عرضوا عليه أن يكون قاضياً في محكمة صيدا، لكنه رفض دنياهم وحفر قبراً ليعظ نفسه به

05/05/2021

عرضوا عليه أن يكون قاضياً في محكمة صيدا، لكنه رفض دنياهم وحفر قبراً ليعظ نفسه به

هكذا صنع العلامة الزاهد، الأديب والشاعر الشيخ أسد الله صفا من بلدة (زبدين) في جبل عامل، إذ لم يكن قلبه متعلقاً بالدنيا ولا بشيءٍ من حطامها، وعندما عرضوا عليه القضاء الجعفري في المحكمة الجعفرية بـ (صيدا)، في قبال الإنتماء للجمعية التابعة للفرنسيين التي كان مقرّها في بلدة أنصار، وافق الشيخ أسد الله صفا على هذا العرض، بشرطين: الأول أن لا يذكروا إسمه، والثاني أن لا يطلبوا منه القيام بأيّة مهمّة.

في البداية وافقت قيادة الجمعية، معتبرين أنّ انتماء الشيخ صفا لهذه الجمعية، نصرٌ لهم ورفعة أمام الفرنسيين، والشيخ صفا، اعتبر أنّ هذا الضرر الخفيف البسيط، ينصهر أمام المصلحة العامة الكبيرة التي ستكون من خلال وجوده في المحكمة الجعفرية، إذ غالباً ما تكون هذه المناصب مرصداً للشياطين وللفساد. ولهذا، فوجود أمثال الشيخ أسد الله صفا فيها، يكون مانعاً للفساد، ولكن جاء الأمر على عكس هذا التمنّي، فعندما عرضت قيادة الجمعية الأمر على الكولونيل الفرنسي في صيدا، رفض هذه الشروط من الشيخ صفا، وقال لهم: لا نريد عملاً بهذه الشروط، فنحن نريد أن نستفيد من هذا القاضي، ولا حاجة إليه إن لم يعمل معنا. هنا لم يفكر الشيخ صفا بالأمر، ولم يترك فرصة للشيطان أن يُبرّر له عمله، بل حسم الأمر بسرعة، ورفض الوظيفة وذهب إلى مقبرة بلدته (زبدين) وحفر (قبراً) له ليعظ نفسه به ويكون عبرة للآخرين.

هذا الرفض السريع للقبول بشروطهم، وقطع الطريق على الشيطان، الذي كان بسهولة سيوجد له مخرجاً بضرورة التزامه بهذه الوظيفة، وسيبرّر له هذا الإنتماء، بأنّ المصلحة تقتضي ذلك، وأنّ وجوده في المحكمة الشرعية، فيه مصلحة للمسلمين الشيعة، وسيقطع الطريق على الفاسدين.. لكنه رحمه الله لم يُعطِ الشيطان هذه الفرصة، فاستقامته وزهده ومصالحته مع نفسه قاده إلى هذا الرفض والتوجه إلى العمل الديني من الوعظ والإرشاد، والعمل على النهضة الأدبية واللغوية، وخصوصاً هو من طلاب المدرسة الحميدية في النبطية التي شيّدها العلامة السيد حسن يوسف مكي، حيث كانت من أهمِّ المدارس في تلك المرحلة، ومن طلابها الشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ظاهر، والتي ساهمت بنشر وتطوير اللغة والشعر، وما أطلق عليه بـ (عصر النهضة).

 

اخبار مرتبطة