مناسبات الشهر
مناسبات الشهر
1 |
وفاة العالم الرباني السيد صدر الدين الصدر والد الإمام السيد موسى الصدر, كان عالماً فقيهاً وأصولياً محدّثاً وأديباً وشاعراً, وكان أحد المراجع في إيران. ترك جده السيد صالح بلدة شحور من جبل عامل سنة 1197 في عهد الجزار، وتوفي السيد صدر الدين في مدينة قم في 19/ربيع الثاني/1355 هـ ودفن في جوار السيد فاطمة المعصومةO |
2 |
وفاة العالم الكبير المقدّس الشيخ عبد الله نعمة الذي كان من المؤسّسين للنهضة العلمية في جبل عامل بعد نكبة الجزار التي انتهت سنة 1219 هـ, وكانت أول حوزةٍ علميةٍ شيّدها المقدّس العلامة الشيخ حسن القبيسي قدس سره ،درس عليه العلامتان السيد علي إبراهيم المتوفي سنة 1260 هجرية، وصاحب حوزة النميرية المعروفة التي تخرج منها العديد من الفطاحل وأصبحوا رؤساء حوزات كالشيخ مهدي شمس الدين في مجدل سلم, والسيد حسن إبراهيم في أنصار, والسيد حسن يوسف مكي في حبّوش وغيرهم. والشيخ عبد الله نعمة المتوفي سنة 1303 هجري وهو صاحب حوزة جباع الشهيرة وكان أحد تلامذة العلامة الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر حيث لم يعطِ إجازةً خطيةً بالإجتهاد سوى لأربعةٍ، واحدٌ منهم الشيخ عبد الله نعمة, وكان الشيخ عبد الله نعمة مرجع البلاد في تلك المرحلة وصاحب حضورٍ وسطوةٍ دينيةٍ والناس تتبارك به . |
3 |
ولادة الشيخ حسين ابن الشيخ حسن ابن الشيخ حسين بن محمد العاملي الجبعي المعروف بالشيخ حسين محمد في 2/ربيع الثاني/1266هـ. |
4 |
وفاة السيد كاظم الأمين ابن السيد احمد ابن السيد محمد الأمين ابن السيد أبي الحسن موسى, توفي ببغداد في 27/ربيع الثاني/1303هـ, ونُقل إلى النجف الأشرف فدفن في إحدى الحجرات في صحن أمير المؤمنينQ |
5 |
وفاة الشيخ أبي تراب ضياء الدين عبد الصمد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح العاملي اللويزي الجبعي جد الشيخ البهائي، توفي في منتصف ربيع الثاني سنة 935هـ عن ثمانين سنة. |
السنة الثانية - العدد الرابع عشر/ شباط 2013م - ربيع الثاني 1434هـ
لاستفساراتكم واقتراحاتكم يرجى التواصل على العنوان التالي:
www.toorath.net toorath@live.com
70/784864
شخصية العدد
العلامة الشيخ علي الفقيه{
ولد العلامة الحجة الشيخ علي الفقيه في قرية حاريص من قرى جبل عامل في التاسع من ذي القعدة سنة 1326 هـ, قبل 108 سنوات .
والده العالم الكبير الشيخ يوسف الفقيه المعروف بالحاريصي, الذي ولد سنة 1297 هـ وتوفي سنة 1377 هـ, ودفن في قريته حاريص, تاركاً آثاراً علميةً وشهاداتٍ باجتهاده من كبار الفقهاء في النجف الأشرف.
الشيخ علي الفقيه : ترعرع في هذا البيت واستفاد منه كثيراً, فأخذعنه الطيبة والورع والمبادرة باتجاه مصالح المسلمين والعلم والمعرفة, وغالباً ما يكون للبيت وللوالدين بالتحديد الأثر الكبير على الأولاد, إلا ما شذّ وندر, وهذا ما يرتبط بإهمال وانشغال الأهل عن أولادهم, وربما تكون هناك طبيعةٌ خاصةٌ عند بعض الأولاد, وهذا ما سمعنا عنه لدى بعض أولاد الأنبياء صلوات الله عليهم, أو عند بعض أولاد الأئمة المعصومينR, أو ما شاهدناه عند بعض أولاد علمائنا الكبار الذين نجلّهم ونحترمهم, والذي يؤكّد هذا المعنى أنّه في بعض الأحيان يخرج ولدٌ شاذٌ عن الطريق المستقيم, وقد تربّى وأكل من نفس ما تربّى عليه بقية إخوته.
