1-8 copy.psd

مناسبات الشهر

(بطاقة عالم)

العلامة الفقيه الشيخ موسى أمين شرارة {

من علماء القرن الثالث عشر هـ، ومن المؤسسّين للنهضة العلمية الثانية، في جبل عامل، بعد النكبة التي أصابته على يد العثمانيين في أواخر القرن الثاني عشر (1195هـ الموافق 1781م).

السنوات السابعة والثلاثون التي عاشها كانت مليئة بالعلم والمعرفة والصلاح.

غادر جبل عامل إلى النجف الأشرف، وهو أحد فضلائه، بعد أن درس القوانيين في الأصول على العلامة الشيخ مهدي شمس الدين، الذي كان قد درس على الشيخ عبد الله نعمة في (جُباع).

وفي النجف الأشرف وخلال فترة وجيزة، استطاع الشيخ موسى أن يصبح أحد أساتذة البحث الخارج، إلى جنب كبير الفقهاء المقدس الشيخ محمد طه نجف، في الوقت الذي لا يتجرأ أحد أن يتصدى لهذا الموقع في هذا السّن المبكر.

أّصيب الشيخ موسى بعارض صحي في النجف الأشرف، اضطره للعودة إلى جبل عامل سنة 2981هـ، فسكن بنت جبيل لمدة ست سنوات، وشيّد فيها مدرسة دينية انضم إليها الكثير من الطلاب الذين صار بعضهم من العلماء الفضلاء في وقت لاحق ، كالسيد نجيب فضل الله، والسيد محمد رضا فضل الله، والشيخ حسين مغنية، والسيد محسن الأمين والشيخ موسى مغنية وغيرهم.

كما أطلق مشروع إصلاح المنبر الحسيني، وأدخل على المجالس الحسينية الأدب والشعر وكلمات العلماء الهادفة، وعمل على إعادة إحياء حركة الشعر والأدب في جبل عامل عبر المجالس الأدبية، وينقل حفيده الشيخ موسى شرارة في الهرمل، عن السيد محسن الأمين أنه قال له: إنّ ما قام به جدك الشيخ موسى شرارة في بنت جبيل وجبل عامل، خلال ست سنوات من إصلاحات علمية وفكرية، نحن نحتاج للقيام به إلى ستين سنة.

توفي الشيخ موسى شرارة ليلة الخميس قرابة الفجر في 11/ شعبان/1304هـ، ودفن في بنت جبيل.

السنة الثالثة العدد الثلاثون حزيران/2014م شعبان/1435هـ

3alem.jpg

لاستفساراتكم واقتراحاتكم يرجى التواصل على العنوان التالي:

toorath@hotmail.com

70 - 61 68 08

شخصية العدد

العلامة الشيخ

إبراهيم الخطيب {

الشيخ إبراهيم بن الشيخ أحمد بن إبراهيم، بن الشيخ جواد، بن الشيخ إبراهيم الخطيب، ولدفي قرية (تمنين التحتا) من البقاع وذلك سنة 1912م من عائلة علمية عُرفت بحضورها العلمي وبعملها الجاد، وكان البعض منهم أصحاب كرامات.

آل الخطيب من العوائل العلمية التي ساهمت في إعادة الحياة العلمية إلى البقاع، وكان لهم دور في نموّ هذا الحضور العملي، سواء في النهضة العلمية الأولى التي استمرت إلى أواخر القرن الثاني عشر، ثم كانت النكبة على يد العثمانيين، عبر زنيمهم أحمد باشا الجزار (1195هـ الموافق 1781م)، وبعد هلاك هذا الطاغية (1219هـ الموافق 1804م)عادت الحياة العلمية مجدداً إلى جبل عامل وعلى امتداد مساحة لبنان، وكان للبقاع نصيب من هذا الحضور العلمي، وإن كان القسم الأكبر من هؤلاء الأعلام لم يعمل على تشييد مدارس علمية، سوى القليل منهم، كالشيخ حسين زغيب في قرية (يونين)، المعروف (بشمس العراقين)، حيث كان{ من أوائل من عمل على النهضة العلمية الثانية، بعد أن درس على العلامة السيد علي إبراهيم الحسيني في (كوثرية السياد) و كما قرأ في النجف الأشرف على أساطينها وفي مقدمتهم أستاذ الفقهاء الشيخ مرتضى الأنصاري، ثم عاد إلى بلدته (يونين) وأسسّ مدرسةً علميةً خرّجت العديد من الفضلاء، واستمرت أكثر من عشرين سنة حتى رحيله سنة 1877م الموافق 1294هـ.

و بعدها كانت مدرسة العلامة السيد جواد مرتضى، الذي قَدِمَ من (عيتا الجبل) وسكن بعلبك أكثر من عشرين سنة، قدّم خلالها مساهماتٍ جليلةٍ على صعيد طلاب العلوم الدينية، كما أعاد بناء الجامع المعروف (بجامع النهر) وعمل في التبليغ الديني والإصلاح الإجتماعي، وعاد إلى بلاده وتوفي في (عيتا الجبل) سنة 1922م

وبلا شك فإن علماء البقاع الذين انتشروا في القرى كان لهم دورهم في الإبقاء على الحياة العلمية واستمرار النهضة الفكرية في الأدب والشعر واللغة، والذي يؤكد ذلك علماء آل الخطيب الذين لم ينقطعوا عن التواصل العلمي طوال الأزمنة المختلفة، وهذا ما نلاحظه من خلال توارث الأبناء عن الآباء هذا الحضور العلمي في فترات مختلفة، ففي سنة 1215هـ كان الشيخ إبراهيم الكبيروأخوه الشيخ محمد تقي من أهل الفضل و المعرفة، وللشيخ إبراهيم مخطوطة بخط يده عن كتاب كفاية الفقه للسبزواري. وأنجب الشيخ إبراهيم الشيخ جواد، وأنجب الشيخ محمد تقي الشيخ خليل، حيث درسا في جبل عامل على بعض أساطينه.

الشيخ إبراهيم الخطيب الحفيد هو نجل الشيخ أحمد، المعروف بزهده وتقاه، وهو صاحب كرامة تتناقلها الناس في البقاع، وأنا سمعتها من أشخاص مختلفين، و الناس في المنطقة يحترمون كثيراً هذاالشيخ الجليل الذي توفي في بلدة (تمنين التحتا) سنة 1936م.

درس الشيخ إبراهيم المقدمات على والده الشيخ أحمد، وكان لدية رغبة شديدة بالتوجه إلى النجف الأشرف، كونها تُشكّل الحاضرة العلمية المركزية في تلك المرحلة، وإن كان السفر فيه من المشقة ما قد تصل إلى حدود ما لا يُطاق، خصوصاً لأهالي تلك المنطقة، لكن الإصرار على تحصيل العلم، جعلهم يتجاوزون كلّ العقبات، وتذليل الصعاب مُتمثلين قول الشاعر

لأستسهلّن الصعّب أو أدرك المنى

فما انقادت الآمال إلا لصابر

غادر الشيخ إبراهيم (تمنين التحتا) برفقة عمه الشيخ صادق الخطيب سنة 1344هـ أي قبل 93 سنة، وكان القرار أن يواجه تلك الحياة المعقدّة والشاقة، فالصيف حره لايُطاق، والشتاء برده لايُقاوم، ووسائل التبريد والتدفئة غير متوفرة، سوى من الوسائل الطبيعية كالسرداب الذي ربما حفروا فيه طابقين تحت الأرض بهندسة عجيبة، وكنا نسمع في النجف عندما كان يأتي بعض المهندسين من الخارج لزيارة النجف، ثم يشاهدون هذا البناء والسرداب العميق، ومّما زاد في دهشتهم، عندما رأو ذلك البناء دون أساسات يُعتمد عليها، فكانوا يُرجعون بقاءها وعدم سقوطها على رؤوس أصحابها، إلى بركة وجود أمير المؤمنينQ.

هذه الحياة الشاقة التي يُلامس فيها الطلبة حَدّ الجوع، والمرارات التي لا تُطاق، كانت كلها تتلاشى أمام عظمة وهيبة ذلك المقام الشامخ للإمام علي Q، وهو إمام الزُهّاد والعُباد، الذي لا يريد لطلاب العلم أن يعيشوا الرفاهية في حياتهم، لهذا لم يمدّ يد العون لهم في شؤونهم المادية، وإنما كان الحاضن والمساعد لمن يرى فيه أهليّة أن يكون من أهل العلم، وهذا الفيض كان يراه ويشعر به كل من حاز على رتبة السعادة.

هذه اللذة اعتبارية لا يمكن وصفها ولا نقلها لأحد، يشعر بها صاحبها فقط ثم تظهر بركاتها في المجتمع لاحقاً.

بقي الشيخ إبراهيم الخطيب في النجف ستة عشر سنة، قضاها بالدرس والتحصيل والرّقي في عالم الكمال والمعرفة، وكانت دراسته قد مرّت بمرحلتين:

الأولى: مرحلة السطوح، وهي المكاسب في الفقه، والرسائل في الأصول للشيخ مرتضى الأنصاري، وكفاية الأصول للشيخ محمد كاظم الخراساني.

فقد درس هذه الكتب على العديد من الفضلاء منهم الشيخ محمد علي صندوق الشامي.

