مناسبات الشهر
مناسبات الشهر
(بطاقة عالم)
إنه العلامة الشيخ عبد الحسين نعمة، نجل العلامة الشيخ محمد علي نعمة.
ولد في قرية (حبوش) القريبة من مدينة النبطية من جبل عامل، ونشأ وترعرع فيها، وكانت دراسته في المدرسة الرسمية (بمدينة النبطية)، هاجر إلى العراق للدراسة الحوزوية سنة 1947م مع أخيه العلامة الحجة الشيخ عبد الله نعمة، فدرس على أخيه المقدمات التي يدرسها الطالب، ثم أخذ يدرس على بقية الأساتذة حتى وصل مرتبة بحث الخارج، فدرس على العديد من الأساطين، ومنهم المرجع الديني السيد محسن الحكيم.
للشيخ عبد الحسين العديد من المباحث الفقهية الإستدلالية، ولكنّها تلفت بسبب الأحداث اللبنانية، وكان قد بدأ في النجف بكتابة (تاريخ الشيعة)، ولكنه أعرض عن هذه الفكرة، كما يقول لأنه لا يستطيع أن يكون منسجماً مع نفسه، فالجو العام لا يُساعد على كتابة الحقائق.
عاد إلى لبنان سنة 1959م، عمل بالتبليغ الديني وانتسب إلى سلك القضاء الجعفري في سنة 1963م.
كان الشيخ عبد الحسين عالماً فاضلاً أديباً شاعراً، له حضوره وسطوته ومكانته الإجتماعية توفي صباح الخميس 20 شوال 1417هـ وكان لوفاته صدى أليماً في البلدة والجوار وعند من عرفه رضوان الله تعالى عليه.
السنة الثالثة العدد الثاني والثلاثون- آب 2014م/شوال 1435هـ
لاستفساراتكم واقتراحاتكم يرجى التواصل على العنوان التالي:
toorath@hotmail.com
70 - 61 68 08
شخصية العدد
العلامة السيد محمد رضا
آل فضل الله الحسني
ولد السيد محمد رضا فضل الله في بلدة (عيناثا) من قرى جبل عامل سنة 1281هـ موافق سنة 1864م.
يعود نسبه الشريف إلى الإمام الحسن المجتبى Q، وعليه يكون على الشكل التالي محمد رضا بن رضا بن نصر الله بن محمد الملقب بسلطان العلماء بن علي بن يوسف بن محمد بن فضل الله، إلى عبد الله المحض بن الحسن المثنّى بن الإمام الحسن المجتبى Q.
وقبل أن أتحدث عن بعض آبائه وعن جدهم الذي قدم من مكة المكرمة إلى جبل عامل، لا بد وأن نُطل بشكل مختصر على قريته (عيناثا) التي كانت إحدى منارات جبل عامل التي شعّ نورها في سماء المنطقة، فبلدة عيناثا من القرى المتاخمة لمدينة بنت جبيل التي لا يمكن أن تنفصل عن (عيناثا) على مستوى النهضة العلميّة، وإن كانت (عيناثا) سابقة بكثير على مدينة (بنت جبيل).
قرية عيناثا: واحدة من القرى التي ساهمت في النهضة العلمية الأولى التي انطلقت في جبل عامل على يد ذلك القائد الفذ الشيخ محمد بن مكي الجزيني (الشهيد الأول) في أواسط القرن الثامن هـ، الذي استمر الحضور العلمي فيه إلى أواخر القرن الثاني عشر هـ، حتى حلول المصيبة على جبل عامل جرّاء الإضطهاد العثماني لعلماء الدين في جبل عامل، من خلال ما قام به زنيمهم الوالي العثماني أحمد باشا الجزّار، حيث دمّر جبل عامل، وأنهى الحياة العلمية والإجتماعية فيه، بما يزيد على ربع قرن، فأهلك الحرث والنسل، وقتل وسجن العديد من العلماء وهجّر آخرين، كما حرق المكتبات التي كانت تضم الآلاف من الكتب الثمينة والمخطوطات النفيسة.
هذا الحضور العلمي لبلدة (عيناثا) كان قبل النكبة، وبعد نهاية حكم الجزّار سنة 1219هـ، عادت الحياة العلمية إلى (عيناثا) مجدداً وكانت من المؤسّسين في النهضة العلمية الثانية التي كان قوامها ثلاث مدارس:
مدرسة (الكوثرية): ورئيسها الشيخ حسن القبيسي وطلابها الشيخ عبد الله نعمة والسيد علي إبراهيم الحسيني.
ومدرسة (طيردبا): ورئيسها الشيخ مهدي مغنية وأحد تلاميذها الأساسيّين السيد محيي الدين فضل الله من عيناثا، الذي كان له دورٌ أساسيٌّ في بلدته مع نجله السيد نجيب وابن عمه السيد محمد رضا.
والمدرسة الثالثة مدرسة (شقراء): ورئيسها السيد علي نجل السيد محمد الأمين بن السيد أبو الحسن موسى الحسيني.
وعليه فتكون بلدة (عيناثا) في النهضة العلمية الثانية، تأتي في مرحلة التأسيس، ويعود العلم إليها مجدداً من بوابة السيد محيي الدين فضل الله.
الخلاصة: بلدة (عيناثا) ذاع صيتها وصارت مقصداً للعديد من طلّاب العلوم الدينية والعلماء من القرن التاسع هـ وإلى يومنا هذا، ومن جملتهم العلامة الجليل والأديب الشيخ ناصر الدين البويهي، الذي ذكره أصحاب التراجم بأنه من نسل ملوك بني بويه في إيران والعراق، حيث نشأ في (الأحساء) وعاش وتوفي في (عيناثا)، ودرس على العالم العلامة الشيخ ظهير الدين العاملي العيناثي، الذي كان عالماً فقيهاً، وصاحب مواهب متعددة في الفقه والرياضيات والأدب... والشيخ ظهير الدين مات في (عيناثا)، وكان له الفضل الكبير في جعلها منارة علمية في جبل عامل، وكان يروي عن العلامة الشيخ نور الدين علي (والد الشهيد الثاني).
الشيخ ناصر الدين البويهي درس على هذا العالم الجليل وأصبح من كبار العلماء وتوفي بالطاعون سنة 853هـ، ولا يتسع المجال هنا لذكر إنجازات هذا العالم العلمية والأدبية وبعض كراماته، وقد ذكرناها في محلّها، وكان قد كتب على قبره بيتين من الشعر:
إذا وقعت عيناك ما قد كتبته
وقد غيبتني عند ذاك المقابر
فخذ عظة مما رأيت فإنه
إلى منزل صرنا به أنت صائر
هذا ناهيك عن علماء آل خاتون، الذين كان لهم فضل على (عيناثا) وعلى جبل عامل، وهم من الذين نعتز ونفتخر بهم، أمثال الشيخ أحمد بن محمد بن خاتون العيناثي المعاصر للشهيد الثاني، الذي قال بحقّه: «حافظ متقن خُلاصة الأتقياء والفضلاء».
