنا في كلّ ما قمنا به من مشاريع، فهو لم يأل جهداً في سبيل تقديم يد العون لنا، قدر إمكاناته المتوفرة، إلى جانب زملائه النواب الآخرين، وبالأخص الأخ العزيز سعادة النائب السيد حسن فضل الله، فنحن نشكرك وإياهم لمساهمتكم في العمل التنموي لبنت جبيل والمنطقة، ومساعدتكم إيانا، في الوزارات والمؤسسات الرسمية المختصّة للحصول على حقوقنا المشروعة.
وفي هذه المناسبة، الشكر موصول إلى عائلة المقدّس الشيخ حسين بزي، والمتمثلة بشكل أساسيّ بأحفاده، من عائلة الشيخ علي بزي وبقية أفراد العائلة، وهم الذين يعتزّون معنا بهذا الإرث الدينيّ الفقهي الكبير للشيخ المقدّس الراحل. ويهمُّني باسم المجلس البلدي، أن أعبرَّ عن تمنياتنا بضرورة استمرار الإضاءة على التراث العلمائي، فبعد المقدّس الشيخ موسى أمين شرارة، والمقدّس الشيخ حسين أسعد بزي، نحن على استعداد لتنظيم أيّ لقاء احتفاليّ مماثل لعلماء آخرين مماثليهم، لعبوا دوراً أساسياً في مسيرة العلم والدين والمعرفة.
كذلك نبدي الإستعداد الدائم للمشاركة الفعالة في تكريم المبدعين المفكرين، المؤرخين والشهداء، وكل العاملين في سبيل رفعة مجتمعنا وتطوره.
كما تخلل الحفل كلمة شكر لأسرة الراحل ألقاها حفيده الشيخ محمد بزي، شكر فيها: جمعية الإمام الصادق Q لإحياء التراث العلمائي على دورها وتصدّيها لإحياء هذا التراث الشيعي، وبلدية بنت جبيل لتعاونها مع جمعية الإمام الصادق Q على إحياء ذكرى العلامة الراحل الشيخ حسين بزي.
وقدم للإحتفال عضو تجمع علماء المسلمين فضيلة الشيخ عادل تركي.
كما التقى م ــ الملف في قم المقدسة بالعديد من العلماء وفضلاء الحوزة من مختلف البلاد، وفي مقدمتهم الوكيل العام للمرجع الديني آية الله العظمي السيد علي السيستاني (دام ظله) سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد جواد الشهرستاني، وكانت مناسبة للحديث عن الأوضاع التي تمرّ بها المنطقة، والوقاحة والحقد التي وصلت إليه بعض دول المنطقة كالسعودية من إعلان الحرب بلا هوادة على المسلمين متحالفة مع إسرائيل باسم الدفاع عن كرامة المسلمين وحقوقهم.
وأكد الشيخ حسن بغدادي، في لقاءاته في قم المقدسة: أن تدخل حزب الله في سوريا كان له الفضل الكبير في إيجاد عملية التوازن والإبقاء على النظام في سوريا، ولولا ذلك لما أُتيحت الفرصة للدور الذي قامت به الجمهورية الإسلامية في إيران، وبعد ذلك جاء الدور الروسي. ..
شارك م ــ الملف بمجلس الفاتحة الذي أقامته الحوزة اللبنانية في قم المقدّسة عن روح آية الله الشيخ مفيد الفقيه (طاب ثراه).
