المؤتمر التاسع حول السيد محمد رضا آل فضل الله الحسني

09/10/2014

المؤتمر التاسع حول السيد محمد رضا آل فضل الله الحسني

صور مؤتمر السيد محمد رضا فضل الله

نظمت جمعية الإمام الصادق (ع) لإحياء التراث العلمائي
 
مؤتمرها التاسع حول شخصية العالم الرباني العلامة المقدس السيد محمد رضا آل فضل الله الحسني (قده)
(صاحب المواهب المتعددة في الفقه والأصول والأدب)

وذلك في قاعة مسرح الإنتصار في بلدة عيناثا الجنوبية.

مؤتمر السيد محمد رضا فضل اللهحضر المؤتمر الأساتذة المحاضرين الوزير السابق الدكتور طراد حمادة، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة الإسلامية الدكتور أحمد حطيط، أستاذ الدراسات العليا في الجامعة اللبنانية الدكتور سالم المعوش، وبحضور رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين، عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله، مستشار رئيس الوزراء العراقي الشيخ عبد الحليم الزهيري، رئيس جامعة المذاهب الإسلامية في إيران الشيخ أحمد مبلغي، عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي، مسؤول منطقة الجنوب الأولى في حزب الله أحمد صفي الدين، ممثل مكتب المرجع السيد علي السيستاني الحاج حامد الخفاف، رئيس مجلس الأمناء في تجمع العلماء المسلمين الشيخ أحمد الزين، ممثل عن مطران صور للروم الملكيين الكاثوليك ميخائيل أبرص، وفد علمائي من السعودية ضم السيد هاشم الشخص والشيخ عبد الكريم الحبيل بالإضافة إلى عدد من رجال الدين وفعاليات وشخصيات ثقافية واجتماعية وبلدية واختيارية وحشد من المهتمين.

المؤتمر الذي قدّمه الإعلامي أحمد خنافر افتتح بتلاوة آيات بينات من القرآن الكريم للقارئ السيد حسين السيد، ومن ثم تم عرض فيلم تحدث عن سيرة حياة السيد محمد رضا فصل الله منذ ولادته وحتى وفاته وعن مراحل دراسته والأماكن التي تعلم فيها، وأظهر حركة نهوض وتطور المجتمع الذي عمل عليه السيد من خلال الميادين الإجتماعية والثقافية والسياسية وبالإعتماد على التبليغ والإرشاد والتأليف كوسائل لنشر الفكر والثقافة.

وبعدها ألقى عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي كلمة الجهة المنظمة لفت فيها إلى أن المقدس السيد محمد رضا فضل الله كان خائفاً على الأمة من التمزق، ولذلك عمل مع إخوانه العلماء على منع سقوط الدولة العثمانية التي بدأت ملامح سقوطها أثناء الحرب العالمية الأولى مع أنه غير مأسوف عليها مما ارتكبته طيلة القرون الماضية من جهل وبطش وتعصّب وبالخصوص أيام حكم الوالي العثماني أحمد باشا الجزار سنة 1783 بعد ما استتب له السيطرة على جبل عامل بعد نكبة شحور.
ولفت الشيخ بغدادي إلى أن الجرائم والمجازر التي ارتكبت لم تدعو المقدس السيد محمد رضا فضل الله وإخوانه إلى التشفي والإنتقام بقدر ما كانت المسؤولية هي الحاكم، فالبديل لم يكن الإستقلال إنما جاء الإحتلال البريطاني المباشر للعراق ولفلسطين والإحتلال الفرنسي المباشر لسوريا ولبنان، والأسوء من ذلك أنه نشأ عنهما احتلالاً إسرائيلياً لفلسطين، ومع ذلك كان علماؤنا وأهلنا ومجاهدونا لم يتفرجوا على الإحتلالين البريطاني والفرنسي كما لم يتفرجوا على الإحتلال الإسرائيلي، وكان المقدس السيد محمد رضا فضل الله خائفاً على لغتنا من التشوّه نتيجة ما تعاقب على هذه المنطقة من احتلالات وثقافات مختلفة، فكان لا بد من تحصين اللغة من خلال الأدب والشعر.
ثم تحدّث رئيس جامعة المذاهب الإسلامية في إيران الشيخ أحمد مبلغي وممّا جاء في كلمته: إن القوم في هذا العصر وجملة من العصور الماضية والمتقدمة علينا قد يتكوّن من السنة والشيعة، وقد حتى يتكون من المسلم وغير المسلم، فالفقيه سواء كان فقيهاً من السنة أو من الشيعة لا بد أن ينظر إلى القوم وأن يواجهه ويخاطبه ويفهمه، ولذلك نجد أن الكثير من فقهائنا كانوا ينظرون إلى واقع المجتمع، فالشهيد الأول والشهيد الثاني هما المثالان البارزان لنا، هذان الشهيدان كانا فقيهين بارزين، ولكنهما عندما رأوا أن المجتمع متكوّن من السنة والشعية دخلوا في فقه المذهب أي مذهبهما مذهب الشيعة كما دخلوا في فقه أهل السنة ودرسا هذا المذهب، وكانا عالمين وفقيهين لجميع المذاهب، وعندها تم تأسيس الفقه المقارن الذي أنتج مرحلة متقدمة.

