مناسبات الشهر
مناسبات الشهر
1 |
وفاة العالم الرباني السيد صدر الدين الصدر والد الإمام السيد موسى الصدر, كان عالماً فقيهاً وأصولياً محدّثاً وأديباً وشاعراً, وكان أحد المراجع في إيران. ترك جده السيد صالح بلدة شحور من جبل عامل سنة 1197 في عهد الجزار، وتوفي السيد صدر الدين في مدينة قم في 19/ربيع الثاني/1355 هـ ودفن في جوار السيد فاطمة المعصومةO. |
2 |
وفاة العالم الكبير المقدّس الشيخ عبد الله نعمة الذي كان من المؤسّسين للنهضة العلمية في جبل عامل بعد نكبة الجزار التي انتهت سنة 1219 هـ, وكانت أول حوزةٍ علميةٍ شيّدها المقدّس العلامة الشيخ حسن القبيسي {، درس عليه العلامتان السيد علي إبراهيم المتوفي سنة 1260 هجرية، وصاحب حوزة النميرية المعروفة التي تخرج منها العديد من الفطاحل وأصبحوا رؤساء حوزات كالشيخ مهدي شمس الدين في مجدل سلم, والسيد حسن إبراهيم في أنصار, والسيد حسن يوسف مكي في حبّوش وغيرهم. والشيخ عبد الله نعمة المتوفي سنة 1303 هجري وهو صاحب حوزة جباع الشهيرة وكان أحد تلامذة العلامة الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر حيث لم يعطِ إجازةً خطيةً بالإجتهاد سوى لأربعةٍ، واحدٌ منهم الشيخ عبد الله نعمة, وكان الشيخ عبد الله نعمة مرجع البلاد في تلك المرحلة وصاحب حضورٍ وسطوةٍ دينيةٍ والناس تتبارك به. |
3 |
ولادة الشيخ حسين ابن الشيخ حسن ابن الشيخ حسين بن محمد العاملي الجبعي المعروف بالشيخ حسين محمد في 2/ربيع الثاني/1266هـ. |
4 |
وفاة السيد كاظم الأمين ابن السيد احمد ابن السيد محمد الأمين ابن السيد أبي الحسن موسى, توفي ببغداد في 27/ربيع الثاني/1303هـ, ونُقل إلى النجف الأشرف فدفن في إحدى الحجرات في صحن أمير المؤمنينQ. |
5 |
وفاة الشيخ أبي تراب ضياء الدين عبد الصمد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح العاملي اللويزي الجبعي جد الشيخ البهائي، توفي في منتصف ربيع الثاني سنة 935هـ عن ثمانين سنة. |
السنة الثالثة- العدد السادس والعشرون - ربيع الثاني 1435 هـ - شباط 2014م
لاستفساراتكم واقتراحاتكم يرجى التواصل على العنوان التالي:
Toorath@ live.com
70 - 61 68 08
شخصية العدد
«العلامة المرجع الشيخ محمد حسين بن الشيخ هاشم العاملي»
- من علماء القرن الثالث عشر هـ -
ولد في الكاظمية من بغداد سنة 1224هـ، أصل العائلة من جبل عامل، فهو الشيخ محمد حسين بن الشيخ هاشم بن الشيخ ناصر بن الشيخ حسين العاملي الكاظمي.
والده: المعروف بالشيخ هاشم - كان يسكن الكاظمية حيث مرقد الإمامين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد L، وكان فقير الحال يعمل في (حانوت) له فيعتاش منه، وكان ولده الشيخ محمد حسين يعمل معه ويساعده على متاعب الدهر. وبعد أن تعلّم الكتابة والقراءة وخصوصاً (القرآن الكريم)، وعلى ما حكى العلامة السيد محسن الأمين في الأعيان: «فقد وقع في قلبه حب العلم»، وكان في حيّهم أحدُ المشايخ فسأله الشيخ محمد: ماذا يصنع إذا أراد أن يُصبح طالب علم؟ فقال له الشيخ: «عليك أن تحفظ (الأجرومية) في النحو» وهو كُتيب صغير الحجم ويُعتبر أوليات علم النحو، ولكن بقيت المشكلة وهي أنّ هذا الكُتيّب غيرَ متوفر، فتمنّى على الشيخ أن ينسخها له. وبالفعل، وكأنّ الله تعالى قد سخّره لهذا الشاب، على قاعدة (إذا أراد الله أمراً هيّأ أسبابه)، مع العلم أنّ ظروفه لطلب العلم غير مهيئة، فصحيحٌ كان الطلاب يُكابدون الفقر ومع ذلك تمكّنوا من الذهاب إلى النجف الأشرف وحازوا على شرف طلب العلم، إلّا أن الشيخ محمد حسين كانت موانعه أكبر، فمضافاً أنه لا يملك أجرة الطريق، فالوالد أيضاً غير راض وهو يمنعه حتى من المطالعة في (الحانوت)، فعندما رآه يقرأ في (الأجرومية) ضربه ونهاه قائلًا له: «هذا يُعيقك عن العمل ويُلهيك عن الكسب»، ولكنّ إصرار الشيخ محمد حسين على طلب العلم، وعندما حفظ (الأجرومية) إلتقى بالشيخ ثانية وقال له: «لقد انتهيت من حفظها وكيف السبيل للتفرغ لطلب العلم»؟ فقال له الشيخ: «عليك الذهاب إلى النجف الأشرف، فهناك الحوزة العلمية ومجاورة الإمام أمير المؤمنينQ».