أما البحث الخارج: فحضره على الشيخ عبد الكريم الجزائري، والشيخ محمد علي الكاظمي، والمرجع المعروف السيد أبو الحسن الأصفهاني، الذي تربطه بعلماء لبنان علاقة وثيقة بهم، وكان{ وقبل وفاته بمدة قليلة زار بعلبك، ونزل ضيفاً على الشيخ حبيب آل إبراهيم، وكان الشيخ حبيب وكيله في العراق حيث بقي عشر سنوات في منطقة الجنوب في العراق، قبل أن يعود إلى لبنان ويسكن (بعلبك)، وكان يرى السيد أبو الحسن الأصفهاني الأهليّة الكاملة لعلماء لبنان بالقيام بالمهام الدينية والإجتماعية في مختلف الساحات، وهذه ميزة تُسجل لعلمائنا الأبرار، أنهم يمتلكون قدرة التبليغ الديني في خارج مناطقهم ويستطيعون التكيّفَ بكل الأوضاع، ولرّبما لا تجد هذه الميزة عند الآخرين لذلك كان يرى السيد أبو الحسن الأصفهاني لهم هذه الميزة، هذا ناهيك عن تحصيلهم العلمي وإخلاصهم، وتحمّلهم للمسؤولية، وهذا ماقاله{ للعلامة الشيخ موسى شرارة (مفتي الهرمل):

« أنتم علماء لبنان الأقدر على تبليغ الأحكام الشرعية والناس بحاجة إليكم، وهم لايتحمّلون الأحكام دفعةً واحدة، يحتاجون إلى مراعاة وأنتم الأقدر على تفهيم الناس أحكام دينهم، والأصعب من هذا هو ذهابهم إلى إيران للتبليغ الديني، ونجاحهم الباهر، سوء في عهد الدولة الصفوية أو في المراحل المختلفة «.

وفي سنة 1358هـ أي قبل 77 سنة، عاد الشيخ إبراهيم الخطيب إلى بلدته (تمنين التحتا) تاركاً النجف الأشرف لا عن زهد فيها ورغبة عنها، وإنما تكليفه الشرعي كان يفرض عليه أن يرجع إلى بلاده، ليعلّم الناس الأحكام الشرعية ويقوم بالواجب الديني والإجتماعي، حاملاً معه بعض الإجازات التي يعتز بها من المرجع السيد أبو الحسن الأصفهاني ومن الشيخ عبد الكريم الجزائري.

ومما جاء في إجازة السيد أبو الحسن الأصفهاني{:

« وممّن تصدّى لتحصيل طلب العلم هو جناب العالم العامل والفاضل الكامل التقي الزكي عماد الأعلام وملاذ الإسلام، قُرّة عيني المُعظّم، الشيخ إبراهيم نجل المرحوم العامل الفاضل الشيخ أحمد الخطيب البعلبكي أيده الله تعالى.

فإنه قد اشتغل شطراً وافياً من دهره في تحصيل الأحكام الشرعية والمعارف الإلهية، وقد جدّ واجتهد وحضر على جملة من الجهابذة الأساطين لدراسة الفقه والأصول، حضور تَفهّم وتدقيق، حتّى نال مُناه، وبلغ مرتبةً ساميةً من العلم والفضل والسداد، مقرونة بالصلاح والرشاد، فلله تعالى درّه، وعليه سبحانه أجره، وكثر في العلماء العامليين أمثاله.. إلى أن قال: وحيثُ أنه استجازني ورأيته أهلاً لذلك، فله العمل فيما لا يجوز العمل به إلا للمجتهدين الخ».

وهناك شهادة أخرى من الشيخ عبد الكريم الجزائري، بتاريخ 18 رمضان 1357هـ، وفيها مايلي نصه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي فضل العلماء وجعل مدادهم كلام الشهداء وصلى الله على سيد رسله وأتباعه محمد وعلى آله الطاهرين. وبعد، فإنّ جناب العالم العامل التقي النقي العلامة الشيخ إبراهيم نجل المرحوم العلامة الشيخ أحمد الخطيب البعلبكي أيده الله تعالى ونفع به الإسلام والمسلمين، قد جدّ واجتهد في تحصيل العلوم الدينية ومعرفة الأحكام الشرعية، وحضر برهة من الزمن على أكابر علماء النجف لدراسة الفقه والأصول، وبحمد الله تعالى قد نال المراتب السامية والملكة العالية فهو من العلماء الذين ينتفع بعلمهم وبإرشادهم فله العمل بما لايجوز العمل به إلا للمجتهدين، فعلى العوام أن يمتثلوا أوامره الإرشادية وبياناته الشرعية، أيد الله به الشريعة وجعله ملاذاً للشيعة إن شاء الله تعالى».

بعد أن استقر المقام بالشيخ إبراهيم الخطيب في بلدته (تمنين التحتا) كان لابد من القيام بعدة خطوات:

الخطوة الأولى: التبليغ الديني، وهذا وإن كان أمراً بديهياً يشترك فيه جميع العلماء، إلا أن قوة الحضور والتأثير، قد تختلف من عالم إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، وهذا يرتبط أيضاً بقوة حضور هذا العالم وبامتلاكه قدرة التأثير من خلال سلوكه وشخصيته وأسلوبه، وإلاّ فالعناوين واحدة يشترك فيها الجميع، الصلاة جماعة، الصلاة على الأموات، عقد القران، إحياء المناسبات الدينية، تعليم الناس الأحكام الشرعية، هذه العناوين تشكل قوة التفاعل بين الناس وعالم الدين، وهي مرتبطة بحضوره الدائم وسلوكه المميّز وأسلوبه الجذاب، وخصوصاً في منطقة البقاع التي كانت تعاني حالة شح من وجود العلماء، ولهذا كانت تستضيف علماء من خارج المنطقة، كالسيد جواد مرتضى من (عيتا الجبل)، والشيخ حبيب آل إبراهيم من (حناويه)، والشيخ موسى شرارة من (بنت جبيل).

الخطوة الثانية: الإصلاح وحل الخصومات، وهذه أيضاً كانت من مهام جميع العلماء، إلا أنّ الناس كانت ولا زالت تفضل البعض على الأخر لذلك الإصلاح، وحلّ الخصومات يحتاج إلى شروط، فلا يكفي أن يكون عالماً على الصعيد الفقهي، بل يجب أن تتوفّر فيه القدرة على تشخيص المشكلة، والقدرة على إيجاد الحل لها، والأهم هو قبول الناس بحكمه، لذلك، العالم الأكثر تأثيراً في مجتمعه هو الأكثر قدرة على إصلاح شؤونها وذات بينها وحلّ مشاكلها.

والذي ساعد الشيخ إبراهيم على هذه المهمة هو تصدّيه لمنصب (القضاء الجعفري)، فقد عُين سنة 1958م قاضياً في زحلة واستمر إلى حين وفاته، ولم يستعمل الشيخ إبراهيم منصب القضاء لجمع المال واستعداء الناس كما يفعل البعض اليوم، وهذا مرتبط بالعلم والدين، وعندما يُصاب المرء بقلة الدين والعلم، سوف يصبح هذا المنصب المقدس، مجرد وظيفة للعيش وللتكبر على الناس، فيستعديهم بلا سبب ويخسر مودتهم عن جهل، ويصبح كلّ همه هو جمع المال والوجاهة، وهذه الأمراض كان علماؤنا بعيدين عنها بسبب كثرة علمهم وقوة دينهم، فكانت الوظيفة تقربهم من الناس وكلما ازدادوا وجاهة ازدادوا تواضعاً، كما ورد في الدعاء عنه Q: «اللهم ما إن رفعتني عند الناس درجة، إلا حطتّني عند نفسي مثلها»، لذلك الغرور والتكبر هو جزء من الجهل، أما العالم العامل المؤمن المتدين، لايقبل الغرور ولا التكبر، ويعتبر هذه الصفات من الرذائل التي لايستحق معها صاحبها الحياة ولا التكريم أو الإحترام.

لهذا كان الشيخ إبراهيم يستغل هذا المنصب القضائي لأجل مصالح الناس، وإصلاح شؤونهم وذات بينهم.

الخطوة الثالثة: التصنيف ومحاولة النهوض بالبقاع على الصعيد العلمي، بعدما مرّ بعصر ذهبي أيام المحقق الكركي الذي توفي سنة940هـ في النجف الأشرف، وكانت (كرك نوح) تعتبر حاضرة علمية كبيرة في القرنين التاسع والعاشر هـ، قبل أن يضطر العلماء لترك بلادهم نتيجة ظلم العثمانيين.

وهناك العديد من الدفاتر التي كان الشيخ إبراهيم يكتب فيها في مجالات مختلفة، تحتاج إلى من يهتم بها ويطبعها.

وفي 25 كانون الثاني 1982م إرتحل الشيخ إبراهيم الخطيب عن هذه الدنيا الفانية إلى الرفيق الأعلى عن عمر سبعين سنة قضاها بالتحصيل والتبليغ والتصنيف.

وقد نعاه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وهذه صورة مرفقة عن نعي ارتحال الشيخ إبراهيم الخطيب.

العالم الرباني

«المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الميسي {»

برعاية وحضور وزير الدولة لشؤون مجلس النواب الحاج محمد فنيش، نظمت جمعية الإمام الصادق Q لإحياء التراث العلمائي بالتعاون مع اتحاد بلديات جبل عامل،مؤتمراً فكرياً حول شخصية العالم الرباني “المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الميسيQ”، في حسينية الزهراء Q في بلدة ميس الجبل الجنوبية، وقد توزعت أعمال المؤتمر على الشكل التالي:

كلمة ترحيبية لرئيس بلدية ميس الجبل السيد مرتضى قبلان، ومما جاء فيها:

من جديد نلتقي في رحاب ميس الجبل، بين الماضي والحاضر، بين مداد العلماء ودم الشهداء.