في البداية: درس الشيخ علي مع أخيه العلامة الحجة الأستاذ الشيخ محمد تقي الفقيه على بعض الفضلاء في بلدة حاريص, كالشيخ أحمد الحاج قاسم, والشيخ أحمد مروة, والشيخ حسن سويد, وصادف في تلك المرحلة وجود الشيخ علي المصري من الأزهر الشريف الذي كان يدّعي أنه مشرّدٌ سياسي, ونزل ضيفاً على والده الشيخ يوسف الفقيه في حاريص, وكان ضليعاً بالأدب واللغة العربية, واستفاد منه الشيخ علي والشيخ محمد تقي كثيراً, وقد قلنا سابقاً إنَّ تحصيل المقدمات في أيّ علمٍ من العلوم سوف يُؤسّس لهذا الطالب أساساً متيناً تظهر نتائجه في المستقبل, وهذا ما كان عليه السلف الصالح،فلم يكتفوا بدراسة كتابٍ واحدٍ في النحو أو الصرف والمنطق, بل كانوا يدرسون كلّ الكتب القديمة المعقدّة, والإشكالات التي طرحها البعض على هذه المنهجية ثبت خطأها, وأنَّ الحق مع أولئك الذين بذلوا جهداً وأعطوا وقتاً في سبيل تحصيلها, ولهذا كنا نقرأ عن العلامتين الشيخ جعفر مغنية ونجله الشيخ موسى مغنية كيف تخصصَّا في علم المقدمات وفي العلوم العربية, والفضل يعود إليهما في ذلك النتاج العلميّ الهائل الذي حصل عليه علماء تلك المرحلة.
الذهاب إلى النجف الأشرف : حيث كان يعتقد والده الشيخ يوسف، كماالكثير من علماء جبل، أنه لابُدَّ من الذهاب إلى الحوزة المركزية التي تحتوي على وفرةٍ من الأساتذة المتخصصين والمتفرغين للتدريس والمباحثة, ففي جبل عامل يوجد فقهاء كبار لو اجتمعوا في مكانٍ واحدٍ وتفرغوا للتدريس والتصنيف- وبما يملكون من ذهينةٍ وقادة-بالتأكيد لفاقوا بعطاءاتهم العلمية النجف الأشرف والكاظمية وسامرّاء، لكن المشكلة أنّهم تفرغوا لشؤون المجتمع وانصهروا بالتبليغ الديني
والمشاكل السياسيّة والإجتماعية, وكانت بلادهم دائماّ في معرض الخطر إما من الصليبيين، أو من المماليك،أوالعثمانيين أوالفرنسيين, وأخيراًمن الإحتلال الإسرائيلي, ومع ذلك لم يبتعدوا كثيراً عن العلم ولا عن التدريس والتصنيف مع كلّ انشغالاتهم, لهذا نجد أنَّ العلامة الشيخ يوسف الفقيه يساعد نجله الشيخ علي على الذهاب إلى النجف الأشرف كي يُكمل تحصيله العلمي, هناك مجاورة الإمام أمير المؤمنين عليQ والإبتعاد عن الأوطان وعدم الإنشغال بالأهل والأقارب, فإذا كان الشيخ علي الفقيه قد نزل إلىالسرداب؛ وهو يشبه الملجأ في بلادنا، للإتقاء من الحر لمدة سنتين ولم يخرج منه, فهل كان هذا ممكناً في بلاد جبل عامل بين الأهل والأقارب, لهذا كان لا بدَّ من التوجه إلى حوزة النجف وذلك سنة 1344 هـ, حيث كانت مراسم الذهاب إلى النجف هي نفسها لا تختلف بين طالبٍ وطالب؛حيث معاناة الطريق والسفر، والفقر والمرض ومكابدة الجوع والحر والبرد, لكن كلّها كانت تنتهي آلامها أمام لذة المجاورة لأمير المؤمنينQ مضافاً إلى لذة الحصول على العلم, كنت ذات يومٍ صغير السنّ في النجف, وكان الوالد يتباحث مع رفقائه في الدرس فكنت أسمعهم يقولون, لو أنهم أرسلوا إلينا من لبنان أن اتركوا النجف الأشرف والدرس, وتعالوا لنعينكم في رئاسة الجمهورية أو الوزراء أو النواب واللهِ لما فعلنا, و ما نحن عليه من الفقر والجوع ومجاورة الإمام عليQ والحصول (على العلم) لإن لذّة ما نحن عليه لا تُقاس بكل لذّات الدنيا .