كان لا بدّ من التوجه إلى النجف الأشرف، بالفعل تمكّن الشيخ محمد حسين أن يجمع بالكاد أجرة الطريق، ومن دون أن يُعلم والده، توجّه إلى النجف بعد أن استأجر عربة تقلّه من الكاظمية إلى النجف، وأثناء الطريق لم يكن معه ما يأكله ممّا جعل أصحاب العربات يتحنّون عليه ويُشاركوه طعامهم.
في النجف توجّه فوراً للزيارة، بعد أن زار مقام أمير المؤمنين Q عاد ليجلس في الصحن الشريف، وجرياً على العادة كان الخدم في الحرم الشريف يطلبون من الزوار المغادرة ليغلقوا الأبواب حتى قُبيل الفجر فيُعاد فتحها من جديد، وعندما طلب الخدم منه المغادرة، قال لهم: «أنا طالب علم وغريب وليس لي أحد في هذه الديار غير الإمام علي Q فأنا ضيفه».
كان من الطبيعي أن يتركه الخدم في الصحن الشريف، فقدّموا له غرفة وجلبوا له طعاماً، فهذا طالب علم وهو ضيف الإمام Q.
كان يعرف الطلبة أنّ مجاورتهم للإمام علي Q لا تشفع لهم ليعيشوا ويرتاحوا، فبالتالي هو إمام الزهّاد والعبّاد ولايريد لعلماء الدين أن يعيشوا البحبوحة في حياتهم، وعليهم هم أيضاً أن يكونوا قدوة للفقراء وللمسلمين، نعم كان Q يمدّ يد العون لمن يراه مخلصاً وله قابليات لتحصيل العلم والإرتقاء في مكارم الأخلاق والمعرفة، لهذا لامس هؤلاء العلماء حدّ الجوع في حضرة الإمام علي Q، ولكنّ الله تعالى عوّض عليهم جوعهم وعطشهم ومكابدتهم للحر والبرد بلذة المناجاة ولذة القرب من الله تعالى، ولذة المجاورة مضافاً إلى لذة العلم ومشهورةٌ تلك المقولة لذلك العالم عندما كان يُحقّق في مسألة علمية فيقول: «أين الملوك وأبناء الملوك عن هذه اللذة». هذا الإخلاص والصبر والجوع والحرّ أوصل الشيخ محمد حسين من بائع في (الحانوت) إلى أحد كبار مراجع الشيعة.
إستمر الشيخ محمد حسين في سكنه في الصحن الشريف مدةً طويلة، وكان يُطالع على الضوء الموضوع في بيت (الخلاء)، فيبقى لعدة ساعات حتى يستنفذ طاقاته فيخلد إلى الراحة قليلاً ثم ينهض قبل الفجر للتهجّد والعبادة.
هذه الحياة، ليس فيها حتى الحد الأدنى من الذي يجب أن يحصل عليه الإنسان، ومع ذلك كانت لذّة الحصول على العلم ولذة مجاورة الإمام Q تنسيه جوعه وألمه وعطشه، وتجعله ينظر إلى ما هو مأساة بأنه اللذة والجمال، فلو كان الإنسان يسكن في قصر ولكنه يعيش بذلٍّ وهوان فينقلب القصر إلى زنزانة، ولو كان في زنزانة وهو يشعر بالعزة والكرامة لتحوّلت الزنزانة إلى أنس وفرح ولكانت طريق الراحة والعزة، إذاً المعيار هو اعتباري حيث يراه الإنسان ويجعل نفسه فيه.
تعرّف عليه الطلاب بعد فترة من الزمن نتيجة المثابرة على طلب العلم والتسديد الإلهي، وكما ورد في الخبر (ليس العلم بكثرة التعلّم وإنّما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء)، فكيف إذا كان هذا النور ممزوج بالمثابرة وببذل قصارى الجهد في سبيل تحصيل ما أمكن من الفقه والأصول والعلوم الأخرى.
أساتذته في النجف: في البداية، قرأ على العلامة الشيخ عبد الله نعمة صاحب الحوزة الشهيرة في (جبع) والذي توفي فيها سنة 1303هـ، فدرس عليه الفقه، ولا شك أنّ الشيخ عبد الله الذي هو من تلاميذ المجتهد الأكبر الشيخ محمد حسن النجفي (صاحب الجواهر) ومن كبار المجتهدين والذي قال عنه صاحب الجواهر ذات يوم: «إنّني لم أعطِ إجازة إجتهاد إلّا لأربعة من طلابي طوال حياتي منهم الشيخ عبد الله نعمة العاملي»، وهذا يؤكد المقام العلمي الذي وصل إليه الشيخ عبد الله، ولو أنه أطاع أستاذه الشيخ محمد حسن النجفي بعدم الذهاب إلى إيران عندما طلبه أهالي (رشت) ليكون إماماً لهم، لكان اليوم من كبار مراجع الشيعة، كما قال له الشيخ محمد حسن: «إنّني أرى فيك ملامح الرئاسة الدينية وأنّك صاحب المنبر الأعظم».
ثم انتقل ليدرس على أستاذ الشيخ عبد الله الشيخ محمد حسن النجفي، ونشأت علاقة وطيدة بين الشيخ محمد حسين وبين أستاذه الشيخ محمد حسن النجفي، أدّى إلى أن يصاهره على كريمته، وهذه أيضاً مكرمة إضافية للشيخ محمد حسين، وما كان الشيخ محمد حسن النجفي ليقبله تلميذاً مقرباً ثم يزوّجه كريمته لولا أنّه كان يعتقد بعلمه وبدينه وبزهده.