كما وألقى مستشار رئيس الوزراء العراقي الشيخ عبد الحليم زهري كلمة رأى فيها أن أمتنا الإسلامية تواجه أخطاراً كبيرة ومشتركة، وعلينا أن نعد لها مشتركين كل ما نستطيع من عزم وقوة ومقاومة وتخطيط، لأن المؤامرة تريد مسخ هويتنا من داخلنا من خلال تشويه ديننا الإسلامي الذي جاء به رسول الله (ص) رحمة للعالمين، ويريدون أن يلطخوا قبابه الخضراء بلون الدم لكي يسلبوا منه لون الحياة ورائحة الربيع، فلا يريدون لنا أن ننطلق من جوانب هذا الدين لنحاور به الآخرين كما علمتنا مدرسة لبنان والعراق الحوزوية التي عاصرت وعايشت وتعايشت مع جميع المذاهب والأديان.
وأشار إلى أننا جميعاً في العالم الإسلامي والعربي نتعرض لهجمة شرسة ومنظمة وممنهجة لغمس هويتنا واستلاد المنظومة القيمية والأخلاقية من ديننا وتشويه صورته، وهي وجه آخر من المواجهات التي تتعرض لها الأمة من التحديات الخارجية من خلال الإستعمار والإحتلال والأشكال الأخرى، فهناك أصابع مجهولة أو معلومة اختطفت الدين من داخله وأصبحت تقتل وتهجّر وتفجّر تحت غطاء الإسلام وعباءة الدين.
وأضاف بين الزمن الذي عاشه العلامة المقدس السيد محمد رضا فضل الله وهذا المؤتمر قرن كامل من الزمن والتقلبات والتحولات في شتى مجالات الحياة التي لم تستطع أن تمحو ذكرنا أو تجعل القائمون على عقد هذا المؤتمر ينشغلون عنه في غيره من التحديات في ظل الواقع المهزوم.