وهو أحد أعلام جبل عامل الذي خرّج المئات من الفضلاء والمجتهدين، والذين شعّ نورهم في أرجاء المنطقة، ولم يقتصر دورهم على قراهم ومدنهم في جبل عامل وبقية المناطق اللبنانية، فنلاحظ الشيخ مفيد قبل أن يسكن لبنان - قصراً- كان لازال يزاول التدريس والتصنيف في النجف الأشرف إلى جنب العمل الديني في بعض المناطق العراقية، وهذا التوجه لم يكن جديداً على علماء جبل عامل وطلبته، فكانوا إلى جنب التحصيل العلمي يعملون في التبليغ الديني، وبالأخص في المناسبات التي تُعطل فيها الحوزات العلمية الدروس: كشهر رمضان المبارك، ومحرم الحرام وبعض المناسبات الأخرى. ولم يكن في تلك الفترة قد عُرف عن أحدٍ منهم أنه يريد أن يرتاح أو يذهب للصيف ويتلف أشهراً من وقته من دون فائدة، هذا إذا اقتصر على ذلك، أما في الماضي فلم يكن طالب العلم ليضيّع لحظةً من وقته، فهو يُقسّم أوقاته بين الدرس والمطالعة والتصنيف والعبادة والتبليغ الديني، وهو دائماً كان يفكر بالإجابة على سؤال: عُمركَ أين أفنيته؟
والشيخ مفيد الفقيه هو نجل العلامة المعروف الشيخ علي الفقيه ابن العالم الكبير الشيخ يوسف الفقيه الحاريصي، وكان لهذا البيت، للشيخ يوسف ولأولاده وأحفاده فضل على جبل عامل العلمي والإصلاحي، والذي منهم أستاذنا الكبير آية الله الشيخ محمد تقي الفقيه.
وعندما عاد الشيخ مفيد الفقيه إلى جبل عامل، بعدما فقد اثنين من أبنائه من طلبة العلم في الإنتفاضة التي حدثت ضد النظام البعثي أيام صدام حسين، لم يرجع ويسكن في جبل عامل ليستريح ويتقاعد، بل عمد إلى تشييد مدرسة دينية سماها (جامعة النجف الأشرف)، ولا زالت مستمرة حتى بعد رحيله، ورغم مرضه لم يتخلَ عن دوره وعن عمله، فارتحل بقلب مطمئن، وأنه قام بمسؤولياته الشرعية.
توفّي في غيبته، ولم يعلم وعندما عاد
التقاه في صحن الدار عند أمير المؤمنين Q
ينقل كبير فقهاء العرب الشيخ محمد طه نجف الذي هو أستاذ لمجموعة كبيرة من علماء جبل عامل، قصّةً في رسالةٍ كان قد ألّفها في أحوال جدّه لأمه الشيخ حسين نجف، نقلاً عن الشيخ محمد الركابي، ومُلخّصها: أنّ صداقةً قويّة كانت تربط الشيخ الركابي مع الشيخ طالب البلاغي، فكان كلّما سافر الشيخ الركابي يكون الشيخ البلاغي أوّل القادمين لزيارته.
وذات مرة طالت مدّة سفر الشيخ محمد الركابي، ولما عاد زاره الجيران والأهل والأصدقاء ما عدا الشيخ طالب البلاغي، وحمله في نفسه على أنّه لم يعلم بقدومه أو مشغول بأمور الدرس والتحصيل، وفي اليوم الثاني ذهب الشيخ الركابي لزيارة حرم الإمام علي Q وتجديد العهد به، وعند خروجه من الحرم التقى بالشيخ طالب البلاغي في صحن الدار، فسلّم عليه وتبادلا أطراف الحديث والتهاني، وجلسا مليّاً في صحن الدار، ثم افترقا وذهب كل منهما إلى داره، ولما كانت فترة بعد الظهر، أخبر الشيخ الركابي أصحابه بما جرى بينه وبين الشيخ طالب البلاغي، وأنّه كان مستوحشاً لعدم رؤيته، وأنّه الحمد لله قد رآه وهو بخير، وإذ بالحاضرين ينكرون ذلك على الشيخ الركابي ويستغربون هذا الكلام، قائلين له: أنّ الشيخ طالب البلاغي، قد توفّي قبل أشهر، فكيف تقول أنك رأيته اليوم صباحاً؟!
الشيخ محمد طه نجف ينقل هذه الحادثة في إطار الكرامة للشيخ طالب البلاغي والشفافية التي حاز عليها الشيخ الركابي.