درس الشيخ علي الفقيه: على كبار الفقهاء في النجف وحصل منهم على شهاداتٍ بالإجتهاد, منهم المرجع الديني السيد أبو الحسن الأصفهاني, والعالم العلم السيد حسين الحمامي, والعلامة الكبير الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء, الذي كان له حضورٌ وفعاليةٌ في المنهج التقريبي بين المذاهب الإسلامية, وخصوصاً في دار التقريب في القاهرة التي أنشأها العلامة الشيخ محمد تقي القمي بإشارةٍ من الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين (قدس سره), وذلك في أواسط القرن الماضي, وضمّ ذلك الدار كبار العلماء من المذاهب الإسلامية؛ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء من العراق, والمرجع السيد البروجردي من إيران, والسيد محسن الأمين والسيد عبد الحسين شرف الدين من لبنان, وغيرهم, ومشيخة الأزهر الشريف, وقامت تلك الدار بإنجازاتٍ قلّ نظيرها, حيث أنشأوا كليةً في الأزهر لتدريس الفقه الجعفري, ونشروا مجلةً إسلاميةً لنشر الأفكار والرؤى لعلماء المذاهب, كما عملوا على جمع الأحاديث المشتركة الواردة عن طرق السنة والشيعة عن رسول اللهP, واهتمّ بهذا الأمر آية الله السيد صدر الدين الصدر والد الإمام السيد موسى الصدر .
برز العلامة الشيخ علي الفقيه في النجف الأشرف رجل علمٍ وإصلاح, ومحبٌّ لعمل الخير وجمع الكلمة, وهذه الصفة التي كان يراها ويعتقد بها المرجع السيد أبو الحسن الأصفهاني في العلماء العاملييّن, وكان يعتمد عليهم في المهماّت ويرى أنّهم الأصلح والأقدر على التبليغ الديني من بقية العلماء الآخرين, ولهذا انبثقت علاقةٌ خاصةٌ فيما بينه وبينهم, حتى أنّه ذات يومٍ طلب من الشيخ علي الفقيه أن يصنع وليمةً على شرف العلامة السيد محسن الأمين القادم إلى النجف الأشرف, وكان السيد أبو الحسن الأصفهاني يدرك أنّ مشكلةً كبيرةً كان يعاني منها السيد محسن الأمين نتيجة مواقفه من بعض الشعائر الحسينية, والأسلوب القاسي الذي واجه فيه السيد الأمين أصحاب هذه الشعائر,مما ترك توتراً عالياً بينه وبين بعض العلماء والأعيان والشعراء, وكان السيد أبو الحسن متفهماً لمقاصد السيد الأمين, ولهذا عمل على إنهاء هذا التوتّر من خلال دعوة العلماء والشعراء والأعيان إلى وليمة الشيخ علي الفقيه, والتي سيحضرها نفس المرجع الديني السيد أبو الحسن, وهنا ما كان من الشيخ علي الفقيه إلا الإستجابة لطلب أستاذه, فاستدان من البقالين وأولم على شرف السيد الأمين, وهنا انحلّت مشكلة السيد الأمين, وتورط الشيخ علي بالديون, مما جعله يتوارى عن أنظار البقالين, حتى ذات يومٍ التقى بالطريق بالسيد أبي الحسن الأصفهاني, وراح يمازحه ثم أعطاه ورقة تشبه أوراق لف السكاكر, فما كان من الشيخ علي بعد أن افترقا إلا أن رمى الورقة على الأرض وقال هل الآن وقت مزاح, ثم عاد سريعاً ليأخذ تلك الورقة بعدما انتبه إلى أن مزاح هذا المرجع الكبير لا بدّ وأن يكون له مغزى, وهي أنّه عليك أن تصبر وتأخذ الأمور بشيءٍ من العفوية, فالله لا يتخلى عن عباده المخلصين, وبالفعل أرسل هذه الورقة إلى بعض الصرافيّن في النجف فلم يعرفوها فأرسلها إلى بغداد وإذا بها عملةٌ أجنبيةٌ فبعدما صَرفّها سدّ منها الدين وبقي معه ثلاثة عشر دينارا, هذا هو السيد أبو الحسن الأصفهاني المرجع الديني المتنوّر والمعروف بحكمته وحضوره, وهذا هو الشيخ علي الفقيه الشخصية التي يعتمد عليها والتي لها حضورها عند المرجعيات الدينية .