بدوره رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين ألقى كلمة قال فيها إن علّامتنا المقدس السيد محمد رضا فضل الله الحسني (قده) هو أحد الأعلام العامليين الذين شاءت الأقدار والسنن إظهار وجه الحقيقة من خلال التعرّف على بعض من مكنون علمه الغزير وأدبه الوافر وفرادة قلمه، فبعد مضي قرن كامل نكتشف في شخصيته هذا الجوهر المكتنز لأبعاد عديدة وعميقة وضعته في مصاف العلماء الربانيين الذين مثلوا النموذج والأسوة.
وأشار السيد صفي الدين إلى أن الظروف السياسية والإجتماعية التي رافقت مرحلة حياة المقدس السيد محمد رضا فضل الله وعطائه كانت صعبة وشائكة وضاغطة ومعاكسة تقتضي إنصراف العلماء في جبل عامل إلى أولويات وهموم ومشاكل تفرض التقوقع والإنكفاء نتيجة الظلم المتلاحق الذي ما غادرهم يوماً، ففي ظل متغيرات فكرية ودولية وسياسية وإرهاصات الحرب الكونية إيذاناً بتبدل خريطة المنطقة لحساب مصالح الدول الكبرى نرى المقدس السيد محمد رضا فضل الله حاضراً في مجالات عديدة ومهمة ومثبتاً فضائله وفارضاً لخصوصياته ومقتحماً لساحات ذُهل منها كثيرون، وهذا يجعلنا نحتار أمام قدرة أمثاله على الإبتكار والتميّز.
وأضاف السيد صفي الدين: لقد كوّن هذا العالم الرباني فهماً متقدماً وتشخيصاً كاملاً وصائبا لدور ووظيفة الفقهاء والعلماء في زمن الغيبة الكبرى، ومتجاوزاً في ذلك الطابع التقليدي الذي ساد في مراحل وأجواء حشرت دور العلماء في زوايا محددة، واستند المقدس السيد محمد رضا فضل الله في رؤيته على إدراكه الواسع لضرورة حفظ الشريعة بالإجتهاد والتبحر منضمين إلى التقوى وسلامة النفس والإعراض عن الدنيا، وأن يجسد العالم القدوة للعمل والهداية الذي هو بحد ذاته يتطلّب تصدياً وحضوراً في المجتمع وبين الناس لبيان الحكم الشرعي ولمواجهة الفساد والظلم ونصرة المظلوم وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلها بنظره تعبّر عن الوظيفة المتكاملة التي لا تقبل التفكيك، معتبراً أن التراجع عن هذه المسؤولية سيكون سبباً لشيوع البدع وهيمنة الظالمين وتمزق الأمة وضياعها، فهذا الفهم يعد سبّاقاً وقادراً على مواكبة التحديات التي لا تجيز للعالم أن يقف منها وفيها موقف الحياد والمراقب.
وفي الشأن السياسي أكد السيد صفي الدين أن العدو الإسرائيلي يتربص ويتحيّن الفرص للنيل من شعبنا وللثأر من انتصاراتنا، فما حدث بالأمس في بلدة عدلون هو شاهد إضافي وحي على أن الخطر الإسرائيلي قائم وينبغي عدم شطبه من قاموس التحديات الوطنية مهما كانت الأوضاع السياسية والأمنية الداخلية.
ورأى السيد صفي الدين أن الخطر الإسرائيلي اليوم يتلاقى مع الخطر التكفيري لأن كليهما يعملان على إضعاف أمتنا وتقسيم بلداننا وتشتيت طاقاتنا وقدراتنا، معتبراً أن الأميركي والغربي الذي يدعي اليوم أنه يحشد لمواجهة التكفيريين في المنطقة هم كاذبون، فليس في أهدافهم ولا في أهداف حلف الناتو القضاء على داعش، بل هم يريدون إعادته إلى حظيرة مصالحهم ومشروعهم المرسوم في الحروب المذهبية والداخلية، مشدداً على عدم التعويل على القرار الأميركي والغربي، لأن القضاء على الخطر الإرهابي والتكفيري يقع أساساً على عاتق الشرفاء والمخلصين والمتيقظين وعلى العلماء رافعي راية الوحدة والعلم والتوحّد بوجه العدو للمحافظة على التماسك والوحدة في كل أوطاننا.
وختم السيد صفي الدين إن التماسك والوحدة والموقف الحازم ومساندة الجيش اللبناني هو السبيل لدفع الخطر عن لبنان، أمّا التهاون والوهن والتلطي خلف المصالح الحزبية والمذهبية الضيقة سيكون سبباً مباشراً لإضعاف لبنان في مواجهة هذا الخطر.