ميس الجبل حاضنة التشيّع منذ اليوم الأول من قدوم الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) أرض جبل عامل، مروراً بالمدرسة الميسية التي أنشأها المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، والتي كانت المدرسة الأولى بعد مدرسة جزين، حيث خرّجت أكثر من 400 عالم سنة 1450هـ.

اليوم، ونحن نعيش في ذكرى ولادة مفجر ثورتنا، ثورة المستضعفين وقائد مسيرة المحرومين الإمام القائد السيد موسى الصدر، وذكرى رحيل قائد الأمة الإسلامية ومفجر ثورتها في وجه الإستكبار العالمي الإمام الخميني{.

نقول ما أحوجنا في هذه الأيام لوجود أمثال هؤلاء القادة الكبار والعظام بيننا.

وختم قبلان كلمته بالشكر، حيث شكر كل من ساهم بعقد هذا المؤتمر وخص بالشكر كل من راعي الحفل واللجنة المنظمة واتحاد بلديات جبل عامل وجمعية الإمام الصادقQ لإحياء التراث العلمائي.

وثم كلمة الجهة المنظمة والتي ألقاها عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي، ومما جاء فيها:

إن الهدف من هذا المؤتمر الفكري الثامن هو تكريم العلامة المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الميسي{، الذي شكلّ حضوره في تلك المرحلة من الثلث الأخير من القرن التاسع والثلث الأول من القرن العاشر هـ، استمراراً للنهضة العلمية الكبرى، التي تأسّست على يد الشهيد الأول انطلاقاً من (جزين)، وعلى ما يظهر فإنّ المحقق الميسي، ومن خلال مدرسته الميسية، هو من ثبّت هذه النهضة العلمية، وأسّس لقيام مدرسة الشهيد الثاني، التي انطلقت من مدرسة (ميس) التي خرجت المئات من الطلاب وفي مقدمتهم الشيخ زين الدين الجباعي المعروف (بالشهيد الثاني)، فقد درس على المحقق الميسي ثماني سنوات، والذي ساعد الشهيد الثاني على المزيد من الإستفادة من الشيخ الميسي أمرين.

الأمر الأول: أنه درس على أبيه الشيخ علي في (جباع) المقدمات وكان يرى له شأناً في المستقبل، فعندما أخذه إلى المعلم قال له: لا تضربه فإنه لا يحتاج إلى الضرب، وهذا يعني أن الشهيد الأول يمتلك الأرض الخصبة لتلقي العلوم والتدرج في عالم الكمال والمعرفة.

الأمر الثاني: إن المحقق الميسي هو زوج خالته، فكان حضوره في بيت الميسي كأنما هو في بيته، وهذا ما استدعى اهتمام الشيخ الميسي به كثيراً، حتى زوّجه ابنته، وربما لو تتبعّنا بدقة أراء الشهيد الثاني (الفقهية) لرأينا أنّ الأساس فيها يعود لأستاذه الميسي، وهذا يحتاج إلى متابعة دقيقة، لكن ماهو مؤكد أن الفضيلة العلمية التي حاز عليها الشهيد الثاني، يعود الفضل فيها إلى أستاذه الشيخ علي الميسي، فمدة ثماني سنوات متواصلة ليل نهار مصحوبة بذكاء حاد وتوفيق إلهي، تكفي لبلوغ هذه الدرجات العالية، وهذا يظهر أيضاً من تعظيم الشهيد الثاني لأستاذه عندما يُعبّر عنه بـ: الإمام الأعظم، بل الوالد المعظم شيخ فضلاء الزمان، ومربيّ العلماء الأعيان، الشيخ الجليل الواعظ المحقق العابد الزاهد الورع التقي، نور الدين الشيخ علي بن عبد العالي الميسي.

النقطة الثانية: أردنا في هذا المؤتمر أن نُسلِط الضوء على التراث الفقهي للشيخ الميسي، والذي مع الأسف، لم يُبادر أحد إلى جمعه وتحقيقه، ولربما يُتيح هذا المؤتمر فرصة لإعادة جمع وتحقيق هذا التراث الهائل المنتشر في عدة كتب ومصادر منها: الجواهر ورسائل الكركي، والمدارك وآراء الشهيد الثاني الخ، وبهذا نكون قد سلطنا الضوء على هذه الشخصية الإستثنائية التي قد تمرّ عليها مرور الكرام، بينما يجب أن يكون هناك حضور قوي لهذه الشخصية في الحوزات العلمية والمحافل الفكرية، لما تُمثل هذه الشخصية من تاريخ علمي وفكري وجهادي شكلت بوجودها ضمانة بقاء واستمرار جبل عامل العلمي والفكري والجهادي إلى يومنا هذا.

النقطة الثالثة: الشيخ علي الميسي هو ابن ذلك العالم الجليل الشيخ عبد العالي الميسي والذي امتدحه المحقق الكركي في إجازته التي أعطاها لولده المحقق الشيخ علي، فقال عنه: الشيخ الأجل العالم الكامل تاج الملة والحق الشيخ عبد العالي الميسي.

وقال عنه الحر العاملي: فوالده الميسي الشيخ عبد العالي كان عالماً فاضلاً.

ولذلك فإن نسل المحقق الميسي كانوا من أهل العلم والفضل، فولده الشيخ إبراهيم، كان أحد تلامذته في المدرسة الميسية، والذي امتدحه المحقق الكركي في إجازته له، والشيخ إبراهيم أنجب الفاضل الشيخ عبد الكريم، والشيخ عبد الكريم أنجب الشيخ لطف اللف الميسي، المعروف في (أصفهان) والذي شيد له الشاه الصفوي داراً ومدرسة ومسجداً، ولا زال المسجد موجود إلى يومنا هذا، وهو معروف بمسجد الشيخ لطف الله الميسي.

وكما كانت كلمة لرئيس اتحاد بلديات جبل عامل الحاج علي الزين، ومما جاء فيها:

نقف اليوم من جديد أمام أحد أعلام جبل عامل الحافل بالأعلام والعلماء ونصل إلى قرية ميس الجبل، التي أنجبت ثُلّة من العلماء والعائلات العلمية، ونخص بالذكر أبناء عبد العالي الميسي العاملي، تلك السلسلة التي بدأت مع الشيخ أبو القاسم علي بن عبد العالي المشهور بالمحقق الميسي، والذي هو محور مؤتمرنا اليوم.

واستمرت مع أبنائه الشيخ إبراهيم، والشيخ جعفر وتتابعت مع أحفاده.

سلسلة من العلماء الميسيين بَنَت مجدها مع الله قبل أن يمجدها أحد بسبب التعب والعناء في ظل الحوزات العلمية والجامعات الكبرى آنذاك، جيلاً بعد جيل، وانتقالها من قريةٍ إلى قرية تبعاً للأوضاع العامة.

حيث تذكر المصادر التاريخية أن مدرسة ميس الجبل خرّجت أكثر من 400 عالم، بعضهم من الشام وإيران والعراق قبل أن تنتقل الحوزة إلى أماكن أخرى.

في عصر المحقق الميسي كانت الفاتحة الإستراتيجية لعلماء جبل عامل في إيران مع المحقق الكركي، أستاذ المحقق الميسي وحينها هاجر العشرات بل ربما المئات من العلماء العامليين إلى إيران في بداية العصر الصفوي ليشيدوا ويبنوا النهضة العلمية والفكرية في إيران وقد تمكنوا من توطين دعائم مذهب مدرسة أهل البيت في عموم إيران، على الرغم من الملاحقة الحثيثة للعلماء من قبل عملاء ووكلاء الدولة العثمانية وتتبعهم لهذه الحركة في محاولة لحصارها والقضاء عليها.

من هنا يأتي هذا المؤتمر اليوم، ليسلط الضوء على سيرة المحقق الميسي لنفيّ هذا العالم الجليل، بعض من حقوقه المعنوية على أبناء جبل عامل ولنربط السيّر والتراجم الماضية بالوقائع الحاضرة في محاولة لسبر أغوار تلك المرحلة والإستفادة منها في تحديد وتشخيص الإتجاهات الفكرية والسياسية والأخلاقية التي جسّدها أبناء جبل عامل في الماضي، واتصالها بما يجري في الحاضر، وهذا ما أشار إليه سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إحدى خطاباته من وجود ثقافة جمعيّة لأبناء هذا الجبل ينبغي البحث عنها واكتشاف خيوط الترابط فيما بينها بهدف إيجاد القواسم والقيم المشتركة لجبل عامل، والتي من أبرزها ثقافة المقاومة وثقافة الإنتماء للمشروع العربي والإسلامي والدور الوظيفي لجبل عامل سوءاً على المستوى المحلي أو الإقليمي وما شابه.

وبدوره ألقى راعي المؤتمر معالي الوزير الحاج محمد فنيش، كلمة جاء فيها:

في البداية أعبر عن تقديري لجمعية الإمام الصادق Q على دورها المميز في إعادة إحياء تراثنا العاملي، وربط حاضرنا بماضينا ربط المتبصّر والساعي إلى استكشاف الجذور ومعرفة الأسباب والسنن الإلهية التي تحكم حركة الأمم والشعوب بهدف فهم العوامل والظروف التاريخية والثقافية والسياسية وغيرها التي أسهمت في صنع تاريخنا وتشكل حاضرنا والتي ترسم اليوم أبرز ملامح تشكل مستقبلنا بإرادة الإنسان، إنسان هذه الأرض، وهذا الجبل العاملي الحاضر دائماً في حركة الأحداث بامتدداتها وأبعادها الداخلية والأقليمية بفعل ودور علمائه ومجاهديه ومثقفيه وحركة إنسانه المتصل بوعيه وذاكرته وجهاده ونتاج علمائه وفكرهم وعطائهم المعرفي والثقافي والتربوي.