كما درس الشيخ محمد حسن على الفقيه الكبير الشيخ مرتضى الأنصاري والمعروف بأستاذ الفقهاء وصاحب كتابي (المكاسب في الفقه والرسائل في الأصول)، وهما يُدرّسان في مرحلة السطوح منذ تلك الفترة وإلى زماننا اليوم.
إشتغل بالتدريس بعد وفاة أستاذه، فهو لم يكن ليبادر إلى الإستقلال بتدريس البحث الخارج في حياة أستاذه الشيخ مرتضى الأنصاري، فبعد رحيله صار الطلاب والفضلاء يعودون إليه، حتى انتهت إليه الرئاسة الدينية وأصبح مرجع العرب من دون منازع.
بعض أحواله: قبل أن نتحدّث عن تلامذته ومصنّفاته، لا بُدّ من ذكر المزيد عن أحواله كي نتعرّف أكثر على هذه الشخصية الإستثنائية.
فرغم تصدّيه للمرجعية ووصول الأموال الطائلة إليه إلّا أنّه لم يستفد منها ولا حتى فيما هو من شأنه، بل بقي على حالته السابقة يواسي الفقراء من الناس والطلاب، ولم يستملك حتى منزلًا الذي هو عادة من (المؤونة) التي لا يجب فيها الخمس.
كان همّه الطائفة الشيعيّة الكريمة، فكلّ ما يُصلح شأنها ويعود بالنفع إليها كان يمدّ لها يد العون وكان يُساعد من يراه محتاجاً ولا يقيسهم على نفسه في الأمور المادية والمعاش، نعم في تحصيل العلم والعبادة كان لا يقبل من الطلاب التقصير، حتى أنّه ذات يوم قالوا له: «أنك تُطيل في صلاتك»، فكان كثير التهجّد والتعبّد والخشوع ويُطيل في صلاته، حتى أنه من يُصلي خلفه لا يُعيد الصلاة مرة ثانية خلفه، وعندما قال له البعض: «أليس قد ورد استحباب أن يُصلي الإمام بأضعف المأمومين»؟ فردّ عليهم: «ليس فيهم أضعف مني». وكأنه قدّس سره، يريد أن يقول: أنّ المانع عند هؤلاء ليس ضعف البدن وإنما ضعف التديّن والتقوى، ولو كانوا على درجة عالية من التقوى كما هو المفروض لكان هذا دافعاً قويّاً للإطالة في الصلاة وعدم الملل منها، وكما ورد في الخبر (لو أنّ العبد يعرف بين يدي من يقف في الصلاة لما التفت عنها).
وكان رضوان الله عليه شديد الإحترام لطلاب العلوم الدينية، فذات يوم، تعدّى بعض خدم حرم الشريف على أحد أهل العلم، وعندما وصل الخبر إلى الشيخ محمد حسين تألّم كثيراً، وعندما رأى رئيس السدنة في الحرم وجّه إليه كلاماً قاسياً أمام الناس قائلًا له: «لو كرّرتم هذا العمل سوف أخرجنّك من النجف الأشرف بليلة ظلماء».
وفي نفس الليلة ذهب الشيخ محمد حسين إلى بيت رئيس السدنة واعتذر منه، وقال له: «أنا أعرف مكانتك واحترامك، ولكن أردت أن أؤدّب بك السدنة، كي يروا أنّ رئيسهم ليس بمنأى عن العقاب فكيف الحال بهم»؟ وكان رئيس السدنة غاية في الأدب والإحترام، وهو يعرف مكانة الشيخ محمد حسين فردّ عليه قائلًا: «ما كنتُ لأخرج عن أمرك».
وكان أيضاً { مُهاباً وله نفوذ ومُطاع الكلمة، فذات يوم، قرّرت الحكومة أن تمنع تشييع الجنائز داخل الحرم الشريف، والشيخ محمد حسين لم يُعجبه ذلك، وعندما توفي أحد العلماء في زمن (الوباء) الذي أصاب النجف، فاعتبرها الشيخ محمد حسين فرصة لكسر هذا القرار، فدعا العلماء والطلبة إلى السير بالجنازة نحو الحرم الشريف قائلًا لهم: «وآية السيف تمحو آية القلم» أي أنّ السيف أقوى من كلامهم ومن حكمهم، ثمّ أدخلوا الجنازة إلى الحرم مُتحدّين قرار الحكومة، وبالفعل وقفت السلطة عاجزة أمام هذا المشهد وهذا الموقف الديني الكبير.
ومن جملة أحواله، كان حريصاً على التدريس وعدم التعطيل حتى في الظروف التي تعارفت عليها الحوزة، كما في المناسبات الدينية أو وفاة عالم كبير.. وعندما توفي المرجع الكبير الشيخ مرتضى الأنصاري لم يُعطّل الدرس، وعندما اعترض بعض أهل العلم على عدم التعطيل وأنّه على خلاف عادة الحوزة، ردّ عليه: «لا توجد منافاة بين الدرس وبين احترام الشيخ الأنصاري، فنحن نعقد مجلس الدرس فيستفيد الطلاب وهذا يُريح الشيخ الأنصاري، وفي نفس الوقت نجعل ثواب هذا الدرس عن روحه الطاهرة». وفي آخر حياته أُصيب بضعف البصر، فصار يكتب بقلم خطُّه عريض، وعندما أطفئ نور بصره صار يطلب من زوجته أن تقرأ له وهو يستمع ويحفظ، فلم يترك الدرس والمطالعة حتى في الحالة الحرجة.