ومن ثم أقيمت جلسة برئاسة سماحة السيد هاشم الشخص شارك فيها الوزير السابق الدكتور طراد حمادة، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة الإسلامية الدكتور أحمد حطيط، استاذ الدراسات العليا في الجامعة اللبنانية الدكتور سالم المعوش.

وفي البداية كانت مداخلة للدكتور سالم المعوش بحث فيها مضمون كتاب السيد المقدس (ميزان العدل "السمكية" رحلة إلى الداخل في محاولة سردية)، فقد اعتبر أن هذا الكتاب هو مشروع نهضوي كبير وإن كان صاحبه قد نهج هذا النهج القصي، فعندنا في التراث العربي الكثير من الأمثال القصية التي اعتمدت هذا النوع لإيثار الحكمة والموعضة والتعليم إلى الناس.
واعتبر أن أيامنا هذه شبيهة بأيام السيد المقدس رحمه الله، فالسمكة التي سرقت من قبل جماعة من غير الجماعة التي اشترتها ونظفتها وأعدتها للطعام قد يكون مثل بسيطا جداً ولكنه في أعماقه وفي معالجة المقدس السيد فضل الله له يعطيه من العظمة ما يمكن أن يشكل مشروعاً تنويرياً إلى جانب المشاريع التي جاء بها كل من الطهطاوي وخير الدين التونسي وعلي مبارك وغيرهم الكثر ممن كانت لهم كتب لازلنا إلى الآن ندرسها ونقيم حولها الأبحاث في جامعاتنا ومعاهدنا.

وبعدها كانت مداخة للدكتور طراد حمادة بحث فيها المنحنى الفلسفي والعرفان في أدب المقدس السيد محمد رضا آل فضل الله العلامة الراحل، فقد أشار إلى أن المقدس السيد كان من العلماء العامليين الذين نادوا بمرجعية الفقهاء في شؤون المجتمع كافة، وقد عالج في كتاباته دور العلماء وصلاحياتهم وحاجة الأمة إلى القيادة التي رآها في الفقيه العادل الذي يحمل مجموعة مواصفات علميَّة وسلوكيَّة تجعله مؤهلًا لموقع المرجع القائد.

كما وكانت مداخلة للدكتور أحمد حطيط بحث فيها الإمامة في فكر العلاّمة المقدس السيد محمد رضا آل فضل الله، فقد أشار إلى أن ما سبق يشكل نقطة ارتكاز في فكر المقدس السيد محمد رضا لوجوب الإمامة والحاجة الضرورية إلى معرفته وتنصيبه، وهذا يشكل مسوغاً لما أسماه الباب الثاني من الكتاب الذي يفرده المقدس السيد محمد رضا للحديث عن الإمامة بأنها منصب إلهي، ومقرراً أن كل ما في الكون من موجودات يحتاج إلى مرشد هادئ وقائد يدبّر يخلف الرسول ويقتدي به، فيحفظ دينهم ويهديهم إلى طريق الحق والصواب ويرعى شؤون دينهم ويصلح الإعوجاج.
وأضاف: إن المقدس السيد محمد رضا يتوقف مطولاً في هذا الباب عند صفات الإمام، فيذكر قولاً مسنداً عن الإمام الصادق (ع) مفاده أن الإمام المستحق للإمامة له أربع علامات وهي العصمة والعلم والشجاعة والكرم، ويكرر سماحته أن صفات الإمام تلك تجعل منه بالضرورة أكمل الخلق في جميع الصفات، فهو قائم مقام النبي في حفظ الدين ورعاية المسلمين، ما يجعلهم الأقرب إلى طاعته والأبعد عن معصيته، والإمام في اعتقاد المقدس السيد محمد رضا معيّن في النص لا في الإختيار، وهذا إسوة بما هو معتمد عند سائر الشيعة الإمامية أن النبي محمد (ص) قد أوصى بعلي بن أبي طالب (ع) من بعده.

وفي الختام أجريت العديد من المناقشات والمداخلات التي تمحورت حول شخصية ودور والزمن الذي عاش فيه السيد محمد رضا فضل الله الحسني (قده).

اخبار مرتبطة