لقد كان للموقع الجغرافي لهذا الجبل تأثيره وتأثرّه بحركة الأحداث فاعلاً ومنفعلاً، وفي كلّ الحالات لا يُفارق موقع المتصدي والمقاوم للغزاة في كل مراحل تاريخه. الخصوصية المذهبية لهذا الجبل كانت وما زالت تميزاً في الفهم والإنتماءوالإلتزام بوحدة الأمة وقضاياها، وفي حفظ الهوية والدفاع عن الحقوق ورفض الظلم ومواجهة الباطل والإستبدادوالإستكبار، يشهد على ذلك، دور هذا الجبل في مقاومة الغزو الصليبي والظلم العثماني وولاته، ومواجهة الإستعمار الفرنسي والتصدّي للمشروع الصهيوني واحتلاله للأرض ودعم حركات التحرّر والوقوف بوجه الإنحراف والإجرام التكفيري.

هذا التاريخ الممتد والمتواصل مع الحاضر ليس تواصل المتجمدين أمام أمجاد مضت أو المنغلقين على إنجازات تعزلهم عن المتغيرات والمستجدات ومواكبة الأحداث وفهم معادلاتها.

بل هو تواصل الملميّن بمعادلات الواقع الملتزمين أهدافاً رسالية، والباذلين لكل جهدٍ فيه خير ونفع للوطن وللأمة بأسرها ولو تطلّب ذلك بذل الأنفس والتضحية بكل غالٍ ونفيس.

لولا هذا الدور لما سُجّل لعلمائنا ومنهم من نحن اليوم في تكريمه المحقق الميسي تأثيرهم الممتد خارج حدود الجغرافيا الضيقة لجبلهم ولوطنهم.

فهم من كان له تأثيره في تحول إيران ثقافة وإدارةً وقيادةً ونظام حكم، فالحواجز الجغرافية لم تحد من وهج أفكارهم واجتهادهم وتطلعهم إلى إحياء قضايا الأمة والدفاع عنها، والذين يأخذون اليوم علينا علاقتنا بالجمهورية الإسلامية في إيران لا يفقهون المسار التاريخي والثقافي والسياسي لهذه العلاقة، فهي لم تكن يوماً علاقة عصبية كعلاقة أبناء القبيلة أو العشيرة مع بعضهم البعض، بل كانت ولا تزال علاقة الإنتماء الفكري والعقائدي والروحي وليس علاقة التبعيّة والمصالح الضيّقة، هذه العلاقة أثمرت امتداداً وحضوراً واسعاً للبنان، كما أثمرت قوةً ودعماً لمقاومة هي أشرف وأسمى ما عرفه تاريخ الوطن والأمة منذ صراعنا مع الصهاينة.

وقوة المقاومة هي بثقافتها، كما بحسن قيادتها وإدارتها لوسائل الدعم ومواكبتها للتطورات وفهمها لأبعاد الأحداث ومعدلات الواقع، وجرأتها على اتخاذ القرار في الوقت المناسب والشكل المناسب.

بذلك استطعنا أن نكسر إرادة عدونا وندحره من أرضنا، ونزيل حواجز الخوف من أنفسنا واستعادة الثقة بقدرات إنساننا، وبذلك ثبتّنا معادلة الردع، ولم يُلهنا ضجيج المغترين والمشككيّن والباحثين عن مصالحهم الخاصة من ممتهني العمل السياسي والثقافي وقصيري النظر الذين لا يرون أبعد من مساحة خوفهم أو أمن ذواتهم ومعيشتهم، لذلك تصدينا لمشروع إسقاط موقع سوريا ودورها وقطع خطوط إمدادات المقاومة وتهديد أمن مجتمعنا ووطننا من خلال أدوات وتيارات تسيء للإسلام وصورته مرتين، مرة بما تمارسه من وحشيةٍ بعيدة عن قيم الدين ومنظومته الأخلاقية وأحكامه.

وهذا ما يستغلّه المعادون للديّن من المؤثّرين في صناعة القرار السياسي الغربي لتشويه صورة الإسلام أمام الرأي العام.

ومرة أخرى بوضع هذه التيارات نفسها في خدمة مشروع تمزيق وحدة أوطاننا وأمتنا واستنزاف قدراتنا في فتن مذهبية وغيرها.

إن المؤشرّات الميدانية والسياسية تؤكّد اليوم عجز هذا المشروع عن تحقيق غاياتهم في سوريا حيث بدأ العالم يدرك بعضاً من حقائق الأمور، وليست المشاركة الشعبية في الإنتخابات الرئاسية السورية إلّا تعبيراً عن تكشّف زيف المزاعم التي أرادت أن تضع الأحداث في سوريا في خانة عداء الشعب لدولته. وهذا مؤشّر لما حصل من مشاركة على تمسّك الغالبية الساحقة بسلوك طريق الحل السياسي.

فكما أظهرت التطورات الميدانية عبثية ما تقوم به الجماعات المسلحة ودورها التخريبي وعجزها عن تحقيق هدف إسقاط الموقع المقاوم للدولة السورية وشعبها، كشفت الإنتخابات الأخيرة سقوط التجييش الإعلامي وعُقم محاولات ابعاد الشعب السوري عن مسؤوليته اتجاه مستقبل وطنه وقضايا الأمة.

ورفض الغالبية الساحقة من السوريّين التدخل الخارجي في رسم مستقبل سوريا أو التعرض لوحدتها وسيادتها، إن المسؤولية الأخلاقية تجعل من كل داعم لإستمرار تهديد أمن السوريّين وتزويد الجماعات الإجرامية بالسلاح ووسائل القتل شريكاً ومسؤولاً عن كل الأعمال الوحشية الشنيعة التي يتعرّض لها السوريّون.

فكما يحرص الساسة الغربيون وبعض الدول الإقليمية على حماية أمنهم واتخاذ الإجراءات التي تحول دون امتداد أعمال هذه الجماعات إلى بلدانهم، عليهم أن يتحمّلوا مسؤولية منع تزويد هذه الجماعات بالسلاح وتهريبهم إلى سوريا.

إن الفرصة التي تتيحهاالإنتخابات الرئاسية السورية ينبغي إلتقاطها لتأكيد الإحتكام إلى صناديق الإقتراع واحترام الإرادة الشعبية من خلال دعم مسار الحل السياسي والإصلاحي الذي يحفظ للسوريين أمنهم وسيادتهم ودورهم في بناء مستقبل بلدهم وأمتهم.

أما هنا في لبنان فالمسؤولية تقتضي الإستمرار في حماية الإستقرار الداخلي والبناء على ما تحقق على أيدي المقاومة في الحد من خطر التيارات التكفيرية والسعي من أجل ملئ الشغور في موقع رئاسة الجمهورية باختيار الأكثر تمثيلاً والأقدر على تحقيق التوافق وبدء مرحلة جديدة من التفاهم الوطني وبانتظار ذلك لا ينبغي تعريض مصالح اللبنانيّين لمزيد من الضرر.

لا يتعطيل المجلس النيابي من القيام بدوره التشريعي ولا لتعطيل مجلس الوزراء عن القيام بدوره التنفيذي من خلال تفاهم القوى السياسية المؤثرة، لا سيما الإسراع في إقرار سلسلة الرتب والرواتب وإنقاذ العام الدراسي وإجراء الإمتحانات الرسمية إن التحديات التي يمر بها لبنان توجب المزيد من اليقظة والبحث عن مساحات أوسع للتفاهم والتعاون بما يحفظ أمن هذا الوطن ويعزّز مستقبل أبنائه وقدرة المجتمع على التصدّي والمقاومة لمشاريع العدو الصهيوني.

أشكر مرة أخرى سماحة الشيخ حسن بغدادي الأخ والصديق عضو المجلس المركزي في حزب الله على جهوده القيّمة في إبقاء ذاكرتنا حية ومتّصلة بتاريخنا وملتزمة الدور الرسالي والجهادي والحضاري لعلمائنا الأعلام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بعد الإفتتاحية، بدأت أعمال المؤتمر، التي كانت عبارة عن جلستين، الجلسة الأولى: ترأسها د.محمد كوراني.

قدم سماحة الشيخ خليل رزق، م.وحدة المتون والدراسات في حزب الله، بحثاً توثيقاً للسيرة الذاتية والمدرسة الميسية للمحقق الشيخ علي الميسي، ومما جاء فيه:

مدارس جبل عامل الدينية حلقة من السلسلة الذهبية لمدارس الشيعة الإمامية التي قدّمت الخدمات الجليلة للإسلام.

كيف لا وهي الإمتداد الطبيعي لمدرسة أهل البيتR من أول أيام الرسالة وإلى يومنا هذا.

حيث تميّزت مدارس جبل عامل بالحيوية الدائمة والعطاء الخصب والنمو الذاتي المستمر ما لا نجد له نظيراً في المدارس الأخرى التي تجمّدت أو تعطلت فقهياً وفكرياً عند مقطع زمني محدّد، أو عند أراء فقيه معين لا يتميز عن غيره شيء.

لذا كان لابد من تسليط الضوء على تلك المدارس لما في ذلك من صلة وصل بينها وبين مدرسة ميس والسبب الأساس في ذلك هو الوصول إلى نتيجة هامة وهي أن هذه النظرة تقودنا إلى القول بأنّ المدرسة والحوزة العلمية لم يكن ليجرؤا أحد على تأسيسها وتشييد أركانها إلا من كان ذو منزلة علمية مرموقة لا يجاريه بها أحد.