في سنة 1366 هـ عاد إلى جبل عامل:
وذلك بعد أن قضى من عمره في النجف 22 سنةً منكباً على التحصيل, وعلى عادة علماء جبل عامل لا يبقون في الحوزة العلمية إلى آخر حياتهم, وبعدما يحوزون قسطاً وافراً من العلم يرجعون إلى بلادهم, وغالباً ما تكون العودة بطلبٍ من أهالي القرى في جبل عامل, وهذا ما فعله أهالي حاريص وياطر وبقية القرى المجاورة، فقد طلبوا من والده العلامة الشيخ يوسف الفقيه أن يرسل خلف نجله الشيخ علي ليكون مرجعاً وإماماً لهم, وهنا نجد في جواب العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء على رسالةٍ أرسلها له الشيخ يوسف الفقيه يستجيزه في إرساله ولده الشيخ علي إلى لبنان بناءً على طلب أهالي تلك المنطقة, ويقول في الجواب الشيخ محمد حسين:
أخي وخليلي ومولاي الشيخ يوسف الفقيه أدام الله بقاءه وتأييده, سلام الله وتحيته وبركاته عليك.
وردني كتابك الكريم بشأن قرة عيني وعين العلم والفضيلة ولدنا الشيخ علي الفقيه وطلب أهل قريتكم, ولولا آية النفر وحديث ما أخذ الله تعالى على الجهّال أن يتعلّموا, حتّى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا, لما كُنّا نوافق على ذلك, وقد التمسنا منه القبول وطلبنا منه الرضا فأجابنا رضي الله عنه وأرضاه إلى هذه العزيمة الكريمة والحركة المباركة، فشكرناه وإنعزّ علينا فراقه, ونسأله تعالى أن يجعله كالغيث أينما وقع نفع, و حيثما جرى أهنأ وأمرأ, نعم وإنّه لحريٌّ بذلك, وهو ابن ابيه, وهذا الشذّا الفياّح من ذلك الشذا, فكونوا على ثقةٍ من فضله وتقواه وصلاحه وسموّ مداركه واضطلاعه بأعباء الإرشاد والهداية, وأن يكون قائد أمةٍ وعلم أئمة, فأقرّ الله عينكم وعين الشريعة الغراء به, والسلام عليكم من أخيكم المخلص ،
محمد حسين كاشف الغطاء
24/ ربيع 1 / 1356 هـ
عاد إلى جبل عامل سنة 1366 هـ, واستقبله أهالي القرى التي كان يمّر عليها حتى وصل إلى مسقط رأسه بلدة حاريص, وهنا قبل أن نتعرّض إلى المرحلة التي عاشها و مارسها الشيخ علي الفقيه في جبل عامل, لا بد وأن نستعرض بعض النماذج من الشهادات العُليا التي حملها معه إلى لبنان من أساتذته الكبار, كي نتعرّف على شخصيته العلمية و الفكرية قبل معرفة تفاصيل حياته الإجتماعية و الجهادية و السياسية.
أستاذه المرجع الديني السيد أبو الحسن الأصفهاني
بعد مقدمة يقول بحقه: إن جناب العلامة الفهّامة، ثقة الإسلام وعماد الأعلام، الشيخ علي الفقيه دامت معاليه و لا زال مستقبل أمره خيرٌ من ماضيه, فإنّه حفظه الله سبحانه, قد بذل جهده واستفرغ في طلبه وسعى مستمداً من الجهابذة الأساطين, حتّى نال مُناه وبلغ مرتبة الإجتهاد, فله العمل بنظره في الأحكام على المنهج المألوف بين المجتهدين الأعلام فللّه تعالى درّه وعليه سبحانه أجره، وأني أوصيه بسلوك جادة الإحتياط فإنها سبيل النجاة, وقد أجزت له أن يروي عنّي جميع ما أرويه بطريقي عن مشائخي العظام وأني أرجو منه أن لا ينساني من صالح الدعاء والسلام عليه ورحمة الله وبركاته .
السيد أبو الحسن الاصفهاني
22 / ربيع الثاني / 1356 هـ
أمّا إجازة العلامة الكبير الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء, فبعد مقدمة
نذكر بعض مقاطع من هذه الإجازة فقال : فوجدناه مجتهداً مطلقاً يصح له العمل برأيه والإعتماد على فتواه, هذا مع أخلاقٍ فاضلة, وملكةٍ عادلة, وصلاحٍ في ورعٍ وورعٍ في هُدى.
أما شهادة المرجع السيد حسين الحمامي فهذا بعض ما قاله في حقه : ثقة الإسلام العلامة العالم العامل الذكي الشيخ علي الفقيه سلّمه الله تعالى, بعد السلام عليكم وعلى من يلوذ بكم ورحمة الله وبركاته, لا يخفى أنّنا نسأل عنكم ونتفقّد أخبارك وندعو لكم بالتسديد, وأن يجعلكم من دعاة الدين الحنيف, فنحن نعترف لكم بالجد والتحصيل وأنّكم قد بذلتم الجهود والإجتهاد في سبيل الفضل والفضيلة, وسهرتَ الليالي مكداً مجداً, حتّى بلغت الغاية القصوى والمرتبة العليا, والمنزلة السامية التي هي محط الأنظار ومشخص الأبصار, فكنت المعني بالقول والمقصود بالإشارة, فهنيئاً لمن حلّ في جوارك ونزل بخدمتك, وتزوّدَ من فيض فضلك ومورِدِ علمك ومناهل معارفك الخ...