ومن جملة الذين قدموا إلى بلدة (عيناثا) آل فضل الله الحسني، إذ قدموا من مكة المكرمة، فجدّهم الأعلى الشريف حسن قدم من مكة المكرمة إلى (عيناثا)، أواخر القرن العاشر هـ، وآل فضل الله يملكون شجرة دقيقة بصحة نسبهم إلى الإمام الحسن Q، على حد تعبير السيد الأمين.
كان لعلماء آل فضل الله الدور العلمي والسياسي والإجتماعي في جبل عامل، ومن هؤلاء العلماء العلامة السيد محيي الدين فضل الله، والد السيد نجيب، الذي كان من أعلام جبل عامل، وإبن عمه العلامة الكبير السيد محمد رضا هو سليل هذه العائلة الكريمة، ومن هذه البلدة المتنورة، وتخرّج من مدارسَ كانت منارةً في العلم والتقوى. فبعد تعلمه القرآن الكريم والقراءة والكتابة، شَرَعَ في درس المقدمات المعروفة في الحوزات العلمية، من مبادئ العلوم العربية واللغة وصولاً إلى المنطق وبعض مقدمات (الفقه) في (عيناثا)، حتى قرّر التفرغ في إحدى المدارس، فكانت مدرسة (حناويه)، برئاسة العلامة الشيخ محمد علي عز الدين، الذي توفي سنة 1301هـ، ودفن في (حناويه)، وكانت هذه المدرسة عامرة بالطلاب من مختلف المناطق، ومن جملة من انتسب إليها السيد محمد رضا وابن عمه السيد نجيب، واستفادوا كثيراً من مختلف العلوم على العلامة الشيخ عز الدين، حتى سنة 1298هـ، عندما عاد من النجف الأشرف العلامة الشيخ موسى أمين شرارة، بسبب مرض ألمّ به، وكان من الطبيعي ومن المتعارف عليه في الحوزات العلمية، أنّ طلاب العلوم يدرسون على العديد من الأساتذة، ومن دون الإكتفاء بمدرّس واحد، وخصوصاً عندما يطلّ أستاذٌ جديد، وتكون شهرته العلمية قد سبقته، كالشيخ موسى شرارة، وفي ذلك الوقت كان الشيخ محمد علي عز الدين أصبح كبير السن، واستُنفذت الطاقات العلمية التي لديه، وهؤلاء الطلاب لازالوا صغار السن وفي بداية مشوارهم العلمي فكان انتقالهم من (حناويه) إلى (بنت جبيل) أمراً طبيعياً ومنطقياً، وليس زهداً بالشيخ محمد علي عز الدين، كما يحلو للبعض أن يصوّر المشهد.
إستمرت مدرسة الشيخ موسى شرارة في بنت جبيل ست سنوات، من سنة 1298هـ إلى سنة 1304هـ، وبعد ارتحال العلامة شرارة إلى الرفيق الأعلى، أصيب الطلاب بإحباط كبير نتيجة غياب الراعي والبديل، وخصوصاً أنّ أعيان بنت جبيل الذين أرسلوا إلى المرجعية الدينية في النجف الأشرف يطلبون منها أن ترسل إليهم شخصية علمية، إما السيد إسماعيل الصدر، جد الإمام موسى الصدر، أو السيد مهدي الحكيم والد المرجع السيد محسن الحكيم، وعندما رفض السيد إسماعيل الصدر العودة، وقع الإختيار على السيد مهدي الحكيم، ولكن السيد مهدي لم يعتنِ بأمر المدرسة الدينية، وإنما اشتغل بالتبليغ الديني والعلاقات العامة والزيارات إلى الأماكن المقدسة، هنا كان لا بد للطلاب من أن يصابوا بخيبة أمل ويعودوا إلى قراهم وبلدانهم.
في تلك المرحلة كان في قرية (شحور) العلامة السيد يوسف شرف الدين والد الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين، فاقترح عليه الشيخ محمد مغنية أن يشيّدوا مدرسة في قرية تقع وسط البلاد، كي لا يقع الطلاب في الفراغ، ووقع الإختيار على بلدة (طورا)، وبالفعل فتحت المدرسة أبوابها سنة 1305هـ وأغلقتها سنة 1308هـ، وانتسب إليها العديد من الطلاب ومنهم السيد محمد رضا، ولا نعرف الأسباب الحقيقية خلف إغلاق تلك المدرسة، سوى أن ذهنية السيد يوسف شرف الدين، كانت باتجاه أن يذهب الطلاب إلى النجف الأشرف للتفرغ الكامل، وخصوصاً عندما يقطعون شوطاً من تحصيلهم العلمي في جبل عامل.
لهذا نرى في سنة 1308هـ، يقوم السيد محمد رضا فضل الله وابن عمه السيد نجيب والشيخ حسين مغنية والسيد محسن الأمين والشيخ محمد دبوق وغيرهم، بمغادرة جبل عامل والتوجه إلى النجف الأشرف، ولم يكن قرار الذهاب إلى العراق سهلاً كالذهاب إلى النزهة، بقدر ما كان فيه الكثير من الصعاب والموانع، إلّا أن العزيمة والإرادة وحب العلم، كانت تقف في وجه تلك الموانع مستشهدين بقول الشاعر:
لأستسهلنّ الصعب أو أدرك المنى
فما انقادت الآمال إلّا لصابر
كانت المراسم عند طلاب العلم بعد الوصول إلى العراق التوجه فوراً إلى زيارة الإمامين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد في الكاظمية من بغداد، ثم العروج إلى كربلاء لزيارة سيد الشهداء الحسين Q وأخيه أبي الفضل العباس وبقية الشهداء، بعد ذلك يقومون بالتوجه وبكثير من الحب والولاء والشوق إلى عاصمة الشيعة حيث مرقد الإمام علي Q، عنده يحطّون رحالهم في حضرته، مستفيدين من هذه المجاورة، بما ستغدق عليهم من بركاتها، وتعينهم على تربية أنفسهم والرقي بها إلى عالم الكمال والمعرفة، وتعوّدهم الصبر على الفقر والجوع، وتحمّل الحر والبرد، متجاوزين كل هذه الآلام، ومتلذذين بتلك المجاورة والتحصيل العلمي مستحضرين تلك الكلمة المشهورة (أين الملوك وأبناء الملوك عن هذه اللذة).