وبالتالي فإن شيخنا المحقق الميسي هو واحد من هؤلاء الأعلام الذين لو لم يكن لهم مثل هذه المنزلة لما قام بتأسيس مثل هذه المدرسة.

ثم نقلت الحديث إلى الحركة الفكرية والسياسية في جبل عامل تلك المنطقة العريقة في التشيّع والولاء للنبي P والأئمة المعصومين R، وكذلك الأدوار العلمية لهذا الجبل الأشم فلم تخلُ فترة زمنية على جبل عامل من دون بروز كوكبة من أبنائه في مختلف مجالات العلوم رغم الظلم والشقاء وفتاوى التكفير التي طالت علمائه وأبنائه.

فقد شمخ الجبل بأبنائه كما شمخ بقممه وتلاله، وشهدت حالتهم العلمية أدواراً متسلسلة في العلم والمعرفة قمت بتقسيمها في هذه الدراسة إلى أدوارٍ ثلاث.

ثم خصَصّتُ فقرة للحديث عن البيئة العلمية لجبل عامل وأثرها في تكوين شخصية علمائه. حيث كان جبل عامل مركزاً من مراكز الإشعاع في مجال الفكر الإسلامي ولا سيما في الدراسات الفقهية والأدبية.

ورغم كون المنطقة صغيرة في حدّ ذاتها، فقد قدّمت للعالم الإسلامي على مدى تاريخها المشرق رجالاً من ذوي الكفاءة والثقافة الراقية في مختلف مجالات الفكر الإسلامي.

ويكفي أن يتصفح الإنسان كتاب أمل الآمل وما أُلحق به من مستدركات وتكملات ليلمس أهميّة هذا القطر والذي يقول فيه إنّ علماء الشيعة في جبل عامل يبلغون نحو الخمس من علماء الشيعة في جميع الأقطار مع أنّ بلادهم أقلّ من عُشر عُشر بلاد الشيعة.

وفي هذه الفقرة هناك العديد من الشواهد على القيمة العلمية للمدرسة ومؤسسها، وفي هذا المجال نذكر عدد الطلاب الذين ارتادوها وهم أربعمائة طالب، وقد قصد هذه المدرسة العديد من جهابذة العلم والمعرفة وعلى رأسهم: المحقق الكركي أستاذاً، وكذلك الشهيد الثاني.

ثم كانت نظرة على مختلف العلوم التي كانت تدرّس في مدرسة ميس وغيرها في الحوزات العلمية، وأيضاً عن الوضع المالي وكيفية تمويل المدرسة الدينية، ولم نغفل عن البحث في المدة الزمنية التي عاشتها مدرسة ميس والفترة التي أقفلت فيها الأبواب حيث أشار أكثر المؤرخين إلى أنها انتهت مع وفاة المحقق الميسي علم 933هـ والأصح 938هـ، وهذا ما لم نرجّحه، بل رجحنا القول بأنها دامت لحوالي مئة سنة وذكرت الدليل على ذلك.

وفي القسم أو الشق الثالث تناولت السيرة الذاتية للمحقق الميسي ومصنفاته ووالده وجده ونسبه بشكل عام وما قيل فيه وتلامذته فضلاً عن ذكر أولاده وأحفاده وصولاً إلى الشيخ لطف الله الميسي الذي اشتهر وذاع صيته من خلال المسجد المنسوب إليه في أصفهان.

وتناولت أيضاً في هذه الدراسة عند الحديث عن المحقق الميسي ظروف حياته والحالة الإجتماعية العامة والبيئة التي عاش فيها والتي تركت بصماتها الواضحة على تكوين شخصيته، فضلاً عن الأجواء العلمية التي كانت سائدة في تلك الفترة حيث أنه بعد إعلان الدولة الصفوية عن الدين الرسمي للدولة واتباعهم للمذهب الشيعي، وجد الشاه إسماعيل الصفوي أنه بحاجة إلى العلماء لتعليم الناس حقيقة المعتقد وترسيخ مبادئه في النفوس، فعمد إلى ملأ الفراغ باستحضار علماء الشيعة وكتبهم من جبل عامل، وقد غادر جمهور كبير من أولئك العلماء وذهبوا إلى إيران.

وبدوره سماحة الشيخ خالد الغفوري، عضو الهيئة العلمية في جامعة المصطفى العالمية، إستعرض الآراء والمباني الفقهية للمحقق الميسي، الموجودة في كتب الفقهاء، ومما قاله:

التراث الفقهي للفاضل الميسي :

لقد صرّح الفقهاء بأنّ الكتاب الحاوي للآراء الفقهية للفاضل الميسي هو ما يُعرف بـ (الميسية)، وقد ذُكر في تبيينه :

1 ـــ إنّه شرح للرسالة التي ألّفها المُحقّق الكركي باسم (صيغ العقود)[1]، ويبدو أنّ تسمية (شرح صيغ العقود والإيقاعات) بـ (الميسية) لم تُوضع مِن قِبل الشارح نفسه، بل ولا تُعبّر عن الاسم الحقيقي للكتاب، بل يرجح في البال أنّها تسمية مسامحية منشأها النسبة الی الشارح، أطلقها الذين جاءوا بعده.

2 ـــ أو إنّه حاشية على كتاب (شرائع الإسلام)[2] أو إنّه تعليق علی الشرائع[3].

والظاهر أنّ الموردَين المذكورَين يُمثّلان كتابين مُتباينين للفاضل الميسي، وليس هما عنوانين لكتاب واحد، وهذين هما الكتابان المعروفان عنه، والكتاب الأوّل هو شرح لرسالة مختصرة جدّاً وهي (صيغ العقود والإيقاعات) فمن المُناسب كون الشرح مختصراً أيضاً؛ إذ أنّ المتن الأصلي لرسالة صيغ العقود يبلغ حوالي (34) صفحة [4].

كما أنّ موضوع الرسالة في نفسه محدود في باب المعاملات أي العقود والإيقاعات ، فمن الواضح أنّ الكتاب المهمّ هو كتابه الآخر، وهو شرحه لشرائع الإسلام أو التعليق عليه الشامل لكلّ الأبواب الفقهية من عبادات ومعاملات وغيرها، وليس شرحَ صيغ العقود المختصر، بل من المُحتمل كون (حاشية الشرائع) غير (التعليق علی الشرائع).

نقل الفقهاء لآراء الفاضل الميسي الفقهية :

لم يصل إلينا من كتب الفاضل الميسي الفقهية شيء، والمعروف أنّ أوّل من شرع بنقل آرائه هو السيد جواد العاملي في كتابه (مفتاح الكرامة)، ومنه سرت الی مصنّفات مَن جاء بعده من الفقهاء، ويبدو أنّ الحاشية أو التعليق علی الشرائع كانت عنده[5]، ولا يبعد وصول شرح صيغ العقود إليه أيضاً.

والنقل عنه تارة بلفظ (الميسي) أو (الميسية) أو (الحاشية الميسية) ونحو ذلك، واُخری بعنوان (العليين). وقد اختُلف في تفسير هذا العنوان، فقيل المُراد: الكركي واُستاذه علي بن هلال، ولكن في أغلب الظنّ أنّ المُراد بهما: الكركي والميسي؛ لاشتراكهما في الاسم والأب والمنطقة والمشهورية والمُعاصرة.

ولم يُعهد نقل آرائه قبل صاحب المفتاح، باستثناء مورد عثرنا عليه في مسالك الأفهام، حيث نقل الشهيد الثاني عنه مطلباً فنّياً [6]، سوف نتعرّض إليه، وأيضاً باستثناء موارد قليلة أشار إليها بعضهم [7].

وإذا التفتنا الی أنّ وفاة السيد العاملي كانت سنة (1226 هـ) اتّضح لنا أنّ التراث الفقهي للفاضل الميسي بقي محجوباً عن سوح البحث ما يقرب من قرنين ونصف، وهذا ما يُثير العجب والتساؤل! يا تری لِمَ بقي هذا التراث غائباً طيلة هذه الحقبة المُمتدّة؟ ! ولِمَ تحفّظ تلامذته ـــ كالشهيد الثاني ـــ من نقل تراثه الفقهي؟!

والإجابة علی هذه التساؤلات تستلزم تتبّعاً واسعاً واستقراءً لمواطن آرائه، علّنا نُوفّق لإنجاز ذلك في فرصة بحثية اُخری، بيد أنّ الذي يخطر بالبال من خلال المرور السريع علی تراث الشهيد الثاني أنّ الشهيد الثاني في كتابه الروضة والمسالك وربّما غيرهما[8] قد نقل كثيراً من آرائه دون تصريح أو إشارة إليه؛ لأنّه كان ينقل من مجالس درسه مُباشرة، مُضافاً الی مُتابعته له سواء في آرائه أو في دعاواه الإجماع والشهرة. والمسألة بحاجة الی تتبّع أكثر.

معالم التراث الفقهي للفاضل الميسي :

وليُعلَم أنّه لم يصل إلينا شيء من كتبه الفقهية ، وإنّما وصلتنا آراؤه بالواسطة ، والحالة الغالبة علی الموارد المنقولة من التراث الفقهي للفاضل الميسي هو دعاوي الشهرة والإجماعات، والتي غطّت مساحة واسعة من الأبواب والمسائل الفقهية، فنری للفاضل الميسي حضوراً في الكثير منها. وإن كانت هناك له آراء فقهية اُخری ربّما ينفرد بها أحياناً، وفي أحايين اُخری ربّما يكون هو أوّل مَن صرّح بها من بين فقهاء الإمامية.