من كراماته: أنّه توفي في الصيف، وكان الجو حاراً وليس فيه ما يدلّ على تبدّل المناخ، ومناخ النجف معروف (الصيف حار جداً والشتاء بارد جداً) ولا يوجد تقلّبات في المناخ، ولكن عند وفاة الشيخ محمد حسين، وعلى خلاف العادة، وإذا بالغيوم تلبّدت وتراكمت السّحب ثم أمطرت السماء، وهنا أرّخ لهذه الحادثة الشاعر المعروف السيد جعفر الحلي:
بحرُ علمٍ قد فقدناه |
فما أغزر علمه |
قد بكته السحب صيفاً |
واكتسى العالم ظلمه |
مذ توفي أرخوه |
ثلم الإسلام ثلمه |
أمّا تلاميذه: فكُثُر، ومن جملتهم السيد جواد بن حسين مرتضى، الشيخ محمد حرز الدين، الشيخ علي بن ياسين رفيش، الشيخ جعفر بن محمد حسن الشرقي، عبد الحسن بن راضي، السيد محمد علي بن محمد الشاه عبد العظيمي، الشيخ علي بن حسين الخاقاني، الشيخ حسن بن صاحب الجواهر، السيد مرتضى الكشميري، السيد حسن يوسف مكي، شيخ الشريعة الأصفهاني، السيد محمود الطالقاني، الشيخ حسين الطريحي.
أمّا مصنفاته:
1- هداية الأنام في شرح شرائع الإسلام (خمسٌ وعشرون مجلداً)، وصل إلى كتاب (القضاء) ومات وهو مشغول فيه.
2- بغية الخاص والعام، عبارة عن رسالة عملية رتّبها على طريقة شرائع الإسلام من أول الطهارة إلى آخر القضاء والشهادات.
3- مناسك الحج.
4- مُنجية العباد، مجموعة فتاوى جمعها تلميذُه الشيخ محمد علي الخالصي في الطهارة والصلاة والصوم.
5- نخبة العباد.
6- وسائل الشيعة في أحكام الشريعة.
7- حاشيتان على كتابين في الفقه والأصول.
وفاته:
توفي في 11 محرم 1308هـ، في النجف الأشرف ودفن في إحدى غرف الصحن الشريف التي فيها قبر السيد جواد الحسيني صاحب كتاب (مفتاح الكرامة) في الفقه.
1- نظّمت جمعية الإمام الصادق Q لإحياء التراث العلمائي
ندوة فكرية تحت عنوان:
«نجاح الأمّة في صلاح أمرائها وعلمائها».
عالجت الندوة محورين:
المحور الأول: جبل عامل بين الأمراء والعلماء (الخصوصية والتفاهم)- الأمير ناصيف النصّار والسيد أبو الحسن موسى الحسني «نموذجاً».
تحدّث عنه عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي.
وممّا جاء في كلمته: من يعرف علماء الشيعة أو يقرأ تاريخهم يرى الفرق الشاسع بينهم وبين علماء المذاهب الإسلامية، ولعلّ السبب الرئيسي يعود إلى الإنتماء وطريقة التفكير. لقد ارتبط علماء الإمامية بمدرسة لم تكن جزءاً من السلطة السياسية، وغالباً ما كانت تأخذ طابع وشكل المعارضة، وعلاقتها بالحكام كانت ولازالت محكومة لمعيار واضح لا يقبل الشكّ ولا التأويل (ما يُحقّق مصلحة الإسلام والمسلمين). وفي زمن الغيبة إرتبط فقهاء الإمامية بالمشروع الخاتم لهذه المدرسة وهو الإمام المهدي المنتظر |، وجعلوا من أنفسهم مشروع امتداد واستمرار ونيابة هذا القائد الغائب الحاضر، فكانت علاقتهم بالحكّام سلباً أو إيجاباً حسب دعوة الحكّام وطريقة تصرّفهم، فإذا دعوا الناس إلى أنفسهم بعيداً عن المذاهب الإسلاميّة، فلا شكّ أنّ هؤلاء حكّام جور ولا يمكن العلاقة معهم كونهم مصداق لقوله تعالى }ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار{. وأمًا إذا انطلقوا في حكمهم على أساس انتمائهم لأحد المذاهب الإسلامية، وأنهم يريدون إقامة حكم الله على أساس العدل، وأنّ أفعالهم ستكونُ محكومةً لما نصّ عليه هذا المذهب أو ذاك، ضمن هذا التوجّه، لم يتردّد علماؤنا في بناء العلاقة معهم واستلام بعض المناصب الدينيّة التي هي من صميم عمل علماء الدين، كالإفتاء والإشراف على الأعمال الدينيّة كمنصب شيخ الإسلام، وخصوصاً عندما لا يُشكّل هذا المنصب غطاءً دينيّاً لأعمال ذلك الحاكم. وهذا ما شاهدناه من علمائنا بالعهدين العثماني والصفوي، فالشيخ محمد الحريري الحرفوشي الذي توفي سنة 1035هـ قد تصدّى لمنصب الإفتاء أيام المعني الأول في العهد العثماني، والسيد محمد الأمين كان مُفتياً لبلاد بشاره قبل قيام حكم الجزّار، ونجله السيد علي صار فقيهاً مكان أبيه في عهد الوالي عبد الله باشا، والعلامة السيد علي إبراهيم الحسيني كان مفتياً في جبل عامل، وهو أحد مؤسّسي النهضة العلمية الثانية في جبل عامل بعد هلاك الجزّار. ورغم ما صنعه العثمانيون ضد علماء الشيعة من قتل الشهيد الثاني في عاصمتهم في 8شعبان965هـ، إلى الإنتهاكات التي مارسوها ضد المكتبات والمخطوطات، وصولًا إلى تحكيم لقيطهم السفّاح أحمد باشا الجزّار ما يقرب من 28 سنة، كل ذلك لم يمنع علماء الدين من الإستفادة من أيّة فرصة للتعاطي الإيجابي ضمن معيار مصلحة المسلمين، فالعلاقة بين مؤسّس النهضة العلمية الثانية الشيخ حسن القبيسي والوالي سليمان باشا كانت ممتازة، والعلاقة بين المفتي السيد علي إبراهيم المجدّد لمدرسة جدّه السيد أبو الحسن موسى في شقراء والوالي العثماني عبد الله باشا كانت أكثر من جيدة.
