العلامة السيد محسن الأمين العاملي (طاب ثراه) والحث على تعلّم الأدب والشعر

03/03/2021

العلامة السيد محسن الأمين العاملي (طاب ثراه) والحث على تعلّم الأدب والشعر

بقلم: العلامة الشيخ حسن البغدادي العاملي

    الأدب والشعر، من الصفات الملازمة  لعلماء جبل عامل، وقلّما نجد أحد العلماء لا يعرف الشعر، أو لا ينشد القصائد، وهذا له علاقة بالسليقة  التي كان عليها الناس في جبل عامل.

وبما أنّ علماء الدين هم الطبقة المتعلّمة  والمثقفة، فمن الطبيعي أن يتصدّوا أكثر من غيرهم لمعرفة الشعر ، وإشاعته بين الناس، لتنقى أذهانهم، وتستقيم ألسنتهم.

من هؤلاء العلماء الشعراء علاّمتُنا السيد محسن الأمين(طاب ثراه)، ولا شك أنه لم يكن هاويَ شعرٍ فقط، بل كان محترفاً، وكان قاصداً عن وعيٍ وإدراك لضرورة تنمية حسّ الشاعرية، وإبراز هذه المشاعر  في الأوقات المناسبة، ضمن اختيارٍ دقيق للموضوع.

وبالنسبة إليه لم يكن الشعر فيه تكلّف وعناء، ولا صرفاً للوقت على حساب الفقه والأصول والعلوم الأخرى، وهذا  ما ظهر من خلال العناوين الكثيرة  والمتعدّدة التي صنّفها (قدس سره)، فكان يرى أنّ الشعر هو معبرٌ لتقوية  الذهن واستقامة اللسان ولفهم مداليل الأحاديث  الشريفة، لهذا  نراه يذهب في الجزء الأول من كتابه (معادن الجواهر)، إلى ضرورة تعلّم علم الأدب  وقراءة الشعر حفظاً وفهما ًوممارسة؛ لأنه يُعين على فهم الكتاب الكريم  والسنة الشريفة.

وأمّا ما قيل حول الحديث النبوي  المشهور  عنه صلى الله عليه وآله وسلم:

"الشعر علمٌ لا يضرّ من جهله ولا ينفع من علمه"

فيعلّق السيد الأمين على هذا الحديث: أنه بغضّ النظر عن صحته، كان في زمنٍ الجميعُ لسانُه العربية، ولا تفيدهم  معرفةُ الشعر  وممارستُه في فهم الكتاب والسنة.

ولعلّ هذا المنحى الذي ذهب إليه السيد الأمين، قريبٌ جداً من  منهج الشيخ حسن بن الشهيد الثاني  والمعروف بـ (صاحب  المعالم )، حيث كان يوجب إعراب الأحاديث الشريفة؛ لأنها تُساعد على فهم النص، وبالتالي  فإنّ فهم الشعر وممارسته بشكلٍ صحيح يؤدّي إلى ملكةٍ في اللغة العربي تُساعد على فهمِ النصوص الشرعية.

وسواء ذهبنا إلى وجوب إعراب الأحاديث، كي نفهم مداليلها، أو قلنا  بوجوب إعرابها كي لا نُلحِن بها _ من بابِ تقديس كلام المعصوم (عليه السلام)، أو ذهبنا إلى استحباب ذلك، فعلى كلّ الأوجه لا شكّ في أهميّة  الشعر، وأنه يُساعد على تقوية اللغة  العربية، وبالتالي يُحافظ عليها، أمام الأعاصير وموجات التغريب التي تجتاح بلادنا على الدوام.

أنا أوافق أصحابَ من ذهب إلى المنع من (الشعر) إذا كان على حساب (الفقه والأصول). لكن بحسب التتبّع، لم نرَ أحداً من علماء جبل عامل من الذين عُرفوا بالشعر والأدب، بأن كان ذلك على حساب  دراسة الفقه و الأصول، والعلوم  الأخرى من الحديث وعلم الكلام  والتفسير ،إلخ..

وهناك نماذج كثيرة لا يمكن حصرها، لكن على سبيل المثال نذكر: السيد محسن الأمين، والسيد محمد رضا فضل الله، والسيد حسن محمود الأمين،

والشيخ محمد حسن الحر العاملي صاحب (وسائل الشيعة)، الذي له أكثر من عشرين ألف بيتٍ من الشعر، فهؤلاء كانوا محترفين ولهم دواوين، ومع ذلك كتبوا في العلوم  المختلفة، وكانت لهم مكانة علمية واضحة، وعليه يكون الاعتراضُ مجرّدَ عمليةٍ افتراضية ليس لها مصاديق. لعله يمكن إدراجها تحت عنوان الحثّ على تحصيل العلم، فبدل  من أن يحثّوا  الطلبة بعباراتٍ قاسية  تُشعر  بالإهانة، نراهم قد استعاروا  موضوع (الشعر) مثلاً، ليكون ذريعة  لهم في تحفيزهم على الدرس  والتحصيل.

السيد محسن الأمين، ومنذ انتسابه لطلب العلم نجد له اهتمامات متعددة، منها (الشعر)، وكما أسلفنا في محلّه، فإنّ أول ديوان قرأه هو لأبي فراس الحمداني، وقد بدأ يقول القصائد قبل أن يتوجه إلى النجف الأشرف.

طبعاً، هناك مقاصد أخرى (للشعر) عند علماء جبل عامل، أشرتُ إليها في حديثي السابق فلا داعي للتكرار..

أردتُ هنا أيضاً في هذا العنوان (الأدب والشعر)، أن أختار بعضاً من قصائد السيد الأمين التي ذكرها في كتابه (الرحيق المختوم في المنثور والمنظوم)، فوجدتُ أفضل  شيءٍ أن نختار، ما اختاره سماحة الأخ الشيخ الدكتور نبيل الحلباوي، حيث عمد إلى جمعِ عيّناتٍ من قصائده (قدس سره)، سمّاها (مختارات من فنونه الشعرية)، وجاء هذا النتاج ضمن إطار (مديرية الشؤون  الثقافية  والأنشطة) في إحياء تراث العلامة السيد محسن الأمين.

 

الشيخ حسن البغدادي العاملي، المنهجُ العلمي والإصلاحي في فكر العلامة المُجتهد السيّد مُحسن الأمين" (طاب ثراه)، الجُزء الأول - الصفحة 163.

اخبار مرتبطة