والذي يخطر في البال لأوّل وهلة أنّ دعوی الإجماع أو الشهرة ليس أمراً مهمّاً جدّاً؛ حيث لا تتطلّب عملية دعوی الإجماع أو الشهرة أكثر من التتبّع والاستقصاء لكتب الأصحاب لا أكثر، فهي كالشهادة الحسّية باتّفاق الفقهاء علی رأي أو عدم اتّفاقهم، وهذا ما يقدر عليه كلّ من له أدنی خبرة في الفقه واطّلاع بكتب الفقه ومصنّفات الإمامية، ولا تستلزم التبحّر الواسع ولا التعمّق الفقهي، بيد أنّنا لو راجعنا مباني الفقهاء سيما السابقين منهم وأمعنا النظر في طريقتهم في الاستنباط لتجلّت أمامنا المكانة الكبيرة لكلّ من الإجماع والشهرة في عملية تحديد موقف الفقيه تجاه الأدلّة وما ينتهي إليه منها، وبالتالي تجلّی المكانة الكبيرة لمُدّعي الإجماع والشهرة.

أمّا الإجماع فلا تخفى مكانته وقيمته الاُصولية، فهو أحد الأدلّة المُعتبرة التي يُستند إليها في استخراج الحكم الشرعي والمُسلَّم دليليتها عندهم، بحيث اُدرِج بعنوانه المُستقلّ والخاصّ ضمن (الأدلّة الأربعة)، سواء أقلنا إنّه يقع في عَرْض الأدلّة الثلاثة الباقية (الكتاب والسنّة والعقل) أو قلنا إنّه يقع في طول السنّة الشريفة، وبحسب الرؤية الاُصولية التي كانت رائجة لدی السابقين فإنّ الإجماع حجّة مُطلقاً بقسميه المُحصَّل والمنقول، ولا يخفی أنّ قِدَم ناقل الإجماع ومُدّعيه كلّما كان أقدم زماناً كان أكثر اعتباراً.

وأمّا الشهرة فهي حسب الرؤية التي هيمنت علی الجوّ الفقهي من الأدلّة المُعتمدة اُصولياً، حتّی لو لم نقل بعدم كونها دليلاً مُستقلاً، وإنّما هي متمّمة للدليل الناقص وجابرة للخبر الضعيف، وإن تبدّل هذا الموقف لدی اللاحقين فخدش العديد منهم في حجيتها وجابريتها للخبر الضعيف، وربّما رسا الموقف العامّ أخيراً علی عدم جابريتها، إلا موقف السابقين كان كما وصفنا هو التمسّك بالشهرة ودليليتها أيّ تمسّك.

لكن المُتابع والمُتقصّي لحركة الاستنباط عملياً يجد أنّ الشهرة ظلّت ولا تزال مُهيمنة علی الموقف الإفتائي النهائي حتّی عند الرافضين لحجيتها ولو تمثّل إبرازه أحياناً في قالب احتياط واجب أو مُستحبّ؛ فإنّ الكثير من الفقهاء قد ينتهي في بحثه الاستدلالي بحسب مُرّ صناعة الاستنباط الی موقف مُخالف للمشهور، بيد أنّه لا يجرؤ علی المجاهرة بمُخالفة المشهور في جُلّ الموارد أو كلّها، وموارد المُخالفة مع المشهور التي يتّبنّاها البعض أحياناً لا يُعلنونها ببساطة، وإنّما يُعلنونها بعد اللتيا والتي.

فيتّضح ممّا مرّ مدی أهمية الشهرات ودَورها في حركة الاستدلال أو في بلورة الصياغة الفتوائية، فعلی الرغم من انفتاح باب الاجتهاد علی مصراعيه في الفقه الإمامي إلا أنّ هذا الانفتاح كثيراً ما يصطدم بجدار الإجماع وأحياناً يصطدم بجدار الشهرة.

إذن، من هنا نعرف الدَّور الهامّ والقيمة العلمية التي تتمتّع بها دعاوی الشهرات والإجماعات المحكية والمنقولة عن الفاضل الميسي، هذا أوّلاً.

وثانياً: إنّه نظراً لهذه الحسّاسية التي تتّسم بها الشهرات الفقهية لم يرتضِ الفقهاء بدعوی الشهرة من أيّ شخص كان، بل إنّهم إنّما يُذعنون ويعتبرون دعوی الشهرة ـــ وكذادعوی الإجماع ـــ إذا كانت صادرة من فقيه بارز وله باع في الفقه ودقّة في الفهم وأنّ دَيدنه عدم إصدار دعوی الإجماع أو الشهرة إلا عن تحقيق في المسألة، لا تقليداً واتّباعاً لمَن سبقه؛ ولذا نری طريقة السلف الصالح من فقهائنا الأبرار لا يكتفون بذكردعوی الإجماع أو الشهرة من فقيه واحد، بل يحشدون كلّ ما أمكنهم العثور عليه من تراث البارزين المُحقّقين في المسألة الواحدة، وإلا فلو كانت دعوی الإجماع أو الشهرة ناشئة من النقل واتّباعاً لمَن سبق لما استدعی الأمر استقصاء دعاوی الإجماع والشهرات. وحيث عُني الفقهاء بدعاوی الإجماع والشهرة المأثورة عن الفاضل الميسي فيظهر لنا مدی الاعتبار الذي توفّرت عليه والمستوی العلمي الذي كان عليه الفاضل الميسي بحسب نظرهم.

وثالثاً: وبلحاظ الأهمية الخاصّة التي يُوليها الفقهاء للإجماعات والشهرات نراهم يُبدون دقّة في كيفية التعبير عنها ويعمدون الی انتخاب ألفاظ ومُفردات مُعيّنة، فقد يُعبَّر عن الإجماع بعدم الخلاف أو عدم وجدانه أو الاتّفاق أو الإجماع، وأيضاً تارة يُذكر الإجماع مُطلقاً، واُخری مُضافاً الی جهة، كإجماع الفقهاء أو إجماع علمائنا، وثالثة قد يستخدم لفظ آخر نحو (عندنا)... الی غير ذلك. كما يُعبَّر عن الشهرة بقوالب لفظية مُتفاوتة، وأيضاً تختلف الحُقبة التاريخية الملحوظة لدعوی الشهرة من كونها شهرة المتقدّمين أو المتأخّرين.

ورابعاً: إنّ نمط تعامل الفقهاء مع الإجماعات يختلف بحسب المبنی المُعتمد لحجّية الإجماع من كونه إجماعاً لطفياً أو حدسياً أو دخولياً أو غير ذلك، أو من حيث كونه مدركياً أو لا، أو من حيث كونه منقولاً أو محصّلاً..

خامساً: ينبغي الإلتفات الی أنّ عملية التحقّق من مدی وجود إجماع أو شهرة ربّما تكون واضحة في بعض الأحيان، ولكن الأمر ليس كذلك في كثير الموارد؛ نظراً لتوقّفه علی توفّر المُتصدّي علی دقّة لفهم كلمات الأصحاب، فربّما لا يكون ظاهر العبارة مُراداً للفقيه، فقد يستعمل صيغة الأمر الظاهرة في الوجوب ومُراده الاستحباب والرجحان لا الإلزام، وقد يستعمل مادّة الوجوب ومُراده المشروعية والورود، وقد يستعمل مادّة الكراهة ومُراده منها الحرمة، وفهم كلمات الفقهاء بحاجة الی مهارة وممارسة وخبرة طويلة وهيمنة علی الجوّ الفقهي العامّ لكلّ مرحلة، هذا من جهة.

ومن جهة ثانية إنّ فَهمَ كلمات الفقهاء أحياناً يتوقّف علی معرفة وإحاطة بما وراءها من أدلّة، فليس دائماً يُعرف مُراد الفقيه بالاقتصار علی مُطالعة الفتاوی فحسب، بل ربّما طبيعة الأدلّة الكامنة وراء الفتوی تُؤثّر في طرد بعض التفسيرات واستبعادها أو تُؤثّر في ترجيح بعض المحامل لمفاد الفتوی.

ومن جهة ثالثة إنّ تعيين مَعْقِد الإجماع أو مَعْقِد الشهرة ليس واضحاً دائماً، فقد يتطلّب في بعض الحالات دقّة ومهارة وخبرة، ومن هنا ربّما يُلاحظ تفاوت بين الفقهاء في تعيين ذلك.

ومن جهة رابعة إنّ الوقوف علی فتاوی الفقهاء وآرائهم يستلزم أحياناً تضلّعاً وتبحّراً وغوصاً وهيمنة علی المطالب الفقهية وإشرافاً علی مُصنّفات الأصحاب؛ فقد يكون الرأي الفقهي مُختبئاً في غضون بعض الأبواب والمسائل، وليس بارزاً؛ فيكون بحاجة الی تحديد لموضعه في المصنّفات الفقهية واستلاله من بطونها، وهذا يقتضي أهلية الفقيه ودقّته وممارسته الكثيرة ورواحه وغدوّه علی البحوث الفقهية بكرة وأصيلاً.

ومن جهة خامسة إنّ التحقّق من كون مسألةٍ فقهيةٍ مُعيّنةٍ اُحاديةَ القول أو ثنائية أو غير ذلك يستند الی تقسيم الأقوال في المسألة، ثمّ القفز الی استنتاج الاتّفاق أو الشهرة أو عدمهما، وما هو بهيِّن، بل يحتاج الی خبرة وممارسة فقهية بالمقدار المُعتدّ به.