أمّا في العهد الصفوي: هناك من يأخذ على علماء جبل عامل علاقتهم الوطيدة مع السلطة الصفويّة وأنّهم شكّلوا غطاءً دينيّاً لممارستهم الفاسدة أحياناً. وأنا اعتقد أنّ هذا غير صحيح، فعلماؤنا أساساً لم يتخلّوا عن مسؤوليّاتهم في ظلّ السلطة العثمانيّة رغم الممارسات التي قام بها ولاتهم، فمن بابا أولى أن لا يتخلّوا عن مسؤولياتهم مع السلطة التي تنظر إليهم أنهم نواب الإمام |، ومع ذلك، كانت العلاقة ضمن معيار دقيق:
أولًا: لم يُبايع علماء جبل عامل الشاه الصفوي على أنه نائباً للإمام | بل على العكس، كان الشاه الصفوي ينظر إليهم أنهم نواب الإمام Q وعليه أن يُطيعهم، وكان علماؤنا يعرفون أنّ هذا الكلام غير دقيق، ولو كانوا صادقين للزم أن يتخلّوا عن العرش لصالح الفقهاء الذين هم امتداد لصاحب العصر |.
الثاني: علماء الإمامية لم يحرّضوا السلطة الصفوية على سحق المذاهب الإسلاميّة وقتل علمائهم كما فعل وعّاظ السلاطين عند الولاة العثمانيّين، ففي أواخر سنة 916 هـ إعترض المحقّق الكركي على الشاه الصفوي عند فتح هراة وقتل الجند أحد علماء المذاهب هناك، فقال له: «لماذا وضعت السيف موضع الحوار؟ إنّك لو لم تقتلهم لجعلنا يُذعن لمنطقنا الحق كلّ من وراء النهر ومنطقة خراسان».
الثالث: ما أراده علماؤنا من السلطة الصفويّة، هو الإستفادة من هذه الفرصة لبناء المساجد والمدارس وإصلاح القضاء وحلّ الخصومات والإبتعاد عن المهاترات والتعصّب ومواجهة الفسق والفجور، لهذا نجد أنّه قد وقع النزاع مع حواشي الشاه، وفي بعض الأحيان مع الشاه نفسه، من هنا نرى أنّ المحقّق الكركي قد ترك إيران وذهب إلى النجف الأشرف، وإذا صحّت رواية الشيخ حسين عبد الصمد فإنّ الكركي مات مسموماً سنة 940 هـ.
بالعودة إلى تلك المحطة التي كان فيها جبل عامل يعيش الإزدهار نتيجة التوافق بين العلماء والأمراء، وسوف أكتفي بذكر نموذج واحد حرصاً على الوقت، هو علاقة تفاهم أمير الأمراء ناصيف النصّار وزعيم المدرسة الدينية في شقراء العلامة السيد أبو الحسن موسى الحسيني، تلك المدرسة التي ضمّت أكثر من ثلاثمائة طالب. فكّل من ترجم لهاذين الرجلين يُثني عليهما وعلى دورهما الريادي في جبل عامل، فالأمير ناصيف: كان رجلًا بكلّ ما للكلمة من معنى، قائداً شجاعاً وحكيماً حليماً. تولّى الحكم في أواسط القرن الثاني عشر هـ واستطاع بحكمته وكرمه وشجاعته أن يُوحّد المقاطعات الثلاثة وأن يعود الأمر النهائي إليه، لهذا لقّب بأمير الأمراء أو شيخ المشايخ، حيث كانوا يطلقون لقب الشيخ على الأمير وكانوا يرتدون عمامة خاصة بهم، تختلف عن عمامة رجل الدين. في عهد ناصيف بلغ جبل عامل القمّة في العزّ والعطاء والإستغناء عن الآخرين فأصبح يعيش الإكتفاء الذاتي سواء العسكري أو الإقتصادي، ووقف في وجه الولاة العثمانيّين وبوجه الفتن التي صنعها العثمانيون وكانوا يحرّضون الأمراء الشهابيين على الحروب والفتن. فالمؤرّخ الفاضل الشيخ علي سبيتي في كتابه (جبل عامل في قرنين)، ينقل أحداث سنة 1147 هـ الموافق سنة 1733م، وكيف شنّ الأمير ملحم الشهابي حملته على جبل عامل بإيعاز من العثمانيّين، فغدر بأهالي بلدة (أنصار) وقتل المئات ونهبها وأحرقها. هذا الكلام يحتاج إلى الكثير من التفصيل، حرصاً على الوقت سأكتفي بذكر علاقة ناصيف مع السيد أبو الحسن موسى الحسيني، والتي هي مصداق الحديث الشريف (صنفان من أمّتي إذا صلحا صلحت الأمّة العلماء والزعماء). فالعلاقة التي نشأت بينهما