السيد حسين الحمامي .
إذاً هذه نماذج من الشهادات العلمية التي تدلّ على مكانة الشيخ علي الفقيه في الحوزة العلمية وعند هؤلاء الأعلام .
فبعد أن استقرّ في بلدة حاريص كان لا بدَّ من القيام بوظيفته الشرعية التي عاد إلى لبنان من أجلها؛ وهي التبليغ الديني، من الوعظ والإرشاد وإصلاح ذات البين, وإذا أردنا أن نسلّط الضوء
على شخصية الشيخ علي الفقيه وعن دوره الذي أحبّه واتّسم به, يمكن أن نقول إنّه كان محباً لإصلاح ذات البين, بل أكثر من ذلك هولم يُحبّها فقط وإنما كان موفقاً لها, وكان يمتلك القدرة والأسلوب وثقة الناس, فالإصلاح بين الناس يحتاج إلى عدة أمور:
الأمر الأول:القناعة بهذا العمل وحبّه له
الأمرالثاني:امتلاك القدرة على تشخيص المشكلة وإيجاد حلٍّ لها
الأمر الثالث: أن يقبل المتخاصمون الرجوع إليه
هذه العناصر الثلاثة لم تكن متوفرةً في جميع علماء جبل عامل, رغم امتلاكهم المقدرة العلمية والمكانة الإجتماعية, ولهذا نجد أنّ الذين اشتهروا بالتصدي لحل الخصومات على مستوىً واسعٍ من جبل عامل لم يكونوا الأكثرية .
في البداية سكن في بلدته حاريص, ثم راح يتردّد على بقية القرى حسب الظروف والإمكانات, واعظاً مرشداً ومرجعاً لهم في أحكام دينهم وشؤونهم, وكان رضوان الله عليه يتواصل في بعض الأحيان لحلّ هذه المشاكل مع مراجع النجف الأشرف, فعلى سبيل المثال ذات يومٍ أرسل الشيخ علي الفقيه رسالةً إلى المرجع الديني السيد محسن الحكيم{ يطلب فيها منه مجلد 5 و 6 من كتابه المستمسك, وما كان من السيد الحكيم إلاّ أن ردّ عليه جواب الرسالة، وممّا جاء فيها :
جانب العلامة ثقة الإسلام الشيخ علي الفقيه دام تأييده: «بعد السلام عليكم والدعاء لكم بالتأييد و التسديد والتوفيق للجد في خدمة الدين وأهله, وصلنا كتابكم الذي تطلبون فيه ج5 و ج6 من المستمسك, وسيُرسل لكم عن قريب إنشاء الله تعالى وأنتم تذكرون إعجابكم به, وأما نحن فنسأل الله تعالى أن يتقبّله وأن يجعله في سجل أعمالنا, ثم إنّني فهمت أنَّ أهالي قرية باريش اختلفوا جديداً, ووقع جريحٌ وقد وافقت الإستخارة على تكليفكم مع العلامة آل سليمان, والعلامة السيد هاشم معروف الحسني أن تبذلوا الجهد في إصلاحهم لأنَّ الأمر على أوله, وإنّني انتظر عطاء النتائج ولا يهوّلنكم الأمر؛فإن الله معكم ولا تفكّروا في الفشل فإننا إنما نسعى امتثالاً لأمر الله، لا طلباً للفوز بالنتائج في الدنيا, والسلام عليكم وعلى العلامتين من آل سليمان و السيد هاشم معروف ورحمة الله وبركاته».
محسن الطباطبائي
الحكيم 13 / صفر / 1370 هـ
هذه الرسالة نفهم منها عدة أمور :
الأول : مكانة الشيخ علي الفقيه عند كبار الفقهاء في النجف الأشرف وأنهم يرونه أهلاً للقيام بهذه المهام .
الثاني: إنّ المرجعية الرشيدة رغم الإنشغال في أمورٍ كبيرة, نراهم يهتمون بمسائلَ صغيرةٍ من حيث الخطر، ويمكن أن يتابعها أي ّموظفٍ في مكتب هذه المرجعية, بينما نرى نفس السيد الحكيم يتحدّث عنها ويكلّف العلماء في حلّها, ثم يقول لهم إنّني أنتظر النتائج .