درس السيد محمد رضا على كبار الفقهاء في النجف، كالشيخ محمد طه نجف (كبير فقهاء العرب) الذي توفي سنة 1323هـ، وكان قد حضر درسه العديد من الطلاب اللبنانيين مع اختلاف مراحلهم، فالشيخ موسى أمين شرارة درس عليه مع أنه كان يُعد زميلاً له، وكان يُدرّس البحث الخارج، لكن الشيخ محمد طه نجف هو الذي طلب منه أن يحضر درسه واستجاب الشيخ موسى لهذا الطلب، وخيراً صنع فإن الشيخ موسى اضطر للعودة إلى لبنان، وبقي الشيخ محمد طه يخرّج الأجيال ومنهم تلامذة تلاميذ الشيخ موسى، كما درس السيد محمد رضا على الشيخ الميرزا حسين خليل الذي توفي سنة 1326هـ، وكان فقهياً ومن الذين سارعوا في مشروع (المشروطة) ضد السلطة القاجارية في إيران، التي قادها كبير الأساتذة الشيخ الآخوند صاحب (الكفاية) في الأصول، الذي توفي بظروف غامضة سنة 1911م، عشية تجهيز العشائر بالعراق للذهاب إلى إيران لمواجهة الغزو الروسي وكان السيد محمد رضا من الذين حضروا درس الشيخ الآخوند أيضاً، كما حضر على الشيخ محمد الشريباني وكان من تلامذة الشيخ الأنصاري، واستمر السيد محمد رضا في النجف إلى سنة 1320هـ، مكبّاً على التحصيل والمشاركة الأدبية، وخصوصاً أن النجف الأشرف بالإضافة إلى كونها حاضرة علمية كبرى، فهي حاضرة أدبية من الطراز الأول، وصقلت شخصية السيد محمد رضا العلمية والأدبية في النجف وكان له مشاركات علمية وأدبية، جعلته من الشخصيات العلمية والأدبية، بما فاق فيها على أقرانه، والذي يؤكد هذا الحضور مشاركته ببعض قصائده ومصنفاته التي تكشف مدى حضوره العلمي والأدبي، فكتابه (السمكية) الذي كتبه نتيجة حادثة حصلت بينه وبين بعض الطلاب في موضوع (أكلة سمك)، حيث اكتشف السيد محمد رضا بعض الخلل في تربية النفس ومراقبتها عند بعض الطلاب، وأراد أن يستغل هذه الحادثة ليصنّف عليها كتاباً نحتاج معه إلى ندوة فكرية من ساعات نبحث فيها الأبعاد اللغوية والعرفانية والفلسفية والعبرة والإعتبار.
عاد السيد محمد رضا إلى جبل عامل سنة 1320هـ الموافق سنة 1902م.
وكان من الطبيعي أن يرجع إلى بلدته (عيناثا) فهي مسقط رأسه وحاضرته العلمية التي خرج منها، وبقي فيها مدة خمس سنوات قبل أن يتركها مغادراً إلى بلدة (قانا).
وهنا لا بُدّ من الإطلالة على الدور الذي قام به العلامة السيد فضل الله في جبل عامل وإن كانت مدة حياته قصيرة حيث بلغ عمره الشريف عند وفاته 53 سنة ومدة بقائه في جبل عامل بعد عودته من النجف الأشرف خمسة عشر سنة.
المحطة الأولى: هي التبليغ الديني والإنصهار بهذا العمل، وهذه طبيعة علماء جبل عامل حتى أثناء دراستهم في النجف الأشرف كانوا يمارسون الوظيفة الدينية التبليغية، في العراق وفي إيران والهند ومكة المكرمة وسوريا...
وهناك دور كبير لعلماء جبل عامل في إيران أيام العهد الصفوي، والذي يؤكد أهمية التبليغ الديني عند هؤلاء العلماء الأجلاء أن السيد محمد رضا لم يبق في بلدته (عيناثا)، رغم أنها مسقط رأسه ومجمع عائلته، فتراه في سنة 1907م يشدّ الرحال إلى بلدة (قانا) مستجيباً لرغبة أبناء البلدة ليكون إماماً لهم، والسبب الرئيسي لتلبية هذه الدعوة فقط هو التبليغ الديني، من وعظ وإرشاد وصلاة جماعة وإصلاح ذات البين، واستمرّ نشاطه الديني والإجتماعي والسياسي في (قانا) بقية حياته وهي المدة القصيرة المتبقية عشر سنوات.
المحطة الثانية في حياته كانت محاولة للتصنيف والتأليف ولكنها إمّا لم تكتمل، وإمّا أنّ الورثة أضاعوها، كما ضاع الكثير من تراث علماء جبل عامل، إمّا بسبب الحروب المتنقلة، أو إهمال الورثة، وهنا نرى الإهتمام الشديد لورثة السيد محمد رضا المتأخّرين منهم، وفي مقدمتهم النائب السيد حسن فضل الله، حيث استطاعوا أن يستحصلوا على بعض مصنّفاته وطباعتها، والتي تُدلّل على مكانته العلمية والأدبية، وأنه فعلاً من الشخصيات المرموقة على المستوى الفقهي والأصولي، والفلسفة والعرفان، والأكثر إشتهاراً هو الأدب والشعر، وأنّه كان ينتظر فرصةً لاستكمال كتابة ما وصل إليه في الفقه والأصول، وما كتابه في بحث (حجية القطع) إلّا دليلاً على المكانة التي وصل إليها، وعلى المخزون العلمي الذي حصل عليه.
وبالعودة إلى بعض العناوين التي تحدّث عنها، نكتشف أكثر هذه الشخصية التي لو كتب لها البقاء، وساعدتها الظروف لكان قد ملأ صيته الشرق والغرب، فعندما نستعرض على سبيل المثال موقفه من الفقيه العادل، من خلال بعض رسائله وقصائده، التي وردت في العديد من الشخصيات، لعرفنا رأيه الحقيقي في موقع الفقيه العادل الذي يشكّل موقع نيابة المعصوم Q، ومنه نكتشف الدورالحقيقي الذي قام به السيد في النجف الأشرف وجبل عامل، ولتعرّفنا على عمق لغته الأدبية، ومكانته الفقهية. وعندما سنستعرض بعد قليل، بعضاً من عبائره التي وردت فيما خطّهُ (رضوان الله عليه) في إبن عمه العلامة السيد نجيب فضل الله والتي لا نعرف لمن وجّهها، لكن هذه الرسالة واضحة في أنَّ كاتبها له شأن علمي وأدبي، فمن الناحية الأدبية: فهي واضحة لذي عينين، وخطابه عن موقع السيد نجيب فضل الله يُدلّل على موقعه العلمي وأنه من أهل الفضل وممّا قاله: «وحيثُ إنّ السيد المؤيّد السيد نجيب فضل الله (أدام الله مجدُه) ممن ثبت له بصريح ما ذكرناه النيابة، وتمّت له السفارة والولاية، وعاد حُجةً من حُجج أجداده الطاهرين على سائر الخلق من العامّة أجمعين، والردّ عليه في ما يقضيه بين الناس في اختلافاتهم ومنازعاتهم على حدّ الشرك بالله والإستخفاف بأوامره جلّت عظمته، ووجب على العامة ثني أعناقها إليه، والعكوف بقلوبها وأفئدتها عليه إلى أن يقول: ونلتمس منه أن يَسلك في قصائده وفتواه جادة الإحتياط إذ ليس بناكب عن الصراط من سلك طريق الإحتياط إلخ...».