كانت تقوم على مرتكزات دينية وليست مصالح شخصية، وخصوصاً أنّ سلوك ناصيف الديني كان مشهوداً له، وقصته مشهورة عندما ذهب مع خمسمائة فارس من خيرة رجاله لمواجهة الوالي العثماني (عثمان باشا) الذي جاء بعشرة آلاف مقاتل للإنتقام من أهالي جبل عامل ونزل على (بحيرة الحولة)، وفي الطريق مرّ ناصيف على بلدة (بليدا) فزار مقام النبي (يوشع بن نون) وصلّى ومسح عمامته بجدران المقام ونذر وأقسم أنّه إذا نصره الله تعالى على عدوّه أن يُجدّد بناء المقام. وبالعودة إلى علاقته بالسيد أبو الحسن موسى التي كانت أكثر من ممتازة، وكان ملتزماً بالصلاة خلفه كلّ جمعة، وكانت مشاوراتٌ تجمعهما لمصلحة جبل عامل ضمن دائرة (الخصوصية والتفاهم) وخصوصاً أنّ السيد أبو الحسن كان يتمتّع بصفة الرئيس الديني لجبل عامل وكانت المنطقة كلّها تصلّي خلفه حتى اضطر لتوسعة المسجد، وكانا يشتركان في الدعوة إلى الإستقلال عن الدولة العثمانية والعمل على التنمية والإكتفاء الذاتي لجبل عامل، وهذا ما أغاظ الولاة العثمانيّين حيث كانوا يعملون على إثارة الفتن بين أهالي جبل عامل ومحيطهم، حتى كانت الواقعة الكبرى بهذا الجبل من خلال تحكيمهم لزنيمهم أحمد باشا الجزّار. وعند وفاة السيد أبو الحسن موسى، حزن عليه الأمير ناصيف حزناً شديداً وصمّم على بناء قبّة على القبر تليق بمقامه الشريف.. هذا نموذج عن علاقة العلماء بالأمراء في جبل عامل.
المحور الثاني: المرحلة السياسية التي تحول فيها جبل عامل إلى لاعب إقليمي في عهد ناصيف النصار.
تحدّث عنه عضو هيئة الرئاسة في حركة أمل الدكتور قبلان قبلان، وممّا جاء في كلمته: لا احد يستطيع الإدعاء أنه يمكن بالتوجه الى المكتبات أو مراكز الأبحاث والدراسات التاريخية والسياسية يستطيع ان يضع مدونات وتأريخ لواقع جبل عامل خلال الفترة التي تكونت فيها الهوية السياسية والإجتماعية لهذه المنطقة، فالكثير من الكتب والمؤرخين تعمدوا إسقاط الكثير مما يتعلق بهذه المنطقة لإعتبارات معروفة وبعضهم كتب بصورة غير دقيقة متعمداً تشويه صورة هذه المنطقة وتشويه صورة ابنائها وزعمائها وقادتها.
كان ناصيف النصار قائداً مميزاً وفارساً شجاعاً لعب دوراً اساسياً في صناعة الهوية السياسية والتاريخية لجبل عامل إبان فترة زعامته لها وهي زعامة قامت أولاً على مناوشات وخصومات مع جيرانه لاسيما حاكم صفد وعكا ظاهر العمر.
وما لبثت ان انقلبت هذه الخصومة إلى وفاق «فتحالف وطيد» نظراً للعداوة التي كانا يكنانها كلاهما للعثمانيين والشهابيين. هذا التحالف أعطى لجبل عامل دفعاً كبيراً , فتفرغ النصار الى الإستعداد وإعداد القوة فأصدر منشوراً عام 1749 يقضي بترميم الحصون والقلاع ونقل مراكز الحكومات اليها وشحنها بالسلاح والمقاتلة داعياً الزعماء والقادة المحليين والناس الى الوقوف دائماً على قدم وساق والإستعداد وحمل السلاح لدى سماعهم أول طلق ناري.
لقد مكّــنته حنكته وشجاعته ان يحتل مركز الصدارة في أعين أنصاره وأعدائه فهو كما قيل فيه شيخ المتاولة المشهور في كل سوريا ببسالته وعظم قدره. وهو عميد عشائر جبل عامل بطلاً مغواراً قائداً محنكاً جمع الى الشجاعة والنخوة وسخاء الكف وحسن التدبير والغيرة والقومية والمروءة المحقة. وكان عهده أزهى عهود جبل عامل وأشقى عهوده هو الذي تلا استشهاده.
كان الولاة يحسبون حساب لناصيف النصار حساباً خاصاً. ولربما بعضهم كان لا يوِّده ولكنهم كانوا يهابونه ويتحرجون من التعرض اليه او لجماعته.