ومن جهة سادسة إنّ تتبّع كتب الفقهاء علی كثرتها وصعوبة تحصيلها لا يخلو من صعوبة وتعقيد، فقد يتطلّب الأمر معرفة بالقيمة العلمية لكلّ كتاب والی أيّ مدی يُعتبر تمثيله لرأي مؤلّفه؛ نظراً لاختلاف أغراض المُصنّفين في كتبهم الفقهية المتنوّعة، فكلّ مصنَّف قد يُعدّ لهدفٍ ما وفي مرحلة من مراحل التكامل العلمي للمُؤلِّف.

ومن جهة سابعة: إنّ درجة الوثوق بالكتب والنسخ التي يستقي منها الفقيه المُتتبّع إجماعاتِه وشهراتِه لتُؤثّر علی القيمة الاعتبارية لمُدّعياته، ومن هنا كان السابقون يتعاملون مع الكتب والمُصنّفات الفقهية ـــ الفوائية أو الاستدلالية ـــ كتعاملهم مع الكتب الحديثية والروائية من حيث التأكّد من نسبتها الی أصحابها، فكانوا يعمدون الی إصدار الإجازة برواية تلك الكتب كما هو الشأن في إصدار الإجازة في نقل الروايات.

كلّ هذه الحيثيات وغيرها لها مدخلية في تحديد البُعد الاعتباري والقيمة المعرفية والوثائقية لدعاوی الإجماع أو الشهرة في المجال الفقهي، ممّا يكشف مدی مكانة الشخص الذي يتصدّی لدعوی الإجماع أو الشهرة في الأوساط الفقهية داخل المدرسة الإمامية، فليست هذه الدعاوي مُجرّد نقل حسّي صِرف لفتاوی الفقهاء كشهادة الشاهد علی نقل واقعة مُعيّنة لا تقتضي أكثر من التتبّع ووثاقة المُخبِر، بل هي مُضافاً الی ذلك تستند الی خبرة ومهارة علمية.

وفي ضوء ما ذكرنا من طبيعة تعامل الفقهاء مع إجماعات وشهرات الفاضل الميسي، يتجلّی لنا الوزن والقيمة الاعتبارية لتراثه الفقهي، والشأن الذي كان عليه بحسب رؤية الفقهاء تُجاهه.

الجلسة الثانية

ترأسها أ.د. مصطفى بزي، وتحدث فيها د.قبلان قبلان، عضو هيئة الرئاسة في حركة أمل، مقدماً قراءة سياسية وإجتماعية لجبل عامل في عهد المحقق الميسي، ومما قاله:

موقع جبل عامل السياسي والإجتماعي في عهد المحقق الميسي:

الحديث عن الواقع السياسي والإجتماعي في عهد المحقق الميسي دونه عقبات كثيرة وجسيمة لأسباب عديدة أهمها غياب المصادر الدقيقة التي أرّخت لتلك المرحلة وتشابه ما تبقى من مصادر في سرد الواقع وتصويره لدرجة يمكن أن تكون معها جميع المصادر أشبه بمصدر واحد.

ولذلك أسباب عديدة منها إحراق وتدمير المدن والقرى والحواضر عبر الحروب المتتالية مما أدى إلى إتلاف ماكتُب من أحداث ووقائع.

الأهم من ذلك كله أن تلك المرحلة كانت مرحلة أساسية بين حقبتي التقية والإعلان للفكر والمعتقد الذي يُؤمن به سكان هذه المنطقة وعمارها.

ولمعرفة أهمية منطقة ما أو شخص ما في حقبة معينة لا بد من معرفة حال هذا الشخص أو هذه المنطقة أو الفئة وعلاقتها بأمرين اثنين بالعلم وبالسلطة السياسية.

فإذا ذهبنا إلى علاقة أبناء هذه المنطقة بالعلم في تلك الحقبة فإننا نذهب فوراً للحديث عن المدرسة الميسية وعن العلماء الفضلاء الكثر الذين انطلقوا من هذه المنطقة في الفترة المعنية.

ففي هذه المرحلة بالذات بدأ ظهور المحققّين وهي تسمية لم تكن معروفة في جبل عامل قبل الشيخ علي بن عبد العالي الميسي الذي سبقه إليها فقط المحقق الكركي، وكلاهما لحسن الصدف يحمل ذات الإسم وذات الصفة. وكلاهما محقق معروف له الفضل في لبنان والعراق ولهم الفضل على التشيّع بشكل عام بقول المرجع الديني آية الله الشيخ محمد تقي الفقيه: «كان جبل عامل قطراً صغيراً منزوياً عن العواصم والحواضر وقد مرّ عليه عصر من العصور صار فيه جامعة علمية يقصدها الطلاب من العراق وإيران وغيرهما ورغم بُعد المشقة وصعوبة التنقل بلغ عدد تلامذته في زمن المحقق الميسي أربعمئة طالب، (قبلهم لم يعرف الجبل الكثير من المحققين باستثناء فخر المحققين ابن العلامة الحلي أستاذ الشهيد الأول)».

أما عن علاقة أبناء جبل عامل بالحكم والسياسة في هذه الحقبة، يمكن إكتشافها من خلال الرجوع للواقع السياسي للمنطقة في عهد المحقق الميسي التي تعتبر من المراحل البارزة في تاريخ التشيع، لأن هذه المرحلة كانت في حقبتين تاريخيتين ضاغطتين على التشيع وهما حقبة المماليك وحقبة العثمانيين.

فبعد تزايد الصراع العثماني الصفوي ركّز الأتراك عداءهم التقليدي على الشيعة اللبنانيين، حيث ظهر في عاصمة السلطنة العثمانية من يضخّم دور شيعة لبنان في نشوء الدولة الصفوية، من خلال نسب بعض الكتابات إلى شيخ شيعي من جبل عامل واتهامه بأنه وراء أفكار الشاه إسماعيل ومعتقداته « الخارجة عن الإسلام».

وعليه ففي جانب من جوانب القيمة العلمية للعالم، هي الإجازة في الرواية، أي عَمنّ روى ومن روى عنه. وقد عرف عن الميسي أنه روى عن المحقق الكركي و روى عنه عدد كبير ممن تبعه أولهم تلميذه الشهيد الثاني وجملة من الرواة الثقاة، وأهمهم ما كان رواه عنه الشيخ التقي المجلسي في البحار: «حدثنا كثير عن الفضلاء منهم الشيخ الأجل بهاء الدين محمد بن الحسن بن عبد الصمد عن أبيه عن الشيخ زين الدين وبلا واسطة عن الشيخ عبد العالي وهما عن الشيخ علي بن عبد العالي.

ومنهم الشيخ الأعظم مولانا عبد الله عن الشيخ نعمة الله بن خاتون عن الشيخ علي بن عبد العالي ومنهم كثير من الفضلاء وعن جدي مولانا درويش بن محمد عن الشيخ علي عبد العالي. ومنهم الشيخ أبو البركات الواعظ عن الشيخ علي بن عبد العالي ما كتبه الشهيد الثاني على الصحيفة التي بخطه يقول: فقير عفو الله تعالى زين الدين بن علي كاتب هذا الكتاب (لطف الله تعالى به) أني ارويه عن شيخنا الأجل الشيخ علي بن عبد العالي الميسي أدام الله تعالى بحق روايته عن شيخه الصالح المتقي شمس الدين محمد بن محمد بن داوود الشهير بابن المؤذن».

إذا مرحلة المحقق الميسي كانت مرحلة علم والعلم أساس الوجود وكلمة الله الأولى.

وكانت مرحلة (الشهيد الثاني) والشهادة درع الدين درب الكرامة.

وإذا عرفنا أن التشيع كان عاماً في بلاد الشام وأن أهم المدارس كانت في ميس وشقرا وعيناتا وجزين ومشغرةوجُبع وكرك.

وإذا تيقنا أن كثيراً من شيعة المنطقة تحولوا عن معتقداتهم تحت ضغط القتل والتنكيل فتعرف أن بلاد هذه المدارس المذكورة استطاعت أن تبقى على تشيعها و لم تغير هويتها الدينية رغم ما عانته من اضطهاد، يعني أنها استطاعت الصمود والانتصار. فما من بلدة من بلدان المدارس العلمية تخلت عن رسالتها في البلاد المذكورة وهذا يؤكد على دور المدارس العلمية الميسية وغيرها ودور الرواد الأوائل كالعلامة الميسي وأقرانه.

هذه الرسالة التي استمرت بمناوئة الظلم التركي والإعتداء الغربي مع الإمام شرف الدين ونهضت في مشروع المقاومة ضد الأجنبي الإسرائيلي والأمريكي في صرخة الإمام السيد موسى الصدر ومشروع المقاومة في لبنان الذي أثبت أن الاتكاء على الدين طريقاً للحياة، هو اتكاء صحيح يؤدي إلى الكرامة والإنتصار من أجل ذلك يستمر جبل عامل واحة عزه على مستوى العالم يحمل أهله رسالة الإسلام الصحيح ويواجهون الظلم ولا يخافون الموت لأنهم اعتمدوا على الله فكان الله معهم، وصدق من قال: «جبل عامل ما قصدك جبار بمكروه إلا وقسم الله ظهره».

و قدم سماحة الشيخ علي خشاب م.التبليغ الديني في المنطقة الأولى، دراسةً موثقة تناول فيها الإجازات الصادرة من وإلى المحقق الميسي، ومما جاء فيها:

تعريف الإجازة:

الإجازة مفهوماً:عرفها العلامة المجلسي بالتالي:

الإجازة هو الكلام الصادر عن المجيز المشتمل على إنشائه الأذن في رواية الحديث عنه بعد إخباره إجمالاً بمروياته.

وهذه الكتابة التي تطلق عليها الإجازة تتفاوت في البسط والإختصار والتوسط، فالكبيرة المبسوطة منها تعد كتابا مستقلا، ولبعضها عناوين خاصة كاللؤلؤة والروضة البهية، وبغية الوعاة، والطبقات.