نكتشف من هذه الجمل، أولاً: أنّ هذه الكلمات لاتقال من زميل لآخر، وإنما تكون بمثابة شهادة وترشيد، من الأستاذ الأعلى وهذا ما رأيته من شهادات تشبهها من الشيخ محمد طه نجف والشيخ الآخوند وشيخ الشريعة وغيرهم، بحق الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين. ثانياً: أن السيد محمد رضا يعتقد بمكانة متقدمة للفقيه العادل، وأن دوره ليس منحصراً في التبليغ الديني العام، من صلاة جماعة وإحياء المناسبات وتعليم الناس الأحكام، وإن كان هذا من صميم الدين، إلّا أنّ دور الفقيه هو أكبر وأعمق من هذا بكثير، حيث يرتبط بالمصالح الكبرى للمجتمع البشري. والشيء الثالث: أنّ هذه العبائر تكشف عن تمكّنه من اللغة الصحيحة المسبوكة، والتي كان لها دورها في تلك المرحلة التي كانت اللغة مستهدفة على صعيد منطقتنا.
عندما نعود إلى العبائر التي استخدمها السيد محمد رضا في مضامين رسائله إنْ ما كتبه حول العلامة الشيخ موسى شرارة أو ما أرسله كما قلنا حول السيد نجيب فضل الله وغيرهما، نجد أن السيد كان يرى موقعاً متقدماً للعالم الديني فهو ليس مجرّد واعظ ومرشد وإمام جماعة بل موقعه هو قيادة هذه الأمة وما على الأمة إلّا الإطاعة والإنصياع، وأعطاه موقع الرئاسة والنيابة والسفارة وهذا يُدلّل على مدى إدراك السيد فضل الله لهذه المكانة.
إذاً يمكن أن نلخّص شخصية السيد محمد رضا فضل الله من خلال كلماته أو أشعاره بأنه كان يُفكر في عملية إصلاح اللغة والنهضة الأدبية التي أطلقها من قبله العلامة الشيخ موسى أمين شرارة، الذي قال عنه السيد الأمين: «لقد راج سوق العلم والأدب في جبل عامل في عهد الشيخ موسى شرارة».
وهذا نتيجة الغزو الثقافي لمنطقتنا العربية والإسلامية، ولذا نجد في جبل عامل من برز في بدايات القرن الماضي وإلى أواسطه كالشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ضاهر والشيخ أسد الله صفا، وإن كان الذي سبقهم هو السيد محمد رضا فضل الله. وأستطيع القول أن قسماً من كلماته تحتاج إلى قاموس لتفسيرها رغم عذوبتها وقُربها من الذهن، فعلى سبيل المثال هذه بعض كلمات قالها في حق العلامة الشيخ موسى أمين شرارة: «وماذا عسى أنّي فيه أقول، إلّا أنّه مزج العلم بالحلم، والعفو بالقدرة، والجلالة بالهيبة، والوقار بالسكينة، والغنى بالعفّة، فكان قيد النواظر، ومهوى البصائر، مجالسة بالسيادة معمورة، وبالوقار من دون النية مغمورة، لا تطيشُ أحلامُه ولا تتشعّب أوهامه، لا يُخرجه الغضب عن جدّهِ، ولا الهزل عن حَدِّه صارم عند الشدائد والأناة، وعفو عند تزايد الجرم وتكاثر الهُناة، أصاب من المجد لُبابَهُ، ومن عنصر الكرم أطيبَهُ.. إلى أن يقول: نجمٌ عند تحيُّر الدليل، وبدرٌ لمن فقد النهج والسبيل، لكلامُهُ إحادةُ للفكرة وفيض الطبع، وإصابة حزّ المفصل كالسحر الحلال، والماء الزلال، وبرد الشراب، وبُردِ الثياب».
أمّا مرحلته السياسية فكانت من أعقد المراحل فهي بداية نهاية الحكم العثماني وقيام الحرب العالمية الأولى، وهذه الفترة كانت قاسية جداً على عموم الناس وخصوصاً على علماء الدين، فبيت السيد نفسه لم يسلم من السياسة التركية آنذاك، فأخوه السيد عبد الهادي حكم عليه الأتراك بالإعدام لأنّ عزة نفسه كانت تأبى عليه الإنصياع لأوامرهم.
في تلك المرحلة كان الناس بحاجة إلى المخلّص والمنقذ خصوصاً، فقد ساقوا الرجال إلى الحرب وأبقوا على الشيوخ والمرضى والنساء والأطفال، لهذا كانت المرحلة عصيبة على أهالي جبل عامل، ثم جاءت الحرب العالمية الأولى لتزيد الطين بلّة، وكانت مصيبة على الناس، وهنا يجب التوقف ـ بتقديري ـ على دور علماء جبل عامل الذي لم يَهن ولم يخف ولم يتراجع، فلم يقصّروا والوقت اليوم لا يتّسع لاستعراض حتى القليل مما فعلوا وقالوه.
وأمّا قصائده وأدبه: فلم يكن سماحة السيد محمد رضا هاوي شعرٍ يريد أن يملأ فراغه وملله، كما رأينا بعض الشعراء، وإنما هو شاعر محترف لغويّ أديب، يقصد بكل بيت معنى خاص، إمّا يريد أن يطلق موقفاً، أو يعترض على سياسة ما، أو يريد أن يؤرّخ لمناسبة وما شاكل، وقصائده الموجودة بين أيدينا، تُعرّف بهذا الشاعر الكبير المحترف والقاصد لما يريد.