عندما تولى أحمد باشا الجزار الولاية في عكا وصيدا ومن ضمنهما جبل عامل سار على خلاف ما سار عليه من سبقه من الشهابيين الذين لم يكن لهم يد أو تأثير في جبل عامل[1]. ولكن بطش الجزار وقسوته لم يمنعه ان يبادر أولاً الى عقد اول اتفاق مع ناصيف النصار يتضمن معاهدة قوامها ان ناصيف النصار وزعماء جبل عامل لا يقاتلون مع الجزار ولا يقاتلون مع اعدائه بل يقفون على الحياد بين المنازعين. رغم ذلك فإن الجزار قد حكم البلاد بالحديد والنار وبعد استشهاد ناصيف النصار في معركة يارون قضى على قسم كبير من زعماء جبل عامل وشرد القسم الآخر الى عكار وحلب والأناضول وهاجر العلماء والمثقفون الى البلاد الإسلامية النائية كالهند والعراق وإيران خوفاً من بطش الجزار وظلمه وكانت هذه المرحلة نهاية فترة الحكم الذاتي الذي تمتع به الجبل طويلاً ولكن أهله لم يستكينوا أو يستسلموا فحصلت عدة ثورات محلية كتلك التي قام بها الشيخ حمزة بن محمد النصار والشيخ علي الزين حامي شحور. واستمر كابوس الجزار الخانق حتى مماته عام 1804 ليحل محله في عكا سليمان باشا في حقبة استمرت فيها حرب العصابات التي خاضها ابناء جبل عامل ضد الولاة واعوانهم. وبسرعة قياسية انطلقت المقاومة العاملية المعروفة بإسم «الطياح» وهو مصطلح يُـطلق على الهاربين والمطاردين الذين سرعان ما نشروا الرعب في البلاد، فصاروا يفرضون الضرائب والرسوم ويعاقبون المتمردين وقد قُــيض لهم زعيم قوي وقادر وذو نفوذ كأبيه هو فارس بن ناصيف النصار الذي قاد الثورة ضد الوالي الجديد الذي كان يُـعرف عنه أنه «سلس القيادة، ليّـن العريكة» بعكس الجزار. فقرر ان يذهب نحو عاملة بالتودد واللين بدل البطش والإرهاب فتوسط لدى الأمير بشير الثاني (1840) للتوسط مع الثوار العامليين فكان له ما أراد ووقّـع الفريقان شروط الصلح في بيت الدين وهي:
العفو العام
إعادة إقليم الشومر الى جبل عامل وكان قد سُـلخ بعد معركة يارون.
ان لا يكون لموظفي الدولة سلطة على الجبل وان يُـرجح أهله في خلافاتهم الى عميدهم الشيخ فارس النصار الذي يُـمثلهم اتجاه الحكومة وبه تُـحصر الإتصالات وعليه تعود المسؤوليات.
يعكس هذا الإتفاق الذي ظل سارياً حتى العام 1832 قوة الجبل واستقلالية أهله وتعلقهم بالحرية وميلهم الى تولي شؤونهم بأنفسهم بعيداً عن الولاة والحكام.
يقول جرجي الطرابلسي: «كانوا يفرضون وجودهم وفرادتهم في كل المناسبات حتى تمكنوا من رفع سلطة ولاة جبل عامل عنهم واصبحوا مستقلين بذاتهم وسلطتهم على بلادهم الى ان وصلت قوتهم وقدرتهم ان بدأوا يشنون الغارات تلو الغارات على أطراف ولاية الشام ويصادروا المال السلطاني ويمنعوا وصوله الى والي صيدا» [2].
فثاروا على المصريين وحلفائهم بزعامة الشيخ حسين بن شبيب بن علي الفارس ومن بعدها ثورة أخرى بزعامة احمد البيك المحمود الذي أعلن الثورة الكبرى فكان النصر حليفه واستمرت زعامته من العام 1840 الى 1865 عندما عادت البلاد لتدخل مجدداً تحت الحكم العثماني المباشر عندما دخل لبنان في عهد المتصرفية.
يتضح مما سبق ان جبل عامل الذي اتقن أهله بعض فنون الحرب ومارسوها ممارسة عملية كان في هذه الفترة يتكون من مقاطعات لكل منها راية تلتم حولها المقاتلون وكان بينها اتحاداً تاماً ومتيناً خصوصاً زمن الحروب وأوقات الخطر. كانت راياتهم من نسيج حريري أخضر وأحمر وقد طُـرز بالنسيج الأبيض آيات قرآنية وعبارات دينية:
(نصرٌ من الله وفتح قريب) (لا الله إلا الله محمد رسول الله) و(لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار)
لقد كان جبل عامل في تلك الحقبة موضع متابعة حتى من الباب العالي ووولاته لما يتمتع به ابناء الجبل من مزايا تهاب عند الشدة ويحسب لها حساب.
وكانت فرنسا وبريطانيا يتابعان حركة هذا الجبل وكان قناصلهما يرسلون التقارير ولمذكرات الى حكومات بلادهم متابعين ادق التفاصيل المرتبطة بوضع ابناء جبل عامل ومدنه وقراه.
المرحلة الجديدة في المنطقة بدأت مع الثورة الصناعية في أوروبا وزيادة حجم التدخل الغربي فيها من خلال الدول الخمس روسيا وبروسيا وايطاليا وفرنسا وبريطانيا الذين شاركوا العثمانيين الحكم وألزموهم بالنظام المتصرفي الذي اعقب زيارة شكيب افندي الى لبنان والتي اتفق فيها على ان يتولى الحكم في لبنان متصرف مسيحي من رعايا السلطنة العثمانية مع التوصية بتعزيز النعرات الطائفية في البلاد. وبعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة وسقوط الإمبراطورية العثمانية زاد التدخل الغربي في لبنان وكان مشروع «وعد بلفور» قد أطلق وبدأت السياسية الإستعمارية الجديدة الهادفة الى ضرب روح الإنماء العربي والميل نحو الوحدة عربية وتعزيز الانقسام التعلق بالغرب تمهيداً لإنشاء الكيان الصهيوني. هنا عاد جبل عامل يستعيد امجاده من الحرية والتصدي للمستعمر الجديد فسهول الجبل وجباله تشهد على تضحيات ابنائه وعلى الدم الذي بذل من اجل الحرية والاستقلال وهناء العيش. زاد الفرنسيون من ضغطهم فزاد العامليون من مقاومتهم. عندما ذهبوا الى سان ريمو ذهب العامليون الى الحجير الذي هو اليوم عنوان السياسة والمواجهة. تصاعدت عمليات المقاومة في جبل عامل لجأ الإنتداب الفرنسي الى خلق ميليشيات جنوبية.