الثالث: إنّه يلفت عنايتهم إلى أن لا يضعوا الفشل والنجاح نصب أعينهم, فهم مكلّفون بالقيام بإصلاح ذات البين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و هذا واجبٌ عليهم من حيث وجوب امتثال أوامر المولى عز وجل, بعيداً عن النجاح أوالفشل, وهذه النقطة أساسيةٌ جداً في حياتنا العملية, وفي جميع ما تقوم به من فتح الحانوت إلى إصلاح ذات البين والأمر بالمعروف, إلى الجهاد المقدّس في سبيل تحرير الأرض و الإنسان, فالنتائج في هذه القضايا غير مرتبطةٍ في أصل التكليف, نعم تبقى مسائل أساسيةٌ متوقفةٌ علينا؛كالإخلاص في النية ودقة التشخيص والإعداد، فهذه العناصر مرتبطةٌ بامتثال الأوامر, ولهذا عندما نرى السيد محسن الحكيم يُكلّف الشيخ علي الفقيه, فإنّه يكون قد لاحظ جميع هذه الشروط المتوفرة في شخص الشيخ علي الفقيه .
وأيضاً نجد العلماء يتصدون دائماً لما فيه مصلحة الناس، سواءً بإصلاح أمورهم مباشرةً، أو تعليمهم أحكام دينهم, أو الدعاء والتضرع إلى الله تعالى في إصلاح شؤونهم الدينية والدنيوية, وهذا ما حدث مع العلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين, عندما حبست السماء ماءها وأصبحت الأرض بحالة جدب, والناس في جبل عامل تعتمد على الزراعة؛ وبدون الماء لا يمكن أن يكون هناك محصول, لهذا تصدى ذلك العالم العملاق السيد شرف الدين إلى ضرورة أن يبادر العلماء في قراهم إلى صلاة الإستسقاء عَلَّ الله تعالى يرحمنا وينزل المطر, فأرسل رسالةً إلى العلامة الشيخ علي الفقيه يطلب فيها منه صلاة الإستسقاء ومما جاء فيها:
شيخنا العلامة الشيخ علي فقيه أبقاه الله فخراً, قد ترون تأخرنا عن الإستغاثة بلطف الله ورحمته ممّا يزيد في بعدنا عنه تعالى, ونعوذ بالله من سخطه ونستجيره من ما يزيد في بعدنا عن مراحمه, ولهذا علينا أن نقيم صلاة الإستسقاء يوم الإثنين القادم بعد صوم نهاري السبت والأحد، على أن يقوم بهذا كل عالمٍ في قريته, فلعلّ الله تعالى يرحمنا ويغيثنا بلطفه فإن رحمته وسعت كلّ شيء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبد الحسين شرف الدين
الأربعاء 13 / جمادي الثانية / 1370 هـ
وإنشاء الله تعالى سوف نتحدث بالتفصيل في موسوعتنا حول هذه الشخصيةالإجتماعية بامتيازٍ، وعن المراسلات التي كانت بينه وبين مراجع النجف وعلماء لبنان, وعن علاقته بالإمام السيد موسى الصدر وبقية الأعيان من الزعماء السياسيين, حيث نجده في كلّ هذه العلاقات همّه الوحيد مصلحة الطائفة الشيعية الكريمة وتقديم النصيحة مهما أمكن, كان باستطاعته أن يكون أحد اللاعبين السياسيين على أرض الوطن, لكنه رغب في الإبتعاد عن المناصب, من دون أن يبخل في تقديم النصيحة,لقد عرض عليه الإمام الصدر أثناء تشكيل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى رئاسة الجلس فرفضها, وعرض عليه دوراً مميّزاً خارج الإعلام فرفضه,كان فقط يريد لهذه المؤسسة أن تنجح وأن تكون الطائفة الكريمة بخير,وفي خاتمة الحديث المختصر عنه رضوان الله تعالى عليه نذكر أمرين :
الأمر الأول : آثاره العلمية وهي عبارةٌ عن عدة عناوين تكشف عن مدى حضوره العلمي واطّلاعه على علومٍ مختلفةٍ غير الفقه والأصول.
الأمر الثاني : الذي أحببنا الإشارة إليه وفاته: بعض مقتطفاتٍ منكلمات التأبين إلى الكرامة التي حدثت له بعد الدفن فنهار الأحد من صفر لعام 1410 هـ الموافق 17/أيلول/1989 م ارتحل عن هذه الدنيا الفانية إلى الرفيق الأعلى وكان له تشييعٌ مهيبٌ حيث نُقل جثمانه الطاهر إلى النجف الأشرف ليدفن عند جوارالإمام أمير المؤمنين عليQ في وادي السلام .