فهناك قصيدة للإمام المهدي |، هي ليست مجرّد مدحٍ، أو ليكتب في سجلّ من نظم في الأئمة R، بقدر ما كان يريد من هذه القصيدة أن يثبت وجود الإمام Q، من خلال الأدلة التي ذكرها العلماء من الناحية العقلية والنقلية وممّا جاء في مطلعها:
أمتَّخذاً ظهر الدّجنة مركباً
ألا أقصر فداجي الليل مركبُه وعْر
أراك تلفُّ الحَزْن بالسّهل خابطاً
حذارك لا يودي بك المَهْمَه القفر
أقم ظالعاً وأربَعْ على الخسف وانتظر
بيسرك حتى يستبين لك الفجر
ولا تركبنْ نهجاً على غير خبرة
فما ضلّ سارٍ كان قائدَهُ الخبْر
ومن يركب الأخطار يهلكْ ومن سرى
بحَزْن الفلا أدمى مناسمَه العَثر
ومن قصيدة له في رثاء المقدّس الشيخ محمد حسن آل ياسين بقصيدة مطلعها:
أبني الزمان فلا لعاً لعِثار
من كلِّ نازلة وخطب جار
مذ أنشبت أيدي الرَّدى أظفارها
بأغرَّ أبلجَ كالشِّهاب الواري
وقضت عليه بالفناء فدونه
خطٌّ من البيداء نائي الدار
يا سادراً في الدَّهر يبغي منهلاً
صفواً من الأقذاء والأكدار
ومن قصيدة له في رثاء أستاذه المقدّس الشيخ موسى أمين شرارة:
خليليَّ هل ما فرَّق الدَّهر جامع
وهل فائتٌ في ما يؤمَّل راجع
وهل ينظم نوحا أسعداني على البكا
ولا تعذلاني في الذي أنا صانع
إلى أن قال:
أكفكف دمع العين ثمَّ أردُّه
إليها فطرف العين في القلب دامع
ونفسيَ قد طارت شعاعاً من الأسى
لزفرة همٍّ لم تسعها الأضالع
أهيمُ ولا أدري إلى أين أنثني
كأنَّي ضليلٌ في المهاجر ضائع
إلى أن قال:
فقدناك يا موسى ونحن على ظماً
ولا شرب إلا ورد حوضك ناقع
فقدناك فقدان الثَّرى وبلَ مُرنة
تجلَّت وفي أنوائها الرَّوضُ طامع
وهناك قصيدة للسيد محمد رضا يعزّي فيها العلامة السيد محسن الأمين بمناسبة وفاة إبن عمه السيد جواد، فيقول في مطلعها:
سكْرُ الشّباب وحرصُ الشّيب والأملُ
قد أشكلت عندها الغايات والسبل
كم مدلج سادر في فجّها فمضى
تهوي به في المهاوي الأينُق البُزُل
يمضي على الغيّ مفتوناً بزبرجها
عجلانَ أدنى سراه الوخدُ والرّمَل
أو طالب منهلاً يروي الغليل به
فآب ظمآن لم تبردْ له غلل
إلى أن يقول :
هذي مساعيك في العلياء قد بزغت
شمساً لها في ذرى آفاقها شُعَل
يسابق القول منك الفعل والعمل
طبعاً وحظُّ سواك القول لا العمل
لم نلفَ بين الورى للمجد مأثرة
إلا وبرجك في آفاقها الحمل
هذا نموذج من شعر العلامة الكبير السيد محمد رضا آل فضل الله الحسني، ومن يريد أن يعود إليه فقد جمعه السيد معروف محمد تقي فضل الله في كتاب أسماه (مجموعة القصائد والرسائل للعلامة فضل الله).
أردنا في هذه النشرة أن نُقدّم موجزاً عن هذه الشخصية الفذّة، بمناسبة إقامتنا للمؤتمر الفكري التاسع، حول هذه الشخصية المقدسّة، على أمل أن نترك البجث والتنقيب في أعمال هذا المؤتمر، المزمع إنعقاده في 6 أيلول 2014م في مسقط رأسه (عيناثا).
في الختام: بقي السيد محمد رضا في بلدة (قانا) مرشداً وواعظاً ومصلحاً، متجاوزاً القرية إلى جبل عامل، وإلى خارج حدود لبنان أحياناً.
حتى كان يوم العاشر من المحرم سنة 1336هـ الموافق سنة 1917م، وبينما هو يتلو مصرع سيد الشهداء الحسين Q، تأثّر كثيراً فسقط من على المنبر إلى الأرض وأصيب بنزيفٍ في الرأس أدّى إلى وفاته بعد أيام، وكان رحيله خسارة كبرى على جبل عامل وعلى عالمنا الإسلامي، فحزن عليه جبل عامل ومن سمع به وشيّع إلى مثواه الأخير تشييعاً مهيباً حيث ووري الثرى في جبّانة بلدة (قانا).
نظّمت جمعية الإمام الصادق Q
لإحياء التراث العلمائي ندوة فكرية
في ذكرى تغييب سماحة الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه وذلك في مركز الجمعية بلدة أنصار الجنوبية.
عالجت الندوة محورين:
المحور الأول «الإمام الصدر والتحديات المعاصرة الذي عالجه عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي، ومما جاء فيه: تحدّثنا أكثر من مرة عن الإمام السيد موسى الصدر، وأنه من جبل عامل، ويعود نسبه الشريف إلى العلامة السيد نور الدين علي الموسوي، أخ السيد محمد صاحب (المدارك)، نجل السيد علي الموسوي تلميذ وصهر الشهيد الثاني.
جده السيد محمد بن إبراهيم شرف الدين الموسوي، ترك (جباع) وسكن في قرية (شحور) كإمام لها، واستمرت العائلة فيها حتى كانت النكبة التي أصابت جبل عامل و(شحور) بالتحديد سنة 1783م على يد الزنيم الوالي العثماني أحمد باشا الجزار، مما اضطر السيد صالح نجل السيد محمد لمغادرة جبل عامل بعد هروبه من (السجن)، فكانت عائلة آل الصدر الموجودة في العراق وإيران اليوم هي من ذريته، بينما استمر بقية إخوته في جبل عامل، فكان آل شرف الدين، وآل هاشم، وآل أبو الحسن وغيرهم.
ولد الإمام الصدر في مدينة (قم المقدسة)، في بيت أحد كبار العلماء وهو آية الله السيد صدر الدين الصدر، ويُسمى صدر الدين الثاني وكان عالماً عارفاً زاهداً، وصاحب بصيرة، وأحد رواد التقريب بين المذاهب الإسلامية، حيث أوكلت إليه مهمّة جمع الأحاديث المشتركة الواردة عن رسول الله (ص)، من طرق السنة والشيعة، وبالفعل فقد صدر مجلدان في عهد دار التقريب، في القاهرة أواسط القرن الماضي.
السيد موسى نشأ في هذا البيت، وكان يمتلك من الذكاء والذهنية الوقّادة ما يُؤهّله ليلعب دوراً محورياً، جعله متمايزاً بين أقرانه ورفقائه.
ولا أنسى تلك الكلمة التي قالها لي أستاذنا العلامة الشيخ علي الأحمدي سنة 1981م أنّهم كانوا في مجلس درس آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبيكاني، وكان في الدرس العديد من الشخصيات العلمية التي تصدّى بعضها للمرجعية، والبعض الآخر لقيادة الثورة الإسلامية، إلّا أن اللافت في الدرس كان: السيد موسى الصدر والسيد بهشتي حيث كانا مُتميزين عن بقية الحضور.