انبرى السيد عبد الحسين شرف الدين مطالباً بالوحدة مع سوريا منادياً بفيصل ملكاً عليها رافضاً الدخول تحت الحماية الفرنسية، نجحت المقاومة في اقلاق الفرنسيين الذين اجادوا استعمال السلاح الطائفي مستعملين الصراع بين الثوار والزعامات السياسية.
كل ذلك لم يحجب عن الامام شرف الدين ولا عن السيد محسن الامين المشهد الفلسطيني قبل نكبة فلسطين، فقال الأول مستعيداً دور الحسـينQ من كربلاء وليكون لنا ولفلسطين ما كان له ولعصبته من مجد وخلود.
ليردف السيد محسن الامين ان لكم في فلسطين تراثاً وان لكم في كل غور ونجد وحزن وسهل منها دماً عجن به ترابها واختلط به ماؤها ونباتها. ان اخوانكم في فلسطين قد أقض مضاجعهم ما هم فيه من محن وبلاء وأسهد عيونهم وبوح احساسهم ما يلاقون من كيد الخصوم.
وتابع الإمام الصدر ليقول ان فلسطين في قلوبنا وعقولنا، فزرع ناصيف النصار في هذه الأرض الناس والشهامة والشجاعة في وجه الولاة والسلاطين وغرس الامام شرف الدين بذرة المجد الحديث في وجه الإستعمار والإستكبار ليرعى الإمام الصدر بيدر المقاومة الذي اصبح علامة فارقة في هذا الشرق: لا قيمة لهذا الشرق بلا لبنان ولا قيمة للبنان بلا الجنوب ولا معنى للجنوب بلا المقاومة.
2- مؤتمر العلامة الكبير السيد محمد رضا آل فضل الله الحسني {:
حيث ستعقد جمعية الإمام الصادق Q لإحياء التراث العلمائي مؤتمراً فكرياً حول هذه الشخصية العلمية المتعدّدة الجوانب في الفقه والأصول واللغة والأدب والشعر والفلسفة، والذي سيشارك فيه العديد من الشخصيّات من مختلف البلدان من إيران والسعوديّة والعراق وسوريا ولبنان وذلك في 30نيسان و1أيار2014 م.
3- سيصدر قريباً إنشاء الله تعالى كتاب (مؤتمر الجزّار):
السفّاح أحمد باشا الجزّار الذي حكم جبل عامل بشكل فعلي من سنة 1195 الموافق سنة 1781 م إلى سنة 1219 هـ.
4- لقاءات عديدة مع شخصيّات علمائية وفكرية في مقر الجمعية في بلدة (أنصار).
أشار إلى صدره أنّه يحفظ كل
ما ورد في هذه المكتبة
إنّه العلامة السيد محمد علي الصدر
العلامة السيد محمد علي الصدر: نجل العالم الفاضل السيد صدر الدين الصدر الذي اصطحبه والده إلى العراق مع العائلة حيث كان والده صغير السن، فبعد اعتقال الجزار لجده العلامة السيد صالح سنة 1189هـ الموافق 1784م ووضعه في سجن عكا حيث بقي ستة أشهر في طامورة تحت الأرض لا يميز فيها بين الليل و النهار، فضاق صدره و التجأ إلى التوسل و الدعاء، و ما أن انتهى من دعاء الطائر الرومي حتى فتح الله تعالى له باب السجن، فهرب و صمم على ترك جبل عامل والذهاب إلى النجف الأشرف، إنتقل السيد صالح مع عائلته إلى العراق، وانتقل نجله السيد صدر الدين إلى مدينة (أصفهان) في إيران بعد أن تزوج في النجف كريمة الشيخ جعفر كاشف الغطاء المعروف بشيخ الطائفة، فأنجب منها السيد محمد علي الذي قال عنه السيد حسن صدر في التكملة أنّه: «نادرة عصره ووحيد دهره»، فقد نبغ مبكراً ونال درجة الإجتهاد حيث صنف كتاباً في أحكام الصبية والمجانين وهو ابن اثني عشر سنة سمّاه (البلاغ المبين في أحكام الصبية والمجانين)، وشهد له حجة الإسلام السيد محمد باقر الرشتي الأصفهاني بالإجتهاد وصدقه علماء عصره، ولقّبه إمام جمعة أصفهان الحاج ميرزا حسن بـ (آقا مجتهد)، بعدما ناقشه في بعض الآيات الكريمة وانجرّ الكلام إلى اللغة العربية وكان الحاج ميرزا حسن إماماً في اللغة والعلوم العربية.
وكان للسيد محمد علي كرامات ومناقب منها، أنّه دخلت عليه والدته ذات يوم وهو في مكتبته التي تضم آلاف الكتب، فقالت له: يا ولدي! لا أراك تطالع في هذه الأيام، فردّ عليها: يا أمّاه إنّي أحفظ كل هذه الكتب، وأشار إلى صدره، كما أني أحفظ كل مطلب في أي صفحة من الكتاب.