ظهرت له كرامةٌ بعد وفاته بعدة سنوات على دفنه، قرّر النظام اللّعين أن يشق طريقاً بالقرب من المقام لغاياتٍ في نفسه الخبيثة, وإذا بكثيرٍ من القبور اندثرت معالمها ومن جملتها قبر الشيخ علي الفقيه, وصادف وجود الشيخ سلمان الخليل في مهمة دفن إحدى الجنائز, فأخذ يتذكّر أين مكان قبر الشيخ علي الفقيه, وبالفعل وجده, وطلب من مجموعةٍ من الأفاضل العامليين أن يحضروا لنقل الجثمان, وبدأ الحفّار بحفر القبر, وأبعد الشيخ سلمان العلماء عن مكان القبر كي لا يتعرض للهتك, وأحضر كماماتٍ لأجل الروائح, وما إن وصل إلى الجسد حتى بدأ يُكبرّ ويصرخ ويُهللّ, وناداهم:
«تعالوا الشيخ علي كما هو لم يتغيّر, بل أكثر من ذلك كان يلوي بين أيديهم كأنه مات الآن, ثم نُقل إلى مكانٍ مناسبٍ في نفس وادي السلام».
وأُقيم له في لبنان احتفالٌ تأبينيٌّ حاشدٌ, حضره جمعٌ كبيرٌ من العلماء والفعاليات السياسية والإجتماعية وأهالي المنطقة، وألقيت العديد من الكلمات وأهمها كانت لسماحة العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين (رضوان الله تعالى عليه) ومما جاء فيها :
«الشيخ علي الفقيه الذي فقدناه هو عالمٌ من العلماء الكبار, وسمعتمما ورد, أنّ العالم جسر الإسلام ومنارة الإسلام, وهو من يبني الإنسان من خلال علاقته بالناس فهو يُتمّم عمل المعصوم (ع)».
من خصائص الشيخ علي الفقيه التي يعرفها كل من عاشره وعاصره وجلس إليه علمه الذي شهد به المراجع, إلاّ أنه كان وحيداً في حل مشاكل البلاد والناس, فالشيخ علي كان أحد الأفذاذ في هذا الشأن, فقد سمعنا عنه كثيراً,وقد جرّبته والإخوان في إحدى أشدّ المراحل مرارةً وخطورةً, فكان رضوان الله عليه كبيراً في كلّ كلمةٍ وشجاعاً في كل موقف, هذه الفضائل الشخصية العظيمة مضافاً إلى العلم, أوجدت شخصية الشيخ علي الفقيه المميّزة .
أريد أن أتحدث عن جيل الشيخ علي الفقيه الذي ذهب لطلب العلم في مدارس جبل عامل وفي النجف الأشرف, حين كان طلب العلم شيءٌ خطر, فطلب العلم كان رحلةً إلى الفقر وليس إلى الغنى, وكان طلباً للموقع المغمور ورحلةً إلى حياةٍ مُرةٍ عبر السنين فقراً وحصاراً, كان رحلةً نحو الفلاحين والعمّال، وليس رحلةً نحو الوجهاء وأصحاب الأموال .
كانوا طلاب علمٍ حقيقيّين كما تنمو الشجرة البريّة, كانوا يدرسون درساً درسا، كلمةً كلمة، كتاباً كتابا, وكانوا يكرّرون الدرس في الوقت الذي يمنحهم أساتذتهم لقب عالمٍ ويعترف لهم, لم يستعجلوا ولذا كانوا علماء، لم يضعوا أنفسهم في صيغ التشريع وصيغ النموّ السريع, بل وضعوا أنفسهم في صيغ النّمو البطيء, ولذا كانت عقولهم مخزناً للعلم, وكانت صدورهم مخزناً للتقوى, و كانت حياتهم مظهراً للزهد والفقر الإختياريين.نحن نشعر بفراغٍ كبيرٍ عندما نفقد واحداً من هؤلاء، من هنا شعورنا بالفراغ الكبير بموت الكبير الشيخ علي الفقيه.
العلّامتان الشيخ علي الفقيه والشيخ محمد التقي الفقيه
صور عن بعض شهادات بحق الشيخ علي الفقيه وبعض المراسلات مع المراجع العظام
نشاطات الملف
شارك م.ملف إحياء تراث علماء الشيعة الشيخ حسن بغدادي في مؤتمر التقريب الذي انعقد في طهران بذكرى ولادة الرسول الأعظم محمدP وبدعوةٍ من المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وكانت كلمة م.الملف تحت عنوان «لو وَحَّد المسلمون نصوصهم التاريخية لما تطاول الغرب عليهم» وكانت المشاركة في المؤتمر فرصةً للقاء العديد من الشخصيات المشاركة في المؤتمر. كما كان لقاءٌ خاصٌ مع الأمين العام لمجمع التقريب سماحة الشيخ محسن الأراكي, تم خلاله عرضٌ لأفكارٍ تقريبية, وخصوصاً سياسة حزب الله في الشأن الوحدوي.