والمتوسطة منها المقتصرة على ذكر بعض الطرق والمشايخ، تعد رسالة مختصرة أم متوسطة ويعبر عنها برسالة الإجازة كما عبر به بعض تلاميذ العلامة المجلسي فيما كتبه إليه.(انظر صورة الكتابة في آخر إجازات البحار).

أما الإجازات المختصرة التي لا تعد كتاباً ولا رسالةً، يترآى لأول وهلة أن في ذكرها خروجاً عن موضوع البحث لعدم صدق التصنيف عليها وهذا ليس بصحيح.

فوائد الإجازة: إذا نظرنا إليها نظرة دقيقة وعميقة نجد فيها جملة فوائد جليلة هامة وحائزة على فوائد مطلق الإجازة ـ ولو بالقول فقط ـ من اتصال أسانيد الكتب والروايات وصيانتها عن القطع والإرسال.

أهمية الإجازة: تفيد في قراءة البحث والتحقيق والتنقيح والتدقيق جمع فيها بين توضيح المسائل وتنقيح الدلائل، وإبراز النكات وتبيين المواضع والمشكلات، دلت على جودة فهمه واستنارة قريحته، واستعداده للترقي من حضيض التقليد إلى أوج اليقين، على معارج العارفين، التي هي عماد الإسلام ودعائم الإيمان.

دور الإجازة العلمي: الإجازة هي نوع من الإقرار الحسي المثبت كمسند بيد المجاز له عن مشايخه وفي دلالته العقلية والإلتزامية تشير إلى الإعتراف بأهلية الشخص المجاز من هؤلاء السادة العلماء، ووسام يُمنح من قبلهم لمن يرون فيه هذه الأهلية العلمية، وتكون غالباً في الرواية على كتب الحديث أو لنيل درجة الإجتهاد، وهي أشبه بالإعتراف بمكانة الشخص ومرتبته العلمية وأنه حاز المقام المعلّى من الدرجات العلمية، ونال المرتبة العلّيا.

والشيخ علي بن عبد العالي بن محمد بن أحمد بن علي بن مفلح، زين الدين ونور الدين الميسي العاملي، الشهير بابن مفلح، موضوع مؤتمرنا اليوم هو أحد كبار فقهاء الإمامية وعلمائها الربّانيين، وهو والد زوجة الشهيد الثاني الأولى.

عني بطلب العلم، فأخذ الفقه وغيره من علوم الشريعة عن جماعة من المشايخ ونال الإجازة من العلماء الأعلام والفضلاء، ومنهم:

1. ظهير الدين محمد بن علي بن الحسام (حياً 870هـ).

2. شمس الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن المؤذن الجزيني وله منه إجازة تاريخها سنة (844هـ).

3. محمد بن أحمد بن محمد الصهيوني وله منه إجازة تاريخها سنة (879هـ).

4. المحقق علي بن عبد العالي الكركي (المتوفي 940هـ) يستجيزه لنفسه ولولده إبراهيم، فأجاز لهما في سنة (934هـ) ببغداد، وأثنى على المترجم كثيراً، وقال فيه: علامة العلماء، ومرجع الفضلاء، ومهر في الفقه، ودرّس، وألّف بعض الرسائل، واشتهر.

وروى عنه جماعة، منهم:

1. نور الدين علي المعروف بابن الحجة والد الشهيد الثاني.

2. السيد بدر الدين الحسن بن جعفر بن الأعرج الحسيني الكركي ومات قبله.

3. جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن خاتون العيناثي.

4. تتلّمذ عليه ابن أخت زوجته الشهيد الثاني زين الدين ولازمه، وقرأ عليه «شرائع الإسلام» و»إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان» وغيرهما، واستفاد منه كثيراً، وقال الشهيد الثاني عند ذكره له (قدس سرهم): شيخنا الإمام الأعظم بل الوالد المعظم شيخ فضلاء الزمان ومربّي العلماء الأعيان..

5. وقال الحر العاملي: كان فاضلاً عالماً متبحراً محققاً مدققاً جامعاً كاملاً ثقة زاهداً عابداً ورعاً جليل القدر عظيم الشأن، فريداً في عصره، وكان متواضعاً، محبّاً لتلامذته، وقد عُرف عنه في جبل عامل أنه كان ينقل الحطب ليلاً على حماره في قرية (ميس) لتلامذته وعياله.

وفي صفحة 151 برقم 62 ضمن ترجمة الشيخ علي بن عبد العالي المشهور بـ: المحقّق الثاني قال: وكان ـ أي المحقق الثاني ـ معاصراً للشيخ علي بن عبد العالي الميسي وقد استجازه الشيخ علي الميسي لولده الشيخ ظهير الدين إبراهيم ـ وقد تقدم ذكره ـ ولنفسه فكتب له إجازة بذلك.

وهذه الإجازة ذكرها شيخنا الطهراني في الذريعة 1/212 برقم 1111 فقال: إجازة الشيخ نور الدين علي بن الحسين بن زين الدين علي بن عبد العالي الكركي المتوفي سنة 940 للشيخ ظهير الدين أبي إسحاق إبراهيم بن الشيخ أبي القاسم نور الدين علي بن تاج الدين عبد العالي الميسي العاملي وهي كبيرة كتبها له ولوالده علي بن عبد العالي الميسي المتوفي سنة 938 وتاريخها سنة 934.

[1] الذريعة (المحقّق الطهراني) 13 : 363 ، رقم (1351) ، و 23 : 328 ، رقم (9172).

[2] مفتاح الكرامة (جواد العاملي) 1 : 204. ينابيع الأحكام (علي القزويني الموسوي) 1 : 705.

[3] مفتاح الكرامة (جواد العاملي) 1 : 146.

[4] رسائل الكركي (المُحقّق الكركي) 1 : 175 ـــ 209 ، رسالة صيغ العقود والإيقاعات.

[5] أقول : هذا بناءً علی اتّحاد الكتابين ، وأمّا علی ما احتملناه من تعدّدهما فكلاهماكانا واصلين إليه قطعاً.

[6] مسالك الأفهام (الشهيد الثاني) 5 : 23 ، ذكر ذلك في الهامش.

[7] اُنظر : مصابيح الأحكام (بحر العلوم) 1 : 251 ، 336.

[8] اُنظر : رسائل الشهيد الثاني (الشهيد الثاني) 1 : 8.

1.JPG
2.JPG
3.JPG
4.JPG
5.JPG
6.JPG
7.JPG
8.JPG
10.JPG
9.JPG
Ball.psd
Ball.psd
Ball.psd

ستقيم جمعية الإمام الصادق Q لإحياء التراث العلمائي مؤتمراً فكرياً حول الشخصية العلمية المتعددة الجوانب في الفقه والأصول واللغة والأدب والشعر والفلسفة للعلامة الكبير السيد محمد رضا آل فضل الله الحسني{، وذلك في 5 أيلول 2014م، في العاصمة بيروت، على أن يشارك فيه العديد من الشخصيات العلمية من إيران والسعودية ولبنان.

Ball.psd
Ball.psd
Ball.psd

التقى م. الملف، العديد من الشخصيات العلمية والفكرية من إيران والعراق ولبنان، وذلك في مقر جمعية الإمام الصادق Q في بلدة أنصار الجنوبية.

1-8 copy.psd

بعدما ترك مجلسه قال:

«نحن نعد أنفسنا من الفقهاء، هذا هو الفقيه المتبحر»

إنه العلامة الفقيه الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، أستاذ الشيخ عبد الله نعمة صاحب مدرسة (جُباع)، يقول هذا عن السيد صدر الدين الصدر.

ينقل السيد حسن الصدر عن الشيخ الجليل الشيخ صادق بن الشيخ محسن الأعسم، أنّ الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والشيخ حسن ابن الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء، كانا إذا حضر إلى النجف السيد صدر الدين الصدر قادماً من مدينة (أصفهان) يجلسان بين يديه كالتلميذ مع أستاذه، مع أنهما شيخا الإسلام أنذاك.

وينقل حادثة: أنه ذات يوم كنت عند الشيخ محمد حسن النجفي في داره، وجاء السيد صدر الدين، فلما أشرق علينا، وإذا بالشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، يركض لإستقباله، ثم أجلسه مكانه وجلس بين يديه، ثم جرى ذكر اختلاف الفقهاء، فأخذ السيد الصدر، يُبين اختلاف مسالكهم واختلاف مبانيهم بما يُبهر العقول، وبعدما خرج السيد صدر الدين، قال الشيخ محمد حسن: «ياسبحان الله، السيد كأنه جالس مع جميع طبقاتهم، ويتباحث معهم، ووقف على خصوصيات مذاقهم الفقهي ومسالكهم، هذا والله العجب العُجابْ، ونحن نعد أنفسنا من الفقهاء، هذا هو الفقيه المتبحر.

لذلك الإجتهاد هو هذا الاطلاع والتبحر في مباني الفقهاء، أما الإطلاع على العموميات والكليات كما نراه اليوم، فهذا ليس اجتهاداً بقدر ما نثمن هذا الجهد وصاحبه من أهل الفضل.

ملاحظة: السيد صدر الدين الصدر بن السيد صالح الذي سجنه الجزار في عكا سنة 1197هـ الموافق 1783م، وهرب من السجن إلى العراق ومعه العائلة ونجله الصغير آنذاك السيد صدر الدين، وسكن السيد صدر الدين أصفهان، وكان من علمائها وأعيانها، وفي أخر عمره ذهب إلى النجف الأشرف وتوفي فيها.