كذلك ينقل آية الله الشيخ ناصر مكارم شيرازي، زميل هؤلاء في درس السيد الكلبيكاني يقول: «في تلك المرحلة كانت تحديات كبيرة تواجهنا، ففي ذلك الزمن كان هناك نشاط حيوي لليسار في إيران، وكانوا يسيؤون للدين، حتى أنهم أصدروا كتاباً تحت عنوان (حراس السحر والشعوذة) ويقصدون بهم علماء الدين. ويضيف الشيخ ناصر مكارم قائلاً: اجتمعنا مع السيد موسى والسيد بهشتي وبقية الزملاء، وقرّرنا المواجهة، والحق أقول أنّ السيد موسى في هذه الإجتماعات كان كالنجم يتلألأ، وتمكنا من تطوير هذا النشاط، ونشرنا العديد من الكتب ضد اليسار».
هنا نجد أن الإمام الصدر إنفرد عن المجموعة ليبدأ تنفيذ استراتيجيته التي كان يُخطط لها، الإنطلاقة كانت من مدينة (قم) عاصمة العلم في إيران، ومركز القرار في الحوزة العلمية، كان لا بُد من التفكير الجدّي بطرق مواجهة تلك التحديات، فهناك فصول للمؤامرة كانت تستهدف إيران والمنطقة، ولم تتوقف في يوم من الأيام لكن كانت الحوزة العلمية تواجه كلّ هذه الفصول، سواء مواجهة العهد القاجاري، وما رافقه من حركة المشروطة التي قادها المحقق الشيخ محمد كاظم الخراساني (الشيخ الآخوند)، أو حركة مواجهة الشاه القاجاري للحد من الغزو البريطاني التي قادها آية الله المجدّد السيد الشيرازي، إلى الحرب العالمية الثانية، التي أطاحت بالعثمانيّين في المنطقة وما رافقها من تداعيات أدّت إلى قيام الإحتلالين البريطاني والفرنسي للعراق وفلسطين ولبنان وسوريا. وما رافق هذا الإحتلال من نهضة تبشيرية متصهينة مدعومة من اليسار المنحرف ومنافقوا الداخل، كان هدفها دعم هذا الإحتلال ومواجهة مراكز القوى التي تمتلك قدرة التأثير، وهم علماء الدين، لذلك بذلوا جهوداً جبارة في سبيل تشويه ذهنية الناس، من خلال تحميل العلماء مسؤولية ما حدث، من حروب وفتن وفقر وأمية واحتلالات، واستمرت هذه الحركة إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، هنا كان لا بدّ من المواجهة لهؤلاء ولكن بطريقة ذكية تحمل نفس الأسلوب والطرق، هذه المواجهة تحتاج إلى قيادة إستثنائية وإلى ذكاء خاص، في تلك المرحلة برزت ثورة الإمام الخميني {، وكان لا بد له من أجنحة يطير بها، وكان أحد الأجنحة الأساسية هو الإمام السيد موسى الصدر الذي كان يُدرك خطر تلك المرحلة، فهناك الدولة الإسرائيلية التي سوف تجتاح المنطقة، وهناك الخطر الآخر أو الوجه الآخر للمشروع الصهيوني هو: المنهج التكفيري، الذي صنعه البريطانيون، كما صنعوا دولة إسرائيل، ليكون المنهج التكفيري هو العنصر المساعد المفتّت لوحدة الأمة بإسم الإسلام وبشعارات المسلمين.
كان يُدرك أصحاب هذا المشروع الصهيوني، أن الأمة سوف تتوحّد في مواجهة هذا العدو الغاصب لفلسطين، ولذلك عمدوا إلى حمايته بحزام من الأنظمة العميلة، أو عبر إنشاء وتمويل الحركات ذات المنهج التكفيري.
لذلك كان الإمام الصدر ومن معه في تلك المرحلة يعملون طبق هذه الرؤية، ويخططون للمواجهة، ولهذا لم يبق في الحوزة العلمية، ليكون في مقام التصدّي للمرجعية، ولم يذهب إلى التفرغ للتصنيف، بل كان يدرك حجم المخاطر التي تمر بها المنطقة، وأن الوقت لم يعد يتّسع للإسترخاء، لا بُدّ من المواجهة، هذا ما قاله وهذا ما فعله، فكانت النتيجة، هو ما شاهدناه من انتصارات كبرى على العدو الإسرائيلي. كما عمل على حصر المواجهة بهذا العدو، لتكون القضية الفلسطينية هي القضية المركزية التي يجب على الأمة أن تتّحد حولها، وأن يبقى العدو الأساسي هو العدو الإسرائيلي، من دون إغفال المنهج التكفيري، والذي أيضاً شهدنا مشروع مواجهته في (القصير والقلمون والغوطة) وبعض المناطق الأخرى ولولا الإمام الصدر والمشروع الذي أسّسه في لبنان لما كنا نحن اليوم بهذا الحجم وبهذه القوة، التي لم تُشكّل فقط حماية للبنان، وإنما هذه المواجهة في تلك المناطق حققت إنجازين، الأول: جعل القضية الفلسطينية قضية حيَّة خارج دائرة الصراع الداخلي، وهذا ما نشاهده في غزة اليوم.
والثاني: حماية المنطقة كلها من السقوط بما فيها الأنظمة الداعمة والراعية والتي لا زالت تفتح حدودها وتموّل هذه المجموعات الهمجية، ظناً منها أنها ستكون بمنأى عن تداعياتها وعن همجيتها فيما لو تمكنت من السيطرة على سوريا.
في الختام أصحاب الفكر التكفيري الذين يستغلون المصالح الإسرائيلية والأمريكية، في منطقة الشرق الأوسط، هم يُدركون جيداً، أن لا قيام لدولتهم المزعومة، إلّا من خلال عودة العاصمة الأموية مجدداً إليهم وهي (دمشق)، وهذا ما منعنا حدوثه، كما حرمناهم من قيام الدولة التي لو قدّر لها أن تنجح سوف لن يبقى إسلام، وسيعمّ البلاء العالم، وهذا يتناقض مع قوله تعالى «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون»[1]، لكون حفظ الرسالة تكون عبر الشرفاء من هذه الأمّة، وعندما تتخلّى الأمة عن دورها، (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)[2].
المحور الثاني «الإمام الصدر والدور الفاعل (ما بين مرحلة الإمام شرف الدين والإنتصارات الكبرى على العدو الإسرائيلي)»، عالجه عضو هيئة الرئاسة في حركة أمل الدكتور خليل حمدان وممّا جاء فيها:
أولاً: أود أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى جمعية الإمام الصادق Q لإحياء التراث العلمائي بشخص رئيسها سماحة الأخ العلامة الشيخ حسن بغدادي.
وأظن أنّ الحديث عن دور كل من الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين والإمام المغيب السيد موسى الصدر في بلادنا وبشكل خاص في مواجهة تحديات العدو الإسرائيلي وأطماع المستعمرين، وصولاً إلى الإنتصار الكبير عام 2006 م بحاجة لكثير من مثل هذه اللقاءات الفكرية والثقافية التي تثري الموضوع وتفسح المجال لحلقات الحوار والنقاش، لأننا أمام عالمين كبيرين عظيمين ذاع صيتهما وعلا صوتهما عبر التاريخ.
فلا يمكننا التحدث بعجلة عن الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين، ولا نستطيع أيضاً أن نوجز باختصار كبير سيرة أو مقدمات أو بعض من نضالات الإمام المغيب السيد موسى الصدر، ولكن يبقى ما تختزنونه من معلومات وأفكار حول هذين العالمين ما قد يكفينا مؤونة البحث الطويل في هذا الإطار.
الإمام السيد موسى الصدر والإمام السيد عبد الحسين شرف الدين تربطهما علاقة السبب وعلاقة النسب، كما تحدث مولانا سماحة الشيخ حسن في كلمته حيث بدأ الحديث عن آل الصدر من إبن السيد صالح شرف الدين الذي قتل إبنه هبة الدين أمام ناظريه أيام أحمد باشا الجزار وبالتالي في رحلة العذاب من السجن إلى العراق إلى ما هنالك. وعائلة الصدر معروفة بعطائها العلمي و نسبها الذي يرتفع أكثر فأكثر في عملية العطاء الذي لم ينقطع حتى هذه اللحظة من السيد صالح شرف الدين إلى السيد صدر الدين إلى السيد إسماعيل إلى السيد صدر الدين وصولاً إلى الإمام المغيب السيد موسى الصدر.
في الحقيقة هناك مرحلة صعبة للغاية، وهناك مرحلة من حالة التشكيك التي عاشتها الأمة في تلك المرحلة خاصة بعد استشهاد القائد الكبير عز الدين القسام والشيخ محمد أبو طير وسواهما، ومنذ تلك الفترة بدأنا في الحديث عن الأمة القلقة التي تبحث عن مخارج وعن عملية أسباب النهوض.
أولاً: أريد أن أسلط بعض الضوء على تلك الحقبة وكيف أن هذه الأمة كانت مفرّقة لا يجمعها شيء حتى مع مرارة الإحتلال الصهيوني وتحدياته لأن الكارثة لم تقع عام 1948م، بل أُسّس لها منذ فترة طويلة، لكن العلاج كان يحتاج إلى قيادات وإلى إمكانيات فاعلة وعظيمة جداً. ومن يطلع على مذكرات جامعة الدول العربية في تلك الفترة يجد رسالة من القائد عبد القادر الحسيني موجهة إلى جامعة الدول العربية عام 1948م، يوم معركة القسطل الذي شهد انتصارات لعبد القادر الحسيني، يقول فيها: « لقد تركتم جنودي في عز إنتصاراتهم دون عون أو سلاح إنّي أحمّلكم المسؤولية».
فهنا نرى أنّ الإستعدادات للعطاء والتضحية والشهادة كانت موجودة ولكن لم يكن هناك قرار حقيقي داعم لهذا التوجه ولهذه الرؤيا بل بالعكس كان هناك اتجاه لمحو الذاكرة وكان هناك محاولة لتغييب هذه الأمة عن دورها الكامل، فلذلك أُقصي عن واجهة الصراع كل من يقول: بمواجهة العدو الصهيوني وعصابات الهاغانا وسواها من العصابات التي كانت تعمل على تهجير الفلسطينيين، وكان هناك الدعم للذين يقولون أنهم من العقلاء الذين لا يتهورون في مواجهة العدو الصهيوني حسب ما يسمونه، وهذا الأمر أدى إلى كارثة كبيرة حقيقية وصلت بنا إلى كارثة عام 1948م.
نحن لا زلنا حتى هذه اللحظة مدينون للإمام السيد موسى الصدر، مدينون للسيد عبد الحسين شرف الدين في مسيرة المقاومة التي باتت منذ تلك الفترة خلفية فكرية صالحة لمواجهة الأعداء وعملية ميدانية في إعداد القتال والتدريب وفي إعداد المواجهة أيضاً.
من هنا الظروف التي اقتضت طرح هذه المقاومة بقوة وفاعلية لازالت قائمة حتى هذه اللحظة خاصة وأن العدو الصهيوني يزداد شراسةً، وأمّا الرأي العام العالمي لا يزال يتراجع أكثر فأكثر عن دعم قضايا الحق، وبالتالي ها هي الولايات المتحدة الأمريكية تطلق الإرهاب على كل من يطالب بحقه وعلى كل من يواجه المشروع الإسرائيلي أما الذي يتنازل ويتواءم مع السياسة الأمريكية والصهيونية فهو من عداد الناس الحضاريّين الذين يلتزمون بالقانون الدولي حسب الفهم الأمريكي والفهم الإسرائيلي.
أمّا اليوم نحن معنيون تماماً بحفظ هذه القضية، بحفظ دماء الشهداء، معنيون باستمرار هذه المقاومة وهناك قاعدة ماسيّة لن نمل في الحديث عنها ولن نتراجع ولو كان في الكلام تكرار (الجيش والشعب والمقاومة) هم من الميزات الأساسية والعلامات الفارقة لهذه المرحلة، المرحلة التي تؤكد على استمرارنا في نهج الإنتصار وفي نهج حفظ الوطن.
إن قيامة هذا الوطن وعملية النهوض الوطني لا يمكن أن تستيقظ بدون الدفاع عن هذه الأرض وأن الذي يستهدف وحدتنا الوطنية ويستهدف الأرض ويستهدف الإنسان ويستهدف العيش المشترك هو العدو الصهيوني.
إعلموا تماماً أن العيش الإسلامي المسيحي هو في الحقيقة كما رآه السيد موسى الصدر شوكة في عين الصهاينة لأن العدو الصهيوني الذي يقوم في رؤيته لدولته المزعومة على العنصرية التي لا يمكن له أن يرى بالقرب منها بعض الناس يتعايشون في دولة فيها العيش مشترك بين المسلمين والمسيحيّين حيث تتعايش وتلتقي المذاهب الإسلامية (السنة، الشيعة، الدروز) والغير إسلامية كالمسيحيّة مثلاً على مختلف مذاهبهم ويلتقون في بوتقة واحدة ضمن رؤية وطنية شعارها الوحدة الوطنية ومواجهة المشروع الإسرائيلي ومواجهة العملية الصهيونية.
نحن أمام حالة كئيبة جداً، لا يكاد الإنسان يتصور مدى فداحتها ولا نستطيع أن نبصر عمق الأزمة من خلال الممارسات الداعشية وغيرها التي شوَّهت حقيقة الإسلام وحقيقة الدين، وبالتالي كل الذين يعملون على إثارة النعرات المذهبية والطائفية هم لا علاقة لهم بالمقاومة ولا علاقة لهم بفلسطين.
في الختام نعود لكي نؤكد أنّ فلسطين هي المكون الجمعي للعرب والمسلمين جميعاً وهي خيط السُبحة، فبقدر ما نقترب من فلسطين بقدر ما نقترب من خيارات المقاومة في وجه العدو الإسرائيلي، بقدر ما نجد أجواء التضامن والتوحد والرؤيا وبقدر ما نبتعد عن القضية المركزية والأساسية قضية فلسطين، بقدر ما نجد حالة الشرذمة وحالة التراخي وحالة التراجع.
نحن نعيش في ظروف صعبة ومعقدة، أمة قيد التصفية، أوطان تحت تأثير الحرائق المندلعة هنا وهناك، عواصف تجتاح المناطق، وتموج بمنطقتنا بالأحداث الجسام، وبالتالي نعيش على صفيح ساخن، وما يمكن أن يخلصنا مما نحن فيه هو اعتماد رؤية حقيقة واضحة لتصحيح البوصلة من خلال إعادة التأكيد على الخيارات الأساسية وعلى أن المقاومة تحقّق انتصارنا جميعاً و بالمحافظة على وحدة الموقف حول فلسطين ودعم المقاومة وتعزيزها وأظن لذلك أخفي الإمام السيد موسى الصدر، لأنه يمتلك رؤية وحدوية، ويمتلك رؤية باتجاه تحرير الأرض والإنسان، ولأنه يعتقد أن القدس هي قبلتنا ومعراج رسالتنا وهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
قدّم للندوة الشيخ عادل التركي، وحضرها علماء دين من مختلف المناطق وقضاة ومفتون، كما حضر عضو المجلس السياسي في حزب الله الشيخ محمد كوثراني، وعضو هيئة الرئاسة في حركة أمل د- الحاج خليل حمدان، وعضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ حسن بغدادي، والعديد من مسؤولي حركة أمل يتقدّمهم الحاج أبو أحمد صفاوي، مضافاً لفعاليات بلدية وإجتماعية وثقافية.
تنظّم جمعية الإمام الصادق Q لإحياء التراث العلمائي
مؤتمراً فكرياً حول شخصية العالم الربّاني السيد محمد رضا آل فضل الله الحسني
وذلك نهار السبت في 6 أيلول 2014 م، الساعة الرابعة عصراً، في قاعة الإنتصار لبلدة (عيناثا) الجنوبية.
برنامج إفتتاحية المؤتمر على الشكل التالي:
- قرآن كريم
- كلمة الجهة المنظمة يلقيها عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي
- كلمة رئيس جامعة المذاهب الإسلامية في إيران سماحة الشيخ أحمد مبلغي
- كلمة مستشار رئيس الوزراء العراقي سماحة الشيخ عبد الحليم الزهيري
- كلمة رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين
- يتابع المؤتمر أعماله بعد نهاية الجلسة الإفتتاحية مباشرة في نفس المكان، حيث ستتخلّل الجلستين المقرّرتين مناقشة في فكر العلّامة السيد محمد رضا فضل الله.
وسيتحدّث في الجلستين رئيس جامعة المذاهب الإسلامية الشيخ أحمد مبلّغي، والوزير السابق د. طراد حمادة، وعميد كلية الآداب في الجامعة الإسلامية د. أحمد حطيط، مضافاً للأستاذ الدكتور سالم المعوش.
تنظّم جمعية الإمام الصادق Q لإحياء التراث العلمائي إحتفالاً تكريمياً لصاحبي السماحة الشيخ حسين الخطيب وإبن عمه الشيخ إبراهيم الخطيب، وذلك في بلدة (تمنين التحتا) البقاعية، نهار السبت الواقع في 13/أيلول/2014م، الساعة الخامسة والنصف عصراً.
إلتقى م. الملف في مركز الجمعية شخصيات علمائية وفكرية من لبنان وخارجه، وتمَّ التداول فيما يخصّ الأوضاع العامة التي تعيشها المنطقة، وضرورة تفعيل إحياء تراثنا الشيعي.
أقامت جمعية الإمام الصادق Q في مقرّها بلدة (أنصار) مجلس عزاء حسيني عن روح المرحوم سماحة الشيخ موسى عاصي، الذي قضى في حادث مؤسف، وهو في عزّ عطائه وجهاده.
إنه العلامة السيد محمد رضا فضل الله الحسني
(العيناثي) الفقيه والأديب وصاحب الكرامات.
فقد ولد هذا العالم الجليل في بلدة (عيناثا) من جبل عامل سنة 1864م، وتوفي في بلدة (قانا) من جبل عامل سنة 1917م، وكان عالماً جليلاً فاضلاً شاعراً أديباً، عرفته الحوزات العلمية والمحافل الأدبية، وكان له حضور ومشاركات.
عُرف السيد محمد رضا بالزهد والتقوى والإخلاص وحبّه لسيد الشهداء الحسين Q، حتى أن وفاته كانت بسبب تأثّره بمصرع سيد الشهداء يوم العاشر من المحرم لعام 1336هـ، فسقط عن المنبر الشريف وأصيب بنزيف في الرأس أدّى إلى وفاته بعد أيام.
تزوّج من آل (صليبي) من فتاة إسمها (تماضر)، رغم تفاوت السن، والسبب أنّ أمها كان أطفالها يموتون والسيد دعا لهذه الطفلة، فنذرت أمها إن عاشت وبلغت سنَّ الرُشد أن تزوّجها من السيد محمد رضا، وبعد أخذٍ ورد تمّ الزواج وكان لها من العمر 14سنة وكانت عالمة فاضلة وشاعرة وقارئة عزاء. وهناك أمور كثيرة قالها السيد لها، سنذكرها في حينها لكن ما يهمّنا هنا هو أنّه أخبرها عن مرضها وموتها وأمور أخرى، وقال لها “بعد موتك بمدة قصيرة سوف ينهض رجلٌ مرجع من إيران يكون في المنفى إسمه السيد الإمام الخميني { بثورة في إيران ويُسقط الشاه، وسوف تمهّد هذه الثور لظهور الإمام صاحب العصر والزمان Q”.
وكانت الحاجة (تماضر) تحدث إبنتها الحاجة سعاد المؤمنة العابدة وأحفادها بهذا الموضوع، وكانت كثيرة الذكر للإمام الخميني{، وتقول لأحفادها من سار معه نجا، فهو على حق. وقد توفيت سنة 1976م أي قبل الثورة الإسلامية بثلاث سنوات.