كما كانت مشاركةٌ لمسؤول الملف في احتفالٍ أقامه طلاب الحوزة في مدينة قم المقدّسة, حيث تحدّث م.الملف عن أهمية الوحدة الإسلامية ضمن إطار أسبوع الوحدة الإسلامية التي دعا إليها الإمام الخميني{ في مناسبة ولادة رسول اللهP, معتبراً أنّ الوليّ الفقيه وحده القادر على تشخيص مصلحة المسلمين وعلينا أن نقف خلفه من دون أن نسمح لأنفسنا بالتصدي لتشخيص المصلحة والمفسدة.
سوف يعقد الملف مؤتمراً فكرياً في شهر آذار المقبل 2013م حول حكم الجزّار في جبل عامل من سنة 1191هـ إلى سنة 1219هـ إذ سيتناول الباحثون عناوين أساسية سواءفي مرحلة جبل عامل قبل الجزّاروالظروف التي ساقت إلى تولّيه الحكم, والأضرار التي لحقت بهذه الحقبة الزمنية التي امتدت حوالي ثلاثين سنة, ودراسة الظروف التي أدّت إلى إنهاءحكمه, مضافاً إلى دراسة النهضة العلمية والإجتماعية مجدداً في جبل عامل. هذه العناوين سوف تُمكنّنا إنشاء الله تعالى من تقديم دراسةٍ وافيةٍ عن تلك المرحلة.
لقاء العديد من الباحثين والمهتمين.
لقاء العديد من الأخوة العلماء الذي قدموا من النجف الأشرف ومن قم المقدسة.
قال: إنّ الامام الحجّة| شارك في تشييعه
وإّني أعرفه من رائحته المباركة
إنّه العلامة الحجة السيد هادي الصدر نجل العلامة السيد محمد علي ابن السيد صالح, ابن السيد محمد, ابن السيد ابراهيم شرف الدين العاملي, حيث إن جدّه السيد صالح اعتقله جلاوزة الجزار بعدما قتلوا نجله العلامة السيد هبة الله واقتادوه الى سجن عكا, وبعد عدة أشهر ضاق صدره فطلب من السجناء الذين معه أن يؤمنوا على دعائه, وهو الدعاء المعروف بالطائر الرومي, ففتح الله تعالى له باب السجن وهرب مع عائلته سنة 1197 هجري تاركاً بلدة شحور الى العراق, والسيد هادي هو جد الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين لأمه, وابن عم أبيه .
سكن الكاظمية من بغداد وتوفي ودفن فيها, وكان صاحب كراماتٍ ومكاشفات, وكان رجل علمٍ وعمل, حَسَن التّقرير وجيّد التحرير, قلّ نظيره في أهل العلم من حسن البيان وتحرير المطالب, وكان عالماً بالفقه والأصول والحديث والتفسير وعلم الكلام وكان خبيراً بالطّب والرياضيات والعرفان والأدب, وكان رضوان الله عليه لا يأكل في اللّيل والنهار إلاّ مرةً واحدةً بما لا يزيد عن نصف رغيف, ولا يمدّ رجليه عند النوم .
وفي 22 / جمادي الأولى من سنة 1316 هـ توفي في بغداد فتعطلت الحياة فيها وحمله الآلاف على أكتافهم يلطمون الرؤوس والصدور, حتى وصلوا إلى صحن الدار في حرم الإمامين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد عليهما السلام, فوقف نجله العلامة الكبير السيد حسن الصدر, وإلى جانبه ذلك العالم الزاهد صاحب الكرامات والمكاشفات الذي يتحدث عنه العلامة النوري في بعض مؤلفاته: وهو الحاج ملازمان المازندراني, ويقول نجل السيد هادي السيد حسن صاحب تكملة أمل الآمل, عندما أنزلوا جثمان والدي إلى السرداب لأجل لحده, إذا بالشيخ المازندراني التفت إليّ وقال الله أكبر وأخذته الرعدة, فقلت له ما دهاك؟! فقال إنّ الإمام الحجّة| حضر إليه وهو الآن في السرداب وإنّي أعرفه من رائحته المباركة, وأنا ما كنت لأعرف عظمة هذا السيد الجليل, حتى حضر الإمام المهدي المنتظر| للمشاركة